تأملات ..نظرة من النافذة السكانية
محمد عبدالماجد العريقي
محمد عبدالماجد العريقي
محمد العريقي
{ عندما ألقي نظرة على الحي الذي أسكنه والذي استقررت فيه منذ حوالي ثلاثين عاما أجد نفسي تضطرب وقلبي يزيد بالخفقان وأعصابي تشتد بالتوتر لأن مشهد البداية لا يزال مرسوما في ذهني حتى اللحظة وأصبح لا يمت بأي صلة للمشهد الحالي لا من قريب ولا من بعيد.
في تلك المنطقة الواقعة جنوب غرب العاصمة التي كانت تسمى وادي محمود أو ماجل القحطمي لم يكن بجواري أكثر من ثلاثة أو أربعة منازل وسط أراض زراعية مترامية الأطراف نلتقي في مسجد لا يزيد طوله عن أربعة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار.
كانت عيوننا تلتقط حركات السيارات في شارع حدة والخط الدائري ونشاهد مباني شارع الزبيري بوضوح وكانت أقرب مدرسة للحي هي مدرسة الشهيد علي عبدالمغني أما اليوم فالمنطقة اسمها الحي السياسي وهو ليس حيا بل هو مدينة كبيرة ملتصقة بمدن أخرى باتجاه حدة والسبعين والستين.
اليوم أشاهد آلاف الشباب والفتيان والفتيات والأطفال وعشرات المدارس العامة والخاصة وأسواقا وشوارع مزدحمة ومساجد مكتظة بالمصلين.
ليس هذا المقلق وإنما المقلق هو منظر الشباب بالآلاف الذين ولدوا وكبروا والكثير منهم تزوج وأنجب باختصار أنا وأمثالي الذين سكنوا في تلك المنطقة قبل فترة نشاهد ونلمس اليوم حقيقة وواقع الانفجار السكاني بكل أبعاده ومدلولاته جميع هؤلاء الشباب والأطفال يتطلعون إلى المستقبل وفرص العمل وكل تلك الأسر لا بد من تأمين احتياجاتها من المياه والكهرباء والخدمات المختلفة.
هذا نموذج للواقع السكاني الذي تعيشه بلادنا فمعدل النمو المتزايد أصبح يضغط على إيقاعات الحياة بكل أشكالها ومواجهة هذه المشكلة لم تعد مسألة منظورة كغيرها من مشاكل المجتمع بل هي رئيسية ومعالجتها ضرورة حتمية فنحن نواجه العديد من الصعوبات والتعقيدات جعلتنا نستقر ضمن الدول الفقيرة ومع ذلك فمعدل النمو السكاني مستمر ويفاقم من مشكلة الفقر.
إن بلادنا تعطي نموذجا واضحا للمجتمعات التي تقدم مؤشرات سكانية تثير الهموم وتعكس صعوبات التنمية فكل محاولات الاستنهاض بالواقع تصطدم بمؤشر سكاني مرتفع لا يزال هو الأعلى بين المؤشرات العالمية (3%) سنويا.
صحيح أن في اليمن بشرا والثروة البشرية أهم مورد للتنمية لكن أي بشر¿ نحن بحاجة إلى سكان يتمتعون بخصائص القدرة على استغلال مواردهم ويتمتعون بكفاءة عالية للتعامل مع معطيات العصر بمعنى أننا بحاجة إلى تعليم متطور وصحة راقية وزراعة واسعة ومياه وفيرة لضمان العيش والحياة الكريمة لهؤلاء البشر أما غير ذلك فهم «كغثاء السيل» لذا لا بد أن تكون القضية السكانية على رأس سلم الأولويات حتى نفتح أفق المستقبل المشرق والمتطور.