الثقافة .. جرح لم يندمل 

جميل مفرح



جميل مفرح

جميل مفرح
> في معرض حديثه ونقاشه مع الأدباء والكتاب والمثقفين خلال افتتاح فعاليات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين – فرع صنعاء الأسبوع الماضي أشار الدكتور عبدالله عوبل وزير الثقافة إلى أن وزارته تأتي في أسفل درجات الاهتمام من حيث الدعم المالي واعتماد الموازنات السنوية من قب الحكومة وذلك في مصارحة تبريرية واضحة عكس الأخ الوزير من خلالها صورة تقريبية لإمكانات الوزارة ومحدودية قدراتها على تلبية مطالب ومشاريع المثقفين والأدباء والفنانين بالشكل الذي يحقق ما يطمحون إليه ويحلمون به سواء أكانوا أفرادا أم مؤسسات .. مع التأكيد على أن الأخ الوزير أبدى الاستعداد التام لتفعيل شراكة حقيقية مع شريحة المثقفين والمؤسسات المعنية لرفد ودعم مختلف المشاريع الثقافية التي بإمكانها أن تستعيد وتنشط روح الأداء الثقافي وتعمل على تطويره ورفد المشهد الثقافي اليمني ولكنه اشترط أن يكون ذلك الدعم في إطار الممكن والتناسب مع إمكانات الوزارة.
في الحقيقة التجاوب المتفائل والإيجابي الذي أبداه الأخ الوزير ربما هو الأهم من ناحية نظرية ومعنوية بما يشكله من حافز مطئمن للمثقفين والمبدعين خصوصا وأن أحلامهم في مطمئن بسيطة لا تلامس المستحيل والمبالغ فيه وبذلك فإنها قابلة للتحقق والإضافة الفعلية لتجاربهم الشخصية من جانب وللمشهد الإبداعي عموما من جانب آخر.
غير أن الأكثر حقيقية وتجسدا هو التدني الكبير في مستوى الاهتمام بالثقافة كعنصر تكويني هام في أي مجتمع من المجتمعات .. ما يعكس بوضوح تام عدم تقدير الدولة للشأن الثقافي وضرورة ووجوب الاهتمام به شأنه شأن أي عنصر تكويني وخدمي آخر فليست الثقافة أقل شأنا من التعليم والصحة والاقتصاد.
قد يكون الأخ الوزير لم يأت بجديد ولكنه جدد ملامسة جرح لم يشأ أن يندمل أو لم تشأ له الحكومات المتتالية أن يندمل وهو عدم إيلاء الثقافة الاهتمام الحيوي الذي تستحقه .. وهو ما يؤكد على أننا ما نزال نتعامل مع الثقافة على أنها مطلب ثانوي أو أدنى من ثانوي ونعتبرها من كماليات الحياة التي يمكن أن يستغنى عنها وذلك بالطبع ما تؤكده الرؤية العامة تجاه الثقافة سواء من قبل العامة الذين لا يرون فيها سوى الرقص والغناء مجردين أو من قبل السياسيين الذين يجرون بعيدا في اهتمامهم باتجاه السياسة وتنحصر رؤاهم في مكاسبها المفرغة من أي مكون أو عنصر حيوي سواء أكان اجتماعيا أو ثقافيا أو فكريا.
وهنا تكمن مشكلة الثقافة في عدم إدراك ماهيتها وأدوارها وإمكانياتها المطلقة في تكوين وعي اجتماعي حضاري متقدم بإمكانه أن يلامس شغاف النجاح والتطور .. ومن هنا أيضا نستخرج الإجابات لكثير من الأسئلة الملحة التي تصفع إدراكنا ليل نهار حول غياب وأفول الفنون الأساسية والأكثر ارتباطا بعامة الشعوب مثل المسرح والسينما والدراما المحلية الناجحة هذه الفنون التي تعد مدارس يتربى ويتعلم في فناءاتها ومقاعدها وعلى أفكارها وضوئها العامة والخاصة كما نجد إجابات عن الأسئلة المطروحة باستمرار حول غياب الناتج الإبداعي والحضاري والتاريخي والعلمي الذي لا نكاد نلمسه إلا على شكل تحليقات فردية وبجهود ذاتية نحتفي بها إعلاميا ربما ليوم واحد حين ندركها ثم ما تلبث أن تضاف إلى مخازن الذاكرة البالية .. ونجد هنا أيضا تبريرات واضحة لمعدلات الأمية المخيفة والمتنامية ..
أخيرا .. لن أقول أن المثقف والمبدع والفنان اليمني يريد أن تلبى مطالبه الشخصية وأن تولي الدولة جل اهتمامها بشخصه أو أن يدلل ويكبر إلى الحدود المبالغ فيها كما يحصل في كثير من البلدان الشقيقة والصديقة .. ولكن أتحدث عن الثقافة كقيمة سامية ومكون أساسي في صياغة شخصية الإنسان الحداثي المعاصر والالتفات إلى الدور الحيوي الأساسي لهذا المكون الهام الذي ما نزال إلى اليوم نتعامل معه كفائض عن الحاجة في حين نزايد ونفاخر بتحولاتنا السياسية والديمقراطية مراهنين على مستقبل متطور ومثالي ناسين أو متناسين أن التحول والتغيير أيا كان يجب أن يكون عاما شاملا باعتباره منظومة متماسكة تحققها يشترط بالتأكيد اكتمال عناصرها والثقافة عنصر أساسي مصيري لا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال .. والله من وراء المبتغى والمقصود.
 
 
 

قد يعجبك ايضا