أزمتنا.. أننا نبحث عن أزمة!! 

جميل مفرح



جميل مفرح

جميل مفرöح

مبادرات تصورات مقترحات وساطات حلول مرضية للأطراف ومن مثل ذلك كثير من المصطلحات والمسميات التي تمخضت عنها أو انتجتها الظروف السياسية الراهنة في بلادنا وكلها تذهب أو تسير في مسار واحد هو محاولة الخروج من أزمة لم يكن لها أن تتخلق أو توجد لو لم نرد لها ذلك.. نحن أنفسنا كيمنيين من نسعى إلى تصنيع هذه الأزمة ونبذل قصارى جهودنا لنجسدها واقعا فرضيا ولنبتكر أشكالها وكيفياتها وانه بالفعل لمن المرعب لو اكتشفنا أن اختلافنا إنما يكمن في أي تلك الأشكال والكيفيات يجب أن ينطبق على الأزمة المراد لها أن تتحقق في الوطن خصوصا وأن كلا منا يريدها حسب المواصفات والهيئة التي تقتضيها مصالحه الذاتية الضيقة.

وإنه لمن المهول والمدهش حقا إذا تأكد أننا نختلف في الشكليات والكيفيات بينما نتفق في الأساس على ضرورة وجود أزمة فأي متابع أو مهتم أو خبير في الشئون السياسية لا يفوته على الإطلاق أن الأزمة اليمنية ما هي إلا نتاج لتقارع وتنازع فوضوي جدا خارج منظومة القوانين والدساتير وحتى الأعراف والتوافقات التي أصبحت تحل محل تلك المنظومة فتفرغها من كل محتوى.. والحقيقة أن أزمتنا تتمثل في أننا نبحث عن أزمة.

إن ما شهدته الأزمة اليمنية منذ اندلاع شررها واحتدام أوارها من مبادرات وتصورات وتوافقات واختلافات راجع في مجمله إلى قصدية نزوحنا ومبارحتنا للمنظومة المذكورة آنفا والتي يقوم على أساسها نظام الحكم الذي اخترناه وارتضيناه وفاخرنا به الشعوب لأكثر من عشرين عاما مضت لنعود فجأة للانقضاض عليه بملء إرادتنا وكأننا استكثرنا على أنفسنا هذا الفخر والاعتزاز وأبينا إلا أن نفقد ما حصدناه طيلة العشرين عاما من احترام واعجاب من قبل شعوب المنطقة بل والعالم من حولنا.

اختلفنا ورفضنا بعضنا أحيانا لمجرد الرفض فقط واشتد ما بيننا أوار المعارك الكلامية والمواقف السياسية وابتكرنا كل ما يمكن أن يبتكر من النزاعات وكلنا لبعضنا الاتهامات واستحكمتنا النزعات الأنانية المفرطة حتى أصبح لا آخر لنا سوانا.. وذلك لعمري هو الانقلاب في أصدق صورة وعلى من وماذا¿ على أنفسنا وعلى منجزنا وعلى خياراتنا التي ارتضيناها يوما لتحلق بنا طوال عقدين من الزمن في الأعالي مرفوعي الرأس معتزين بالذات.

لا أدري لماذا قررنا فجأة أن نتداعى من طولنا وأن نهدم ما بنيناه من مجد تعوقت دونه الشعوب الأخرى لماذا أردنا في لحظة أن يتحول مجد وفخرنا واعتزازنا بأنفسنا وبوحدتنا وبعزيمتنا إلى مدعاة مقت وخسران وخيبة ظن لدى المجتمع الدولي.. ولدى شعوب المنطقة التي عقدت على يمننا العزيز آمالا كبيرة في مقدمتها آفة التمزق والتخاذل والتشرذم التي تعيشها أوطاننا العربية في الوقت الراهن.

لا أدري لماذا يحصل كل ذلك ولكنني وربما معي كل اليمنيين تقريبا نعرف كيف حصل ذلك لقد حصل حين أردنا أن ننقلب على أنفسنا وأن نركل بإرادتنا الباغية العمود الأساسي لبنياننا الذي بذلنا من أجله الغالي والأغلى ليشاد ويعانق السماء بخصوصيته اليمنية المطلقة.

بدونا وكأننا أصبنا بحالة من الملل مما تحقق لشعبنا ولوطننا الحبيب من منجزات ثمينة وثمينة جدا وإن شابها ما شابها من قصور أو عثرات طفيفة لا يمكن أن يلقى لها بال مقارنة بالمنجز بل ويمكن تجاوزها بالإصلاح وتحاشيها بسهولة إذا ما توفر ولو قدر بسيط من تلك العزيمة التي عرفنا بها وأصبحت واحدة من الميزات التي اقتصرت علينا كيمنيين.

إن المتابع لما يحدث اليوم في بلادنا سيصر معي على أن أية مبادرة وأي تصور أو شكل من أشكال الحلول والتراضي والمبادرات لن يصل بنا إلى مبتغى منشود بقدر ما سيفاقم مشكلاتنا وسيوسع من أزمتنا وسيصل بنا – قياسا بما تشهده الأزمة من تصاعد وتصعيد يوما فآخر- إلى طريق مسدود وسنجد أنفسنا راجعين على أعقابنا للبحث عن مبادرات وحلول أخرى لأن المبادرات والحلول والاقتراحات في مجملها لا يمكن أن ترضي الجميع مهما انتظمتها العناية وأيا كان من سيرسمها ويصوغها ما دامت خارج نطاق تغطية الدستور والقوانين يجب ألا نفتح في وجوهنا بمطلق إرداتنا أبوابا سيصعب إغلاقها وأن نتفق على أن الخروج على منظومة الحكم الذي ارتضيناه سيكون خطوة أولى في طريق إدمان الأزمات وعشق تصنيعها وابتكار وسائلها وكيفياتها.. وأنا متأكد أنه إذا تحقق الخروج على النظام والأطر الدستورية في هذه الأزمة وحققت الفوضى والانقلابات انتصارها عليه ستظل تنتصر ولن نستطيع أن نواجهها مستقبلا ولن يستقر حال هذا الشعب الطيب المتسامح لزمن غير قصير ربما يمتد لعقود من الزمن المستقبلي.. وهذا لعمري ما يخيفنا على مصلحة هذا الوطن الحبيب وما يوجب علينا التعقل والنظر من حولنا بمنظور الجماعة الشعب الأمة لا بمنظور الأنا الشخصية أو الحزبية أو المناطقية التي بدأت تنتشر في مجتمعنا كداء عصي وجرثومة خبيث

قد يعجبك ايضا