كان وقبائلها «28» 


يوفر له الحياة الكريمة
ويبحث عن ظروف ملائمة
توفر له الاستقرار والسكينة
وعن بيئة آمنة مسالمة
يربي فيها أطفاله
دونما خوف من انحرافهم نحو المجهول
أو التحاقهم بمليشيات التخلف
وتحولهم إلى أجساد مفخخة…!!
 
كان التنوير
يلعن في نشرات الأخبار
وفي طابور الصباح المدرسي
ويحذر منه الخطباء
ويكتب عن خطورته في لافتات الشوارع
ويفرح الأطفال حين يقذفونه بالأحجار
ويتباهى كبار المثقفين أمام السلطات والاحزاب وعقال الحارات
بإظهار عداوتهم المقيتة له
وأنه سبب تفشي أفلام الجنس في البلاد
وأنه أحد عملاء الاستعمار الجديد
ويسعى إلى نشر الفوضى
وعبادة أصنام العصر..
 
كان التنوير
يهب فانوسه للبيوت التي لا تعرف الشموع
ويتطوع لإرشاد التائهين
إلى عناوينهم الضائعة..
وبسبب ذلك كان يلاحق بتهمة الزندقة
ويطرد من أعماله التي لا يعرفها
ويهجر من مدينته البائسة
ويتعهد بعدم الإنجاب
وبحلق ذاكرته وإطفاء حضوره.
 
كان الغراب
يتهم النشيد القومي بالعمالة للعندليب
وبخيانة النوتة الموسيقية
ومولاة النشاز العارض
وبالتضامن الأممي مع أنين الجوعي..
 
كان الغراب
يلبس وجهه الرسمي
ويقف وسط القاعة الفارغة
استعدادا لقيادة فرقة موسيقى الهواة
لكن العازفين المصابين بالريبة يتركون آلاتهم الموسيقية في الشارع العام
ويذهبون للبحث عن كارثة جديدة
وسهرة عامرة بالضحايا..
 
كان الفزع
يلمع شفتيه اليابستين
وينتقي عباراته في الحديث
عن أحلامه المجهضة وأحزانه القديمة
يسدل أجفانه المرهقة بالتأويل
ويعدد مساراته المتشابهة
ومخاوفه من الكمائن المسلحة
يتجنب ذكر أسماء صناع المعاناة
ويلمح إلى أبناء الثارات المتورثة
من يطلقون لأظفارهم حريتها المطلقة
ويربون رغباتهم المكبوتة
ويشحذون جنونهم ومخالبهم
ويبحثون في الغفلة
عن يوم مجلبب بالبروق
ليتخذونه عيدا قوميا للكلمات الشهيدة..
 
كان المغني
يحض صوته على الزحف المقدس
ويحرض أشجانه على اقتحام الانكسار..
يستبدل أوتار حنجرته المتعبة
بسلم موسيقي يصعد نحو النشوة
ويتجنب التحرش بصدى الغرف المغلقة
أو الأصطدام بترنح السيمفونية المبترجة..
 
كان المغني
يزهو ببحته الشعبية
ويعتز بنكهته المحلية ورنة مواجعه
وبتلعثم أوتاره في اللحظات الحرجة
وبلهاث أصابعه في تتبع النغمات الشاردة
وجماهيره التقليدية الرافضة للفيديو كليب
وعواطفه المهذبة المحتشمة
أمام تعري جروحه المزمنة
لكنه يمد تسامحه
ويصرح لأصابع البيانو المهجور
عن احترامه لسيمفونيات «بتهوفن»
و«موتسارت» و«باخ»
وموسيقي «متشومسكي»
وإيقاعات الغابات في جميع القارات
 
كان العراف
يهمهم بكلمات تخدش حياء الدستور
وبشعارات منافية لحشمة الانتماء
وبعبارات تجرح مشاعر المجد
وبحكايات تفزع براءة الأطفال..
يهذر بما لا تتوقعه اللغة
ولا تتحمله خرائط الجغرافيا
ويلمح إلى آت متنافر
وعبث ماجن يسرف في ولائمه
ويطمئن الخوف على مستقبله الزاهر
يبشر الخراب بمراحل متطورة
ويبارك للظلام مواليده الجدد..
 
كان العراف
يتحدث عن وجوه صفراء
وعيون فارغة مملوءة بالرماد
وضمائر مطموسة وأناس شعث
تتقدمهم رغباتهم السوداء..
 
كان العراف
يهذي بلغة مشبوهة الإيقاع
ويلوي عنقه نحو جهة بلا جهة
ويتلاشى وجهه خلف دخان البخور الحامض
ويبتسم مكرها للأسئلة العابرة..
 
كان القصف
يعلن براءته من الضحايا
وينكر خروجه من بيته
ويتهم تجار الحروب والفضائيات العابثة
بتزييف صورته وتقليد صوته
واستئجار ممثلين يقومون بدوره
 
كان القصف
يتألم من مكائد الساسة
وهواة المكاسب السريعة
ويتعجب من فظاعة أكاذيبهم
وأراجيفهم المتشابهة
كيف يزعمون مشاهدته يمارس هوايته
في المشي في شوارع المدينة
وهو متقاعد عن العمل
ويعيش بلا قدمين
ومصاب منذ زمن بعيد بالعزلة.
 
كان المجنون

قد يعجبك ايضا