محمد زين العيدروس… فارس آخر يترجل 

بقلم أحمد الجارالله


بقلم/ أحمد الجارالله

بقلم/ أحمد الجارالله

تصبح الكلمة عصية حين نكون أمام تذكر مآثر الأحبة, وتتحول مسالكها إلى مناطق وعرة حين يكون من نستذكره رفيق درب طويل, هكذا هي الحال مع محمد زين العيدروس. كان في الأيام الأخيرة, وكأنه يستشرف دنو الأجل حين سيطر عليه شعور قرب الرحيل عن هذه الدنيا, هذا الذي لم يسترح قلمه طوال سنوات, غفا أمس على كتف الليل لكن غفوته تحولت إلى سبات عميق جدا.

حين طلب مني ان يستكمل علاجه في الهند كنت أشعر أن الوقت لن يسعفه في ذلك, لكنني لبيت رغبته, فهو ربما كان يحس ان جرس الموت يرن في رأسه, وأراد الهرب من طنينه إلى هناك حيث أعتقد أنه يستطيع إبعاد المنية عنه, لكن الأجل داهمه قبل ساعات من مغادرته الكويت.

لست هنا أنعي محمد زين إنما أذكره كواحد من خمسة فرسان اخترتهم للعمل في هذه الصحيفة, و الذين عاشوا المراحل الأولى من عمر” السياسة” منذ صدورها في العام 1965 حين كانت في البداية اسبوعية, وعاصروها في تحولها إلى صحيفة يومية, وهو الذي التصق بها منذ ذاك الوقت وحتى رحيله.

سنوات طويلة من الحرب بالقلم والورق خاض غمارها زميلنا الراحل, كانت معاركها تحمل دائما في طياتها بشائر الانتصارات لأن صرير القلم أقوى من أزيز الرصاص. هذا الرجل لم يكن يشغله أي شيء عن المتابعة الدائمة لكل ما يجري حوله من أحداث فيخضعها لإعمال الفكر ليستخلص منها صواب التحليل ومعرفة اتجاهات الريح, لا سيما في متابعة أخبار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

هذا الرجل الذي كان مستمعا جيدا لكل ما يقال له, كان أيضا باحثا جيدا في ما يقال ولماذا قيل, لأن الصحافة عنده لم تكن مهنة, بل كانت حياة يعيشها, هكذا هو محمد زين العيدروس.

قبل عامين سقط أحد فرسان “السياسة” الزميل قاسم أفيوني, واليوم يغادرنا الزميل محمد زين, لقد ترجلا عن جواديهما لكن ذكراهما لا تستريح فهي تبقى تمخر عباب الذاكرة.

رحم الله محمد زين العيدروس الذاهب إلى مثواه الأخير وهو المثوى نفسه الذي سيحتوينا عندما تشاء إرادة الله سبحانه وتعالى.

ولأننا لا ننعى الزميل محمد زين بهذه الكلمات بل نذكره, فقد أمرت إدارة الخدمات في “دار السياسة” أن يبقى مكتبه كما كان عليه حين غادره آخر مرة قبل أيام, وان توضع صورته على كرسيه لعام كامل.

إذا كانت الحياة تعاش وتصنع أحداثها مع الأحياء, فعلينا أن نتذكر أن الموت كما الحياة موجود أيضا, وكثيرا ما يطرق الأبواب من دون إذن وبهدوء وصمت وبلا مقدمات في أحيان كثيرة.

عزائي الكبير إلى أسرة زميلنا الراحل آل العيدروس الكرام في اليمن والكويت وأبوظبي, لقد رحل ابنكم عن هذه الدنيا الفانية فالله أعطى والله أخذ.

*نقلا عن السياسة الكويتية

قد يعجبك ايضا