في تجربة الفنان عبدالرحمن الغابري: 


بأي خطوات صافية استطاع الاقتراب من ذلك العصفور الرائع الذي حط على فرع الشجرة لبرهة وجيزة…¿¿)
-المصور إيف بنفوا-
 
الأبدية الأولى..!
في فنه إعجاز لا يفسر ..ومتعة لا تضاهي..
وعذوبة لا تقاوم..وروعة لا شبيه لها..
إدهاشه دائم.. لا يتوقف عند حدود.. وأكيد لن يتوقف..!
لقطاته آسرة كما ملامح جديدة عليك.. لكنها محببة.. تضخ تباشير حميمة تقطر ودا.. تماما كما حكاية أثيرة سمعتها في ربيع طفولتك.. وفجأة وبلا موعد مرتب مسبقا.. تغمرك دواليها الخضر مجددا.. بذات الصوت الحاني المألوف.. وذاتها الهناءة الدافئة..!
لحظة.. لكن من أين يأتي بكل هذا البهاء..¿!
أهو حبه للتصوير..أم هو عشقه للمكان.. ام تراه هيامه بالكائنات .. أيا كانت ومهما كانت¿! إنها الحياة.
الحياة وحدها هي سره الممتنع ولغزه الخفي.. يعيشها ثانية ثانية.. اللحظة عنده ملحمة نادرة .. عليه تصيدها بوله لا يحده حد. لقد تعلم الناس «العمل» .. ولكنهم وحسب مكسيم جوركي «لم يتعلموا الحياة»…وهو ما ساقه إلى احتراف عظيم من أفنان ثلاثة.. لا يدلك على مكامنه مثل الفيلسوف فريدريك نيتشه.. في إحدى مقولاته الخالدات .. تختصر ما نحن بصدده:» حبنا للجمال.. هو الإرادة المصورة..وقيمة الفن أنه الدافع الكبير للحياة..».
هكذا إذن: »حب الجمال – قيمة الفن – دافع الحياة«.
أنه تماما ما خططت له الأقدار.. فكان أن لمع نجم مميز في فضاء الإبداع وتحديدا في مدار الفوتوغرافيا.. منذ أواخر ستينيات القرن العشرين..مع إبزاغه للعالم فجره الأول.. بكر لقطاته التي ما تزال كنزه الأثير المحتفظ به حتى لحظتنا هذه لمدى أهميته كونه يدرك كما في حواره المنشور في ملحق «الثورة الثقافي» أن (النشاط الأول لكل صاحب هواية يكون وفيرا.. ربما كنوع من محاولة الإشباع.. طبعا كلها تندرج بعد ذلك.. تحت عنوان البدايات والمحاولات.. لأنها لا تتصف بأي احترافية) وربما لأنه دوزن في إطارها سمفونية الأرض المختزلة في نغمة جنانية التعابير أزلية المعاني.. عرفتها الإنسانية على مر عصورها تحت مسمى شائع واحد هو « الأم» أما الأداة فكانت أبسط مما يمكن تصوره .. خاصة إذا ما علمنا أنه تحصل عليها بجهد شخصي..
لحظة.. لكن ماذا عن مخططات الأقدار..¿
كيف أسطعت اسم عبدالرحمن الغابري في فضاءات الفوتوغرافيا..!!
إنها حكاية .. كما كاميرته الأولى.. بسيطة المكونات لكن فعالة الأداء.. تشي مضامينها بدلالات كثر لا تصدق.. تكاد تكون ضربا من خيال ..كيف..¿!!.
ما إن تستطلع الممهدات وتراجع أبجديات التصوير.. سرعان ما سترفع حاجبيك دهشة لكم التطابق الذي ستقبض عليه في نهاية المطاف كنتيجة للمقارنة بينهما…ومدى ما فيهما من انعكاسات وتقارب.. ولتوضيح أدق  وأبين.. سنسلك دربا من ثلاثة معالم.. أولاها: وصية الوصايا التي تنهد بها.»نيكوس كازانزاكس» على الشكل التالي»  حينما نقف مبهورين أمام جلال عمل فني.. نحس أن متعتنا يتهددها فراق أبدي.. يحوم حول رؤوسنا.. وندرك أننا لا نملك غير لحظة واحدة من الخلود.. فلنسرع إذن باغتنام هذه اللحظة.. قبل أن ينتزعها منا الفضاء.. فليس ثمة شكل آخر الخلود».
أما آخرها – المعالم – فيتمحور حول الصورة..ولأن النظر ليس أبدا طريقة للتلقي بقدر ما هو ترتيب للمرئي.. لذا فإن الصورة حسب مو هو» تمتح معناها من النظرة.. كما يمتح المكتوب معناه من القراءة . فالصورة فائض الفكرة» أما الوجود داخل الصورة فمعناه البقاء في مداها الزمني الممتد والمجهول» كون الصورة في محصلتها النهائية كما يرى الباز هي الامساك بشيء وتثبيته على قطعة ورق سواء كان ذلك حائطا قديما أو لحظة نادرة» فأمام سطوة الزمن الذي يزيل الأشياء لا تجد الذاكرة تعويذه أفضل من الصورة».
وماذا بعد..¿!
المنطقة الوسطى.. مابين المعلمين السابقين..ماذا لدنيا.. لدينا كثير الكثير.. سنوجزه كما يلي:
> المكان: محمية عتمة محافظة ذمار.
> الزمان: أعوام خلال فترة الستينات من القرن العشرين.
> المشهد: «كوني فلاح وكوني ابن هذه الأرض.. وفي منطقتي.كان أبي وأمي يوفدانني يوميا.. قبل أن تصحو الطيور.. إلى الحقل.. كي أحميه من الغربان أو الطيور التي تأكل الذري».
هكذا إذن.. الصغير عبدالرحمن حارس يقظ يدافع باستبسال منقطع الحيطة والتنبه عن مكونات حقله.. صغراها وكبراها..لكنه فنان.. إدراكه أكبر من عمره… استجابته الجمالية لبدائع الطبيعة التي تحيطه.. إشارة بالغة لحس مرهف..دليل على ذائقته متناهية الاندهاس لشتى التفاصيل التي تتخاطر تجاهه متدفقة إلى مختلف حواسه  فيلتهمها بنهم مدمن على العسل.. ما إن يعب كوبا منه حتى يتوق تلذذه إلى عشرة منه وأزيد..!
وها هو.. في حواره سابق الذكر.. ترسم لنا ذكرياته .. فياضة العبير.. في تجسيد  رائع لبهيج لحظاته اللامنسية تلك »كنت أعيش أجواء تلك اللحظات ا

قد يعجبك ايضا