القنـــــــاع.. نظرة في المفهوم 


للطبيعة كارتدائه جلد حيوان ماكما ارتبط بالإنسان البدائي – أسطوريا – فيما سمي بأقنعة الموت التي كان يعتقد « أن بوسعه ولوج عالم الأموات عن طريقها» (1) ثم ارتبط – بعد ذلك – بالطقوس الدينية منتقلا إلى المسرح الذي استخدمه بطرق شتى لعلها تعود – في معظمها – إلى تنكر الممثل وتأديته أدوارا مختلفة لشخصيات متعددة عن طريق ارتداء القناع ولتداخل الأجناس الأدبية فقد انتقل القناع إلى عالم الشعر في مسيرته الرمزية والتجديدية فاستخدمه الشعراء في قصائدهم عن طريق استدعاء التراث وتوظيفه بما يخدم النص جماليا ودلاليا ونظر له النقاد ودارسو الأدب في كتبهم وحاول الكثير منهم تطبيق هذا المفهوم على قصائد الشعراء المعاصرين لمعرفة كيف وظف هؤلاء الشعراء هذه التقنية الحديثة والملاحظ أن مفهومه عندهم لم يكد يختلف كثيرا عن مفهومه في المسرح إذ يجتمعون – أو يكادون- في نقطة كون القناع الوجه الآخر للمؤلف- إن صح التعبير- ولك أن تأخذ لذلك أمثلة شوارد من أقوالهم فيه فالقناع لى الدكتور جابر عصفور: «غالبا ما يتمثل في شخصية من الشخصيات تنطق القصيدة صوتها وتقدمها تقديما متميزا يكشف عالم هذه الشخصية في مواقفها أو هواجسهاأو تأملاتها أو علاقاتها بغيرها فتسيطر هذه الشخصية على قصيدة القناع وتتحدث بضمير المتكلم إلى درجة يخيل إلينا –معها- أننا نستمع إلى صوت هذه الشخصية ولكننا ندرك –شيئا فشيئا- أن الشخصية في القصيدة ليست سوى «قناع» ينطق الشاعر من خلاله»(2)
وينقل الدكتور حاتم الصكر عن مجدي وهبة في معجمه الأدبي تعريفه لقناع المؤلف persona ومنه قوله:» يكون {أي القناع} في أغلب الأحيان هو المؤلف نفسه (…) { وتوظيف الشاعر للشخصية في أدبه } ليس سوى مظهر من مظاهرشخصيته الكاملة»(3) إذ « ينسحب الشاعر من النص ليخلي مساحته لأنا أخرى يظل على مبعدة منها ظاهريا أو أدائيا لكنه في الواقع يتطابق معها إلى حد التلاشي الصوتي والوجودي والنحوي في هيئة النص وتشكيله النهائي»(4) إنه « مظهر لازدواج المرسل في الرسالة الشعرية»(5)
والمفهوم على ذلك قائم على فكرة التنكر وتقمص الشخصيات ما جعله مرتبطا بالدرامية والسردية في النص الشعري خصوصا والنص بشكل عام.
والقناع –لديهم- غالبا ما تمثله شخصية تاريخية كصقر قريش والحلاج وغيرها من الشخصيات الموجودة حقيقة في التاريخ أو أسطورية من النماذج العلياوقد يخترعها الشاعر بما تملي عليه مخيلته وقدرته الإبداعية ويلبي غرضه من النص. ويقوم القناع بدور « وسيط يتيح للشاعر أن يتأمل ذاته في علاقاتها بالعالم «(6)فتبطئ من تدفق الذات في النص إضافة إلى تخفيفها من حöدة المواجهة المباشرة بين الشاعر 2والقارئ وهو ملجأ الشعراء المحدثين للابتعاد عن الغنائية والمباشرة والتقريرية وقد يختبئ الشاعر وراء قناعه « ليعبر عن موقف يريده أو ليحاكم نقائص العصر الحديث من خلالها (…) وهم يتفننون في اتخاذ القناع للتعبير عن ذواتهم»(7).
كما أن القناع يتجلى بوصفه وسيلة لاقناص الواقع للمساهمة في تغييره كما يقرر الدكتور جابر عصفور ويرتبط بموقف الشاعر المعاصر من التراث كما يرى الدكتور حاتم الصكر(8).
والحديث عن القناع مشوب بقلق في تحديده ورسم الجوانب الأساسية المميزة له فقد تجد من يربطه بالتناص وإن ظل يدور حول كونه الوجه الآخر للناص كما فعل حاتم الصكر في مرايا نرسيس وهناك من يقرنه بالاستعارة جاعلا منه استعارة موسعة إذ تلتقي الاستعارة القناع في كون كل منهما مكونا من ركنين أساسين: المشبه والمشبه به في الاستعارة والشاعر وشخصيته في القناع بيد أن القناع مكون من ارتباط أو علاقة صوتي الشاعر والشخصية معا كما هو الحال لدى جابر عصفور فالقناع لديه ملتقى لصوتين رئيسين هما صوت الشاعر وصوت الشخصية بينما تتبادل فيه ثلاثة أصوات عند حاتم الصكر: «صوت الشاعر المقصي طواعية بأناه الرائية (…) إفساحا لصوت راو يتقمصه وينقل صوتا ثالثا هو صوت الشخصية الرمزية الأسطورية المقنعة»(9).
وإن كان القناع تقنية أو أداة من أدوات الشاعر فعليه مراعاة عدم الوقوع في العيوب التي تقلب السحر على الساحر فتقلل من قيمة القناع في العمل الأدبي ومن تلك العيوب ما ذكره الدكتور إحسان عباس بقوله: «رقة الحاجز بين الأصل والقناع تضع هذه الدرامية في أبسط حالاتها كما أن حضور الأصل باستمرار من وراء الستار يقلل التنوع في الأقنعة على اختلاف أسمائها»(10) وبنى على ذلك أحكامه على البياتي في توظيفه أبي علاء المعري برقة القشرة الدرامية في النص.
ويضيف حاتم الصكر إلى تلك العيوب « اختيار أقنعة مؤلفة بشكل انتقائي غريب حتى يتجاور الصوفي والدنيوي والثوري والمحافظ وربما الشيء وضده(…) وافتقاره إلى ما هو تاريخي»(11).
وللقارئ أن يضع بعد ذلك بعض الأسئلة في ما قيل عن عن القناع فهل القناع الشاعر¿! أو

قد يعجبك ايضا