«البحارة» الصغار.. ورود في مواجهة الأهوال
تحقيقزهور السعيدي
تحقيق/زهور السعيدي –
أطفال يضطرون لترك مدارسهم والمجازفة بأرواحهم في أعماق البحار
غياب تام للاهتمام الرسمي والمجتمعي بظاهرة عمالة الأحداث في الاصطياد السمكي
< مهنة الاصطياد السمكي واحدة من المهن القاسية التي تنطوي على الكثير من المخاطر والأهوال خاصة الاصطياد التقليدي الذي عادة تستخدم فيه قوارب خشبية بدائية الصنع هذه المهنة يؤكد واقع الحال والتجربة لا يمارسها إلا الرجال الأشداء من ذوي القدرة الهائلة على التحمل والجلد في مواجهة الصعاب ومع ذلك كثيرا ما يشكو أولئك الرجال من قساوة مهنتهم وخطورة ما يلاقونه في أعماق البحر والغريب حقا أن مهنة الاصطياد قد أصبحت في السنوات الأخيرة قبلة لصغار السن الذين وجدوا أنفسهم مضطرين تحت وطأة الحاجة إلى خوض مخاطرة الإبحار باتجاه المجهول ما يجعلهم من خلال هذه التجربة القاسية عرضة للكثير من المخاطر بل إن منهم من يتعرض للاستغلال بأبشع صوره وأشكاله.
«الثورة» حاولت من خلال الإلتقاء بعدد من البحارة الصغار وأولياء الأمور ومختصين في شئون الاصطياد السمكي تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي أخذت في الانتشار السريع مؤخرا في المجتمعات الساحلية على البحرين العربي والأحمر وخرجت بالحصيلة التالية:
إحصائيات غائبة
لا تتوفر إحصائيات رسمية دقيقة عن ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن بشكل كبير والأمر ينطبق على عمل الصغار في البحر حيث لم تحظ هذه الظاهرة رغم استفحالها في السنوات الأخيرة بأي اهتمام من قبل الجهات المختصة سواء كانت حكومية أو منظمات مدنية معنية التي دائما ما تتناول الحديث عن عمل الأطفال وآثاره ومخاطره دون التعريج على الآثار المدمرة التي تنتج عن التحاق صغار السن بمهنة الاصطياد التقليدي وإن وجدت تلك المنظمات فإنها قابعة في المدينة لا تتوصل إلى أماكن المعاناة في الأرياف.
الصغيöر
ولا يكاد يخلو قارب صيد تقليدي من وجود أطفال ضمن طاقمه البحري خاصة وقد انيطت مهام خاصة للصغار على متن القارب وهو ما يعرف بوظيفة «الصغيöر» الذي يقوم بمهام إعداد الطعام وتنظيف الأواني الخاصة بالطبخ على متن القوارب التقليدية ناهيك عن القيام بمهمة إخراج مياه البحر المتسربة إلى بطن القارب الخشبي وذلك بعد أداء المهمة الرئيسية.
ويقول حسن أحمد رئيس جمعية صيادي مديرية الخوخة: إن مصطلح «الصغيöر» متعارف عليه بين أوساط الصيادين منذ القدم وقد جرت العادة على اسناد هذه المسؤولية إلى الأطفال والمبتدئين في ممارسة الاصطياد ويضيف: إن الكثير من الصيادين القدامى كانوا يحرصون على اصطحاب صغارهم في رحلاتهم البحرية لتعليمهم مهارات وفنون الاصطياد منذ الصغر ولكن كانت الرحلات البحرية تستغرق وقتا قصيرا وبعكس ما أصبح عليه الحال حاليا حيث تستمر الرحلة البحرية إلى أسبوعين أو ثلاثة وتسافر إلى مسافات بعيدة في أعماق البحر كما أن الظروف الاجتماعية الراهنة قد دفعت بالكثير من الصغار إلى خوض تجربة العمل في البحر بعيدا عن عيون أقاربهم وحتى من عائلات لا تنتمي إلى مجتمع الصيادين وهو الأمر الذي يجعلهم معرضين للكثير من المخاطر والصعوبات.
باب للضياع
ولا يفكر كثير من الأطفال الذين تسربوا من التعليم ليلتحقوا بالعمل البحري بأنهم اقترفوا خطأ فادحا إذ وجدوا أنفسهم أسرى للحيرة والضياع ويقول عبدالحكيم وهو من أبناء مديرية الخوخة الساحلية: إن الظروف المعيشية الصعبة دفعته إلى ترك المدرسة وهو في الصف الرابع حيث كان عمره لا يتجاوز العاشرة وانخرط في العمل على القوارب ليجد نفسه بعد بضع سنين فقط وهو على وشك الضياع وتحطم حاضره ومستقبله ويضيف: إنه وعلى الرغم من خوضه لهذه التجربة كانت بصورة اضطرارية إلا أنه كان بالإمكان البحث عن عمل آخر في البر أكثر أمانا ويوضح أنه حاول تلافي الأمر بعد نحو 4 سنوات من العمل الشاق في البحر دون فائدة إلا أن المخاوف والاضطراب النفسي المستمر كاضطراب الموج أوصله إلى قناعة بضرورة إعلان القطيعة مع العمل البحري ومباشرة البحث عن فرصة عمل أخرى ليساهم في إعالة أسرته التي تتكون من 8 أفراد ويؤكد سليمان أنه يعرف كثيرا من أقرانه الصغار ممن يعملون في البحر وقد أصبحوا تائهين ويعيشون الضياع والانحراف بكل معانيه.
جوانب إيجابية ولكن
وهناك كما يقول البعض من أولياء أمور البحارة الصغار جوانب إيجابية للدفع بالأطفال إلى أعماق البحار طلبا للرزق إذ أن عائلات وأسرا كثيرة كانت تعاني الفقر وشظف العيش وعندما دفعت بصغارها إلى العمل على متن القوارب تحسنت أمورها وباتت ميسورة الحال.
ويوضح عقيل قاسم محمد وهو قائد قارب متوسط ويعتبر أحد الصيادين المجيدين لفنون هذه المهنة أن عمل الصغار في البحر ليس عيبا بل طريقة جيدة لتحسين أوضاع أسرهم لكن كما يؤكد لا