نجوم وأفراد 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

تلمع في سماء العمل الطوعي بين الحين والآخر شخصيات لها ومضات كالنجوم وتحفر لها موقعا في الذاكرة الجمعية يندر أن ينسى. فإذا كانت تملك بصيرة ورؤية مبدئية فإنها في خطواتها تشق الطرق الصعبة من أجل الأجيال التي تليها ثم تثبت عندهم حالة الاستمرار.
فالموت حتى للنجوم والكواكب محتوم وما يتبقى منهم هو الذكرى أو العمل المؤسسي. لكن البعض يتوقع من هؤلاء أن يظل عطاؤهم على نفس الوتيرة ناسيا ان تقلبات الدهر تمر بهم كما تمر بغيرهم.
وبالرغم من ذلك فإن الذين يشقون طريقا يتوقعون أن يسير الآخرون على خطاه لا أن يحتكروه إلى نهاية الزمان. وشق الطرق في إطار التغيير الاجتماعي هو عمل شاق كأسمه يحتم جهدا وطاقة وتفرغا ومثابرة وأحيانا قوة تحمل وقدرة على المواجهة. لأن التغيير الاجتماعي لا يمر بسهولة بل تحدث له مقاومة حتى من المستفيدين مباشرة منه. ولنا في طريق صنعاء وتعز أو طريق المكلا والوادي مثال لمدن صغيرة رفضت أن يمر الطريق بها وقاومته بكل قوة وهاهي اليوم تتمنى لو أنها لم تفعل.
أن نظل متمسكين بأدوار الناس وبالذات النجوم على نحو قوالب ثابتة هو استكمال لأحلام أردنا لغيرنا أن يقوم بها وتفرجنا ببساطة وهم يشربون المر في كل خطوة. حالنا معهم يصبح نوعا من الاتكال يشترط أن نحلم ويقوموا هم بتنفيذ الحلم لنا. لكنهم يعرفون الطرق الصعبة ولا يكررون أنفسهم بل يزرعون ويرعون الزرع حتى تتوسع مساحته ويتشارك في الحلم منفذون آخرون ونجوم لهم حيوية الشباب وتقبل قوى مقاومة التغيير لهم. فهم أكثر من غيرهم قد ثبتوا لأنفسهم حق الاختيار.
الديمقراطية مدخل مناسب:
تمثل الانتخابات واحدة من أهم شروط الديمقراطية ومبادئها. ويمثل التحايل عليها لجعلها مجرد أداة من أدوات ماكينة الدعاية العامة هو أيضا أحد مستلزمات الديمقراطية في كشف القوى التي تستفيد منها وتوظفها بأقصى ما تستطيع لخدمة مصالحها.
والديمقراطية إذا اكتملت شروطها تتعايش مع التناقضات والرأي والرأي الآخر وكل قوى المصالح بشكل طبيعي وسلمي وآمن. والناس جميعا هم قوى مصالح ذاتية وجماعية تتغلب بالتصويت وجماعات الضغط قوة ما منها لفترة ثم تأتي القوى الأخرى فيبرز منها قادة للمصالح التي لم تتحقق بعد ويعملون من أجلها حتى تحصل على مواقع القوة المطلوبة. وهكذا سجال لكل زمان رجاله ونساؤه يعبرون عن أنفسهم ومصالحهم الذاتية وفي نفس الوقت يمثلون القوى الأقرب أليهم.
لكن أداة الانتخاب هي وسيلة ملائمة تعتمد على عوامل كالشعبية والقوى المساندة أكثر مما تعتمد على الصفات الشخصية للنجوم من أفراد. 
تطلعات النساء:
تمثل الانتخابات موقعا خصبا للتوقعات من النجوم من النساء ولأصحاب المصالح المهملة لأن هؤلاء هم الذين لما يجدوا بعد من يمثل مصالحهم في قوى صناعة القرار. يظن البعض أن الشعبية والصفات الشخصية للنساء أداة كافية لمنح فرصة المشاركة والحصول على أصوات الناس لكن التجارب والدروس المجتمعية أثبتت أن الأمر أبعد من ذلك بكثير.
فالقوى المساندة وخاصة الأحزاب هي صاحبة القول الفصل وكل العوامل الأخرى تكميلية ليس أكثر. ويثبت هذه الفكرة واقع الحال ففي الانتخابات المحلية مثلا تم تقديم شخصيات نسائية غير معروفة ولم تبذل أي جهد يذكر قبل الانتخابات أو حينها اعتمادا كليا على الأحزاب التي رشحتها كممثل لوجود نسائي ليس أكثر وقد فازت دون منازع.
وتجربة الانتخابات نفسها تستحق الممارسة من كل من يستطيع لكن عناصر الفوز لا يمتلكها إلا الذين احتكروا اللعبة. فالبعض احتكر الحالة المؤيدة للنساء مع قوة محدودة لمساندتهن وحتى بخل في هذه المساندة. والبعض الآخر احتكر المعارضة لوجودهن في المجال العام ككل وليس فقط في مواقع التمثيل النيابي فحارب نشاطهن وترشيحهن بصفة خاصة بكل ضراوة.
وهذه القوى الأخيرة حتى إذا كانت لا تنجح دائما في إدخال عناصرها في المواقع التي تريد فإنها وبقوة تنجح في إعاقة النساء والقوى الضعيفة في المجتمع. وتصبح المعركة بين الشخصيات التي نريد لها ولجهودها وبروزها الفاعل في المجال العام أن تنجح وبين هذه القوى التي لا نستطيع بشأن النساء لها دفعا.
لكن البشائر هذه المرة تعد باستمرار لمعان بعض النجوم بسبب رضا القوى التقليدية المعارضة  عنهن. هذا الرضا يستحق أن تستثمره المقبولة بين أطرافهم لتحقق أخيرا حالة عودة للأمل بجعل الانتخابات وسيلة وأداة توصل الجميع بسلام وسلاسة وآمان. المهم أن تقوم هذه الانتخابات فعلا وان يظل وهجها متقدا في قلوب المؤمنيين بأن الديمقراطية هي السبيل لهذا البلد للخروج به من مأزق محاولات فرض الأمور بالقوة. فالحل الديمقراطي هو الطريق الوحيد.
_________
raufah@hotmail.com