اليمن وفلسطين.. أسئلة ومقاربات

هاشم علي


هاشم علي –
فلسطين وسؤال الكتابة :
قبل بضع سنين كتب القاص عز الدين سعيد مقالا قصيرا يمكن اختزاله في هذا السؤال : ماذا نكتب لو تم حل قضية فلسطين ¿ وقبل أن أستطرد في عرض هذا المقال أتوقف وأرفع يدي معترضا .. يقول الزميل عز الدين معبرا عن ارتباط الكتابة بفلسطين إننا نكتب عن فلسطين حين نعجز عن الكتابة حين نريد أن نعبر عن حاجتنا للحرية نكتب عن تحرير فلسطين وحين نأسى بمقاومتنا الغائبة نكتب عن شعراء المقاومة الفلسطينية ويمكن أن نضيف إلى أسئلته أسئلة أخرى عديدة تحتل فلسطين فيها أسئلة الحضور بينما نفتش نحن عن الغائب والمفقود في ثقافتنا وحياتنا وإبداعنا .
كانت فلسطين منارة لوعي جديد يتشكل في ثقافتنا اليمنية تقوم أسسها وأركانها على الحرية والديمقراطية والتغيير .
ففي أزمنة الإمامة والاستعمار كانت فلسطين ونكبتها فضاء للحرية والتحرر في اليمن وتلك هي المفارقة التي شكلها الوعي الشقي بمأساة فلسطين .
في 1937 توقفت بميناء عدن سفينة تحمل عددا من زعماء فلسطين كانوا أسرى منفيين إلى إحدى الجزر في غرب أفريقيا. أصر أهالي عدن على نزول أولئك الزعماء الفلسطينيين من الباخرة واستضافتهم في أحد فنادق المدينة واجتمع لاستقبالهم عدد كبير من الأهالي وتحول المشهد إلى مسيرة كبرى تنادي بحرية فلسطين وتحرير جنوب اليمن .
هكذا تبدو صورة فلسطين في اليمن أصلا وليس صورة يمتد
في التاريخ إلى جذور عميقة تشترك في رموزها الأسطورية وأسماء مدنها وقراها مع أسماء البلدان والقرى اليمنية وهو ما أفاض في بحثه الكاتب كمال صليبي في كتابه »التوراة من جزيرة العرب« وأعاد سرده الباحث اليمني أنور خالد في كتاب يؤكد الموضوع ذاته.
ورغم ما في النص التوراتي من أماكن مقدسة فإن المجهول ظل مهيمنا على الجغرافيا ومتوزعا بما بين الأسطورة والتاريخ .
هذا المشترك بين اليمن وفلسطين الأسطورة والجغرافيا والتاريخ في الأزمنة الماضية الثورة والحرية والنضال في الأزمنة الحاضرة هو مايجمع ويؤلف ويوحد بينهما .
في 1949 نشر الأديب اليمني أحمد شريف الرفاعي مقالا في مجلة »المستقبل« بعنوان (أنا عائد من فلسطين) كان يروي فيه حكاية أحد الشباب الذين رحلوا إلى الأردن وهناك اشتركوا مع الجيوش العربية في القتال ضد العصابات الصهيونية الغازية لفلسطين .
ذكر الرفاعي المصائر البائسة لأولئك الشباب الذين حركتهم قضية فلسطين وذهبوا للدفاع عنها وقد قتل كثير منهم وضاع بعضهم في متاهة الحرب والتقط أحمد شريف الرفاعي ذلك المقاتل العائد من فلسطين الذي نجا من القتل والضياع وعاد ليروي له حكاية مشاركتهم في حرب 1948 . كانت حكاية استثنائية بطبيعة الحال فالشباب لم يكونوا فرقة من جيش نظامي كانوا فدائيين مدافعين عن حرية فلسطين كانوا أحرارا مدافعين عن الحرية على الرغم من الحرية الغائبة في اليمن . كان هؤلاء الشباب يسعون إلى التحرر من كل مايعوق »الإبداع الحر للحياة« وهذا ماعبر عن الشاعر أحمد شريف الرفاعي في سرده لحكاية هؤلاء الشبان الذين اخترقوا أنظمة الإمامة والاحتلال وخرجوا في كتيبة الحرية إلى فلسطين. ولكن أحدا لم يلتفت لهم لولا هذا المقال الذي كتبه أحمد شريف الرفاعي .

صورة فلسطين في الثقافة اليمنية
كيف يمكن أن نرسم صورة فلسطين كما عبر عنها الأدب اليمني¿ كيف تتشكل هذه الصورة حكاية سردية كبرى لقضية فلسطين نكبة تاريخية كبرى يرويها نثرا أو شعرا كتاب يمنيون يعيشون نكباتهم الوطنية ويدمجون هذه النكبة في فلسطين بنكبة وطنهم بالاستعمار والنظام الأمامي . وتبدو نكبة فلسطين مضاعفة ففي فبراير 1948 انهزمت الثورة الدستورية في صنعاء وانكسرت محاولة تحرير اليمن من السلطة الإمامية وإقامة نظام دستوري حديث يقضي على التخلف والقهر .
وبعد أشهر من انكسار الثورة في اليمن نصل إلى نكبة فلسطين وقيام دولة إسرائيل وفي هذه الفترة كان كثير من الأدباء والمناضلين اليمنيين
في السجون وزادتهم مرارة النكبة ألما فوق ألمهم بانكسار ثورتهم . هكذا تبدو مصائر الثورة في فلسطين واليمن موعودة بالهزيمة ومحكومة بالانكسار .
لقد ربط أحمد عبد الوهاب الوريث في العدد الأول من مجلة »الحكمة« ..(1937) ماتقوم به بريطانيا والصهاينة في فلسطين من مؤامرات ومعاهدات تمهيدا لقيام دولة إسرائيل وماقام به الإمام يحيى بتوقيعه معاهدة مع بريطانيا في 1934 بشأن جنوب اليمن والاعتراف باحتلاله . كان المقال بعنوان »بريطانيا لاتعترف بحقوق العرب« وكان هذا الربط التاريخي بين الاحتلالين في فلسطين وجنوب اليمن .
إلا أن هذا الربط بين مايحدث في فلسطين ومايجري في اليمن ليس كافيا لتظهر صورة فلسطين جلية واضحة في الثقافة اليمنية .إن حوادث التاريخ الاستعمار

قد يعجبك ايضا