في وداع شاعر الثورة السبتمبرية وفيلسوفها 

الدكتور عبدالعزيز المقالح


الدكتور/ عبدالعزيز المقالح

د. عبد العزيز المقالح
   فقد الوطن برحيل اللواء علي قاسم المؤيد مناضلا صلبا شريفا كان في طليعة الضباط الأحرار وفقدت شخصيا بغيابه صديقا عزيزا ورفيقا على درجة عالية من الخلق والوفاء. فقد ربطتني به صداقة حميمة منذ منتصف عام 1957م وهو طالب في المدرسة التحضيرية. وكانت بداية معرفتي به عن طريق صديق العمر وزميل الدراسة في المدرسة المتوسطة ثم المدرسة العلمية بحجة السفير الأستاذ عبدالوهاب جحاف الذي كان قد سافر إلى صنعاء للالتحاق بالمدرسة التحضيرية التي قيل يومها أنها ستتولى تحضير الطلاب لابتعاثهم للدراسة خارج الوطن وقد ضمت عددا متميزا من أفضل طلاب اليمن وأكثرهم ذكاء ورغبة في التعليم. وقد توطدت علاقتي بالطالب والشاعر علي قاسم المؤيد من خلال الهواية المشتركة والمتمثلة في حب الشعر والأدب وتبادل الكتب وتعمقت أكثر فأكثر من خلال توحد الرؤية الوطنية والحلم المشترك بمستقبل جديد لكل اليمنيين الذين كانوا يعانون أقسى أنواع التخلف وكان العالم ينظر إليهم بوصفهم فصيلة من البشر تاهت عن السياق الإنساني ولم تتمكن من النمو واللحاق بالآخرين.

   وقد صار معروفا أن اللواء علي قاسم المؤيد كان ثالث ثلاثة من قيادة تنظيم الضباط الأحرار الشبان وهم بالإضافة إليه الشهيد علي عبدالمغني والشهيد محمد مطهر زيد. فقد جمعت بين هؤلاء الثلاثة علاقة مقدسة ليس في الكلية الحربية كما كتب البعض وإنما في مرحلة الدراسة وقبل الانتقال إلى الكلية. صحيح أن الشهيد علي عبدالمغني كان طالبا في المدرسة الثانوية واللواء علي قاسم والشهيد محمد مطهر كانا طالبين في التحضيرية وعلى ما بين المدرستين من تنافس طلابي إلا أن صداقة عميقة ربطت بين هؤلاء الطلاب الثلاثة وهي صداقة نسجتها خيوط القدر والشعور الوطني بضرورة التغيير. وأتذكر أن عددا من زملائهم في المدرسة وفي الكلية كانوا يغبطونهم على هذا النوع الرفيع من الصداقة التي ارتفعت بهم إلى مستوى المسئولية والشعور بالواجب تجاه الوطن وأهله ولولا ذلك الهدف العظيم لما نمت تلك الصداقة ووصلت إلى ذلك المستوى من الإخلاص.

   وتجدر الإشارة إلى أن الكلية الحربية بدراستها الجافة وموادها العسكرية البعيدة عن الشعر والأدب لم تجعل المناضل علي قاسم ينقطع عن هوايته وحبه المتزايد للإبداع الأدبي ولم تمنعه عن مواصلة كتابة الشعر. وأود هنا أن أشير إلى أن عنوان هذا الحديث يخلو تماما من المبالغة عند وصف الراحل الكبير بأنه كان شاعر الثورة وفيلسوفها فقد كان كذلك فعلا. يكتب الشعر الوطني الثوري ويقرأه على زملائه في المدرسة ثم في الكلية ليربي فيهم روح الوطنية وعشق الحرية ولأنه كان أكثر الجميع اهتماما بالقراءة ولا ينافسه في هذا سوى زميله الشهيد علي عبدالمغني فضلا عن أنه كان ينوع في قراءاته ويتجه بها نحو الدراسات الفكرية والفلسفية وكنت كغيري من زملائه وأصدقائه نندهش لما يطرحه من أفكار وما يدعو إلى مناقشته من قضايا تعلو عن إدراك الكثيرين. وقد ظل ذلك هو حاله بعد الثورة صوت الفكر الواعي المستنير ولو قد استمع إليه زملاؤه من الضباط الأحرار صغار السن خاصة وأساتذته من الضباط الكبار لما تمزق شملهم وتبعثر تنظيمهم وسطا على الثورة البعض ممن لم يكن لهم بها علاقة لا من قريب أو بعيد.

   لقد احتفظت للراحل العزيز في ذاكرتي بصور شتى لكن الصورة الأوضح والأبقى هي صورته صباح يوم الثورة لحظة إشراقة شمس الخميس الخالد في تاريخ هذا الوطن فقد كان يرتدي الخوذة العسكرية وهو يستقبلنا واحدا واحدا بابتسامة من يشارك بروحه وقلبه ومشاعره في إقامة عرس الوطن. وكان شديد الاهتمام بأول جرحى الثورة وهو النقيب علي أبو لحوم قبل أن يتم نقله إلى المستشفى فقد كان مع الملازم علي قاسم والملازم صالح الأشول هم الثلاثة المكلفون من قيادة الثورة بالاستيلاء على دار الإذاعة. وأتذكر كذلك أن فقيد الوطن كان وهو يلقي البيان العسكري الأول للثورة يوحي إلى كل من يستمع إليه في الداخل والخارج أنه لا يلقيه بصوته الذي نعرفه وإنما بصوت تجمعت فيه أصوات الملايين من أبناء هذا الشعب الذي خرج في ذلك الصباح من النفق المظلم واختار طريق الثورة والحرية والانعتاق وسيظل هذا الوطن رغم ما تعرض له من انتكاسات ومؤامرات وفيا لهذا الثائر وأمثاله ممن حملوا رؤوسهم على أيديهم في ذلك الصباح العظيم وسيظل الشعب يحمل لهم من المحبة والتقدير ما هم جديرون به وأهل له. أما جزاؤهم الحقيقي الجزاء الأكبر فعند الله وحده الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
 
مع الديوان الأول للطبيب الشاعر الدكتور هشام المعلم:

     

   عنوان الديوان (رسم عيني) وهو -أي العنوان- كما فهمته يرمز إلى أن قصائده مكتوبة أو مرسومة بنور العين لا بالكلمات والحبر. يضم الديوان ثلاثين قصيدة من شعر التفعيلة تع

قد يعجبك ايضا