الديمقراطية.. امتحان صعب
جميل مفرح
جميل مفرح
جميل مفرح
< ظللنا لسنوات طويلة ومازلنا نفاخر ونعتز بالتجربة الديمقراطية التي خاض وما يزال يخوض غمارها وطننا منذ أكثر من عقدين من الزمن قطعت الديمقراطية فيها أشواطا طويلة أضفت عليها وعلى ممارستها ومفاهيمها في بلدنا مسحات ضافية من النضج والتماسك النسبي ولا أقول الاكتمال والقوة حتى لا يغدو الرأي مبالغا فيه أو متعاطفا بشكل مطلق.. والمؤكد أن التكيف والتعايش مع ممارسة الديمقراطية والارتكان إليها وحسب طيلة هذه الفترة الاختبارية التي تمثل واحدة من أهم المراحل السياسية والاجتماعية في تاريخ اليمن الجديد كفيل بأن يجعل من هذه التجربة واحدة من أهم التجارب السياسية والاجتماعية والثقافية خصوصا في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي تحديدا في منطقة تتعامل الديمقراطية والتعددية والحرية وما إلى ذلك كنوع من المظهر الاجتماعي الشكلي أو القيم المقلدة للغرب المتقدم مثلها مثل موضات الأزياء والأثاث والأكلات وأساليب الحياة المستوردة في الغالب فيما يكاد جوهرها الحقيقي وتجسدها على الواقع يغيب غيابا مطلقا لتغدو مثل هذه المعاني والقيم مفرغة من معانيها الحقيقية ومتمثلة فقط في زيها الخارجي وشكلها المقولب بطرق شتى وأشكال مختلفة تتواءم وتتكيف مع ما تريده القوى والأنطمة السياسية من بلد لآخر منقادة لمشيئاتها ومقيدة بما تفرضه من حدود ومحددات.
< بالنسبة لتجربتنا في اليمن لا يفوت المتأمل المحايد والمحلل الصادق الجاد اختلافها الكبير ولا يمكنه إنكار كونها تجربة مميزة وفريدة على مستوى المنطقة مقارنة مع ما يتجسد في محيطها من تجاوب أو محاولات ومقاربات لتمثل الديمقراطية وتجسيدها على الواقع بل والمزايدة بقيمها وادعاء الارتهان لقوانينها وقنواتها مع أنه لا يكاد يخفى على أي قارئ أو متخصص أن الديمقراطية في منطقتنا تخرج من مسارات تحققها وتمثلها وتميل وتحيد عن طرقها ومثاليتها في كثير من تكويناتها وتفاصيلها وكيفية ممارستها من نظام لآخر ومن وطن لآخر إلى حد أنها كنظام حكم وحياة وتعايش قد غدت مسيرة لا مخيرة وأصبحت تنقاد لرغبات وتوجهات الأنظمة التي تدعيها وتزايد باسمها بدلا من كونها نظاما قائدا يجمل ويحد يفرض ويسن غدت معنى مطاطيا يخضع لرغبات وتوجهات هذه الأنظمة التي تدعي الديمقراطية وتزايد بانتهاجها غير أن الحقيقة أن هذه الأنظمة تنتهج ديمقراطية بمواصفات وقياسات خاصة توائمها وتنسجم مع إرادتها وتوجهاتها وليس الديمقراطية في معانيها وقيمها المطلقة.
< والذي يجعلنا فخورين ومعتزين بأنفسنا كيمنيين أننا وهذا أمر مؤكد لا خلاف عليه الأكثر دقة في ممارسة الديمقراطية والانصياع لها ولقيمها ومعانيها وذلك بالرغم من كل ما حف ويحف هذه التجربة في بلادنا من مخاطر ومن أخطاء أو عثرات إلا أن ذلك لا يلغي إطلاقا حقيقة تميز هذه التجربة في المنطقة والوطن العربي تحديدا وهذا ما يجعلني أو يجعلنا على الأصح كيمنيين فخورين بوطننا وبشعبنا وما يدفعنا على الدوام للتأكيد على أن الديمقراطية نظام هويته يمنية منذ قرون من الزمن وليس في حدود الحاضر وحسب.
< هناك أخطاء لا يستطيع أحد أن ينكر ذلك وهناك عثرات هنا خلل ما وهناك ثغرة ما غير أن الحقيقة التي لا يمكن الحياد عنها أن اليمنيين هم من يمكن أن يركن إلى انسجامهم مع النظام الديمقراطي ومبادئ الحرية والتعددية دون سواهم من شعوب المنطقة وقد تصل بهم هذه التجربة من خلال المزيد من الممارسة والتعايش والتواؤم إلى التميز ربما على مستوى أنظمة العالم وذلك ليس ببعيد على اليمنيين إذا تم قراءة وضع وتحولات الديمقراطية كنظام حياة في هذا الوطن على امتداد العشرين عاما الماضية.
< ذلك أمر بالفعل نفخر ونعتز به ونتمنى أن نتفهم تميزنا وخصوصيتنا في التعامل مع هذا النظام دون غيرنا وأن نتعقل مليا ونساعد أنفسنا على التمسك بهذا النهج بل وتطوير آليات التعامل معه لنصل إلى إمكانية تطوير مستوى تجسده في مجتمعنا وحلم تميزه على مستوى أوسع وبنضج أكبر لنثبت ليس لأنفسنا وحسب وإنما للعالم أجمع أننا جديرون بالنجاح في هذه التجربة وأننا حقا مؤسسون لنهجها منذ عصورنا القديمة وسنظل مميزين وروادا في ارتياده والسير معه كما يفترض أن يكون في أنموذجه المثالي لا أن نسيره ونخضعه لإراداتنا وأهوائنا.. نريد ديمقراطية حقة نموذجية لنستمر في المفاخرة والاعتزاز بأنفسنا وبتجربتنا ديمقراطية يظل اليمن معها مميزا مختلفا عن كل من ينتهج الديمقراطية في صورها المشوهة والمعدلة والمفصلة كما يراد لها أن تكون لا كما يجب أن تكون.. والله من وراء القصد والمبتغى.