عن الرؤية الصوفية في شعر المقالح
وشغلوا الناس) فقد ملأ الدنيا بروائعه الشعرية المنسوجة من الضوء نفخ فيها من روحه العابقة بالحب والحزن والجمال الذي لا يحد وشغل الناس فكتبوا.. وكتبوا.. وما أكثر ما كتبوا في المقالح شاعرا وإنسانا وناقدا وكاتبا.. إلخ وسيظلون إلى ما شاء الله تعالى وسيبقى – رغم ذلك – كونه منفتحا لا تنفد أسراره ولا تنقضي عجائبه.
كم يشبه شعره الروح بنقائها وصفائها وغموضها ووضوحها الروح/ الضوء الروح/ الحب الروح/ الثورة الروح/ الحرية روح الله التي نفخها في (ماء وفخار) فكان البشر ونفخها البشر (الإنسان/ الشاعر) في الكلمات فكان الشعر وكان الإبداع.
(١)
وكم يشبه هو ذلك الشعر الذي يقول بتواضعه وبساطته وعمقه وإنسانيته.
تجلس إليه فتشعر أنك أمام إنسان يحمل حزن الوطن/ الأمة ينعجن به وينصهر فيه يعبق به صوته ابتساماته ملامح وجهه عيناه:
يتملكني حزن كلö اليمانين
يفضحني دمعهم
جرحهم كلماتي
وصوتي استغاثاتهم.
– كم أفضöل الصمت حين أكون بين يديه والتأمل في ملكوته وكونه الممتلئ بالخفايا والأسرار – والجمال فـ (الصمت في حرم الجمال جمال).
(٢)
كثيرة هي الدراسات التي تناولت شعر أستاذنا الجليل عبدالعزيز المقالح وكثير هو الكلام الذي قيل فيه وفي شعره ولقد اتفق الدارسون عليه وشعره حينا واختلفوا أحيانا أخر شأنه في ذلك شأن عظام الشعراء ممن سبقوه كأبي تمام والمتنبي وغيرهم ولست بصدد سرد كل ما قيل فيه وفي شعره فذلك يحتاج إلى وقت وجهد ومجلدات ولكن ستحاول هذه الأسطر القليلة تسليط الضوء على نقطة مهمة تناولها الكثير من الدارسين ولم يزل القول فيها يتكرر والأحكام تصدر.
تلك هي نقطة انتقال الشاعر/ المقالح في ديوانه (أبجدية الروح) نحو الرؤية الصوفية كأسلوب في التشكيل الشعري وقد ذهب الدارسون في تناول هذه النقطة طرائق قددا فمنهم من ذهب إلى القول بأن التصوف كان بمثابة محاولة لمراوغة الأضواء المسلطة عليه والاتهامات الموجهة له والتكفير الذي واجهه به كثير من أرباب السلطة الدينية.
وآخرون رأوا في اتجاهه للمنظور الصوفي توبة من الأفكار السابقة.
ذلك – وسواه الكثير – لكل من يقرأ ما كتب في شعر المقالح أن يجده ماثلا في كثير من الكتب والمقالات المبثوثة في صفحات المجلات الأدبية والثقافية.
ويذهب كثير من أولئك النقاد والدارسين إلى أن الدكتور الشاعر المقالح قد عدل عن السياسة والوطنية والقومية إلى التصوف ما يبدو في (الأبجدية).
وللمتأمل في شعر المقالح أن يلحظ عكس ما ذهب إليه أولئك من آراء التي نتج معظمها عن نظرة سطحية غير متعمöقة في النصوص الشعرية السابقة واللاحقة.
وقليل تأمل يمكنه أن ينبئك بأن التصوف – أو بالأحرى الرؤية الصوفية – في (أبجدية الروح) لم يكن منعزلا عن الواقع البتة بل كان في قمة تصوفه واقعيا إلى درجة كبيرة فلم ينفصل عن هموم الوطن والأمة والإنسان عموما صحيح أن الذات المتمثلة في ضمير (الأنا) تبرز بشكل جلي لكنها في أكثر الأحيان (أنا) جماعية إنسانية عامة.
سنابك خيلهم وصلت
إلى روحي
فيا ألله.. خيل الغزو في داري¿!
يحاصرني نزيف الروح
تهجرني مرايا الحلم
يوغل في بياض دمي سواد العصر
عتمته..
سئمت الشعر
عöفúت العالم المفتون
بالكذب المموه.
بالشعارات التي سفحت دم القاري
(فاتحة.. أبجدية الروح).
فالذات المتحدثة هنا ذات إنسانية عامة وليست بالضروة ذات الشاعر أوليس الشعر تشكيلا للعالم باللغة لا تعبيرا عن الذات الشاعرة كما يذهب كثير من نقاد الحداثة وما بعدها¿!
فالشاعر يستعين بالرؤية الصوفية لجلاء رؤيته للعالم والكون تفضح الموجود وتنتقده وتعرöيه وتحاول تغييره.
لست الطبيب ولا صاحب الأمر
لكنني أتعذب
حين أرى طفلة ترتمي عند باب المدينة
باحثة عن بقايا طعام
أو امرأة تتسول خبزا لأطفالها
وأرى الموسرين وقد جمعوا من دماء البلاد
ومن بؤسها
وأقاموا قلاعا من المرمر الآدمي
وأعمدة من عظام البشر.
(قصيدة حب للسماء)
فأين الهروب من الواقع في هذا النص!!
وإذا كان الأمر كما يقول الفريق الآخر توبة عما سبق فهل كان المقالح الشاعر كافرا وملحöدا في قصائده السابقة ودواوينه التي أصدرها قبل الأبجدية¿!
إذا لم يكن ذلك فعم يتوب إذن¿!
وإذا كانت المسألة فقط مراوغة أو محاولة لإرضاء من صبوا عليه (أسو