السيميائيات … بين «بيرس» و«سوسير» 


في العصر الحديث هذان العلمان هما : الأمريكي «تشارلز سندرس بيرس» (8381 – 4191م) والسويسري «فردينان دي سوسير» (7581 – 3191م) فـ «سوسير» بشر بظهور هذا العلم الذي أطلق عليه «السيميولوجيا» في أحد فصول الكتاب الذي جمعه ونشره طلابه بعد وفاته عام 6191م والذي أطلق عليه «محاضرات في علم اللغة العام» ذكر في هذا الكتاب أن هذا العلم سيهتم بـ «دراسة حياة العلامات في المجتمع (…) ويكون جزءا من علم النفس الاجتماعي وهو بدوره جزء من علم النفس العام» (1).
وعن «سوسير» انطلقت العديد من المصطلحات اللöسانية والسيميائية كـ : «العلامة» «الدال والمدلول» «اللغة والكلام» «المحورين : الرأسي والأفقي» وغيرها من المصطلحات التي استخدمها – وطورها – الدارسون من بعده كما أنه كون المبادئ الأولية عن سيميولوجيا اللغة بتصوراته وآرائه ورؤاه التي بلورها وبرزت في كتابه عن العلامة ودورها في الفكر اللöساني منطلقا من العلامة اللغوية والنسق اللöساني الجانب الأرقى في الأنساق السيميولوجية العامة التي تستعير – هذه الأخيرة – مبادئها وأسسها منه على الرغم من كونه – أيú النسق اللöساني – جزءا متضمنا في السيميولوجيا الأمر الذي عكس «رولان بارت» طرفيه لتصبح السيميولوجيا ضمن اللöسانيات لا العكس.
في الجهة الأخرى كان العالم الأمريكي «بيرس» يؤسöس لهذا العلم الذي أسماه «السيميوطيقا» (Semiotic) رابطا إياه بالمنطق فـ «المنطق بمعناه العام ليس سوى تسمية أخرى للسيميوطيقا» (2) وإذا كان «سوسير» قد بشر بهذا العلم فـ «بيرس» وضع أسسه ومبادئه وفق رؤية عامة ترى كل شيء في الوجود والكون علامات سيميوطيقية وكيانات رمزية مترابطة مع بعضها ومتوالدة متناسلة عن بعضها وقد اشتهر «بيرس» بتقسيماته الثلاثية للدليل أولا ثم لما يندرج تحته ما جعلها تتفرع وتتشعب إلى حد جعل من جاؤوا بعده يأخذون عليه ذلك.
والحديث عن نشأة السيميائيات يحيلنا – بالضرورة – على هذين العلميúن لما لهما من جهود بارزة في صياغة المبادئ الأولى التي انطلق منها علم العلامات كعلم له أصوله ومناهجه وللأسطر الآتية أن تقف عند أهمö ما جاء به كل منهما على حده.
1- اتöجاه «بيرس» السيميوطيقي
{ ينطلق «بيرس» – في رؤيته السيميوطيقية – من فلسفة ترى في السيميوطيقا علما عاما يتجاوز حدود اللöسان مكتسبا عمومية يستطيع بواسطتها الغوص في أعماق كل الظواهر الكونية بطبيعتها المختلفة سواء كانت مادöية أم ميتافيزيقية أم غيرها : «لم يكن في وسعي أن أدرس أي شيء سواء تعلق الأمر بالرياضيات أو الأخلاق أو الميتافيزيقا أو الجاذبية أو الديناميكية الحرارية أو علم البصريات أو الكيمياء أو علم التشريح المقارن أو علم الفلك أو علم النفس أو علم الأصوات أو الاقتصاد أو تاريخ العلوم وكذا الويست – ضرب من لعب الورق – والرجال والنساء والميترولوجيا إلا من زاوية نظر سيميائية» (3) فالسيميوطيقا «البيرسية» – على ذلك – سيميوطيقا عامة تتمدد لتشمل كل ما تنتجه التجربة الإنسانية عبر مجمل لغاتها ومن كافة أبعادها فهي رؤية للعالم والكون والوجود من حيث اشتغال كل بوصفه علامة تحيل إلى أخرى وترتبط بها عبر سيرورات تدليلية متداخلة متشعöبة.
يبدأ التصور «البيرسي» للعلامة من «رؤية فينومينولوجية للإدراك ترى في كلö الأفعال الصادرة عن الإنسان سيرورة بالغة التركيب والتداخل» (4) تمثöلها ثلاثة مستويات أساسية تحدöد كيفية إدراك الذات لنفسها وللعالم وللوجود فكل شيء في الوجود يبدأ – أول ما يبدأ – في عالم احتمالي مفصول عن أيö سياق زمكاني مجرد عن القصدية الظاهراتية المحسوسة ما يشكöل المستوى الأول أو المقولة «الأولانية» التي ينتقل منها إلى مستوى ثان تبرز فيه الأشياء على هيئة متجسöدة أيú أنها تدخل مرحلة التحقق الفعلي والوجود المادöي في عالم الموجودات وهذه هي المقولة «الثانيانية».
بعد هذه المرحلة تمثل مرحلة ثالثة تشكöل المقولة «الثالثانية» يصبح فيها الوجود في «عالم الواجبات» الذي يكتسب فيه البعد القانوني بعد تجريد المحسوسات واختزالها في قوالب تدل عليها وتؤطöرها هذه المرحلة تقف وسيطا بين المرحلتين الأولى والثانية «ليصوغ (بورس) هذه السيرورة على الشكل التالي : أول يحيل إلى

قد يعجبك ايضا