كلام لكسرالعودي اليابس 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

د/ رؤوفة حسن 
يقرأ كلما أكتب ويتابع على نحو يجعلني أشعر أحيانا بالقلق إذا كان ما أرغب في تناوله يمت إلى حاجته للتعبير عن ذاته بشكل أو بآخر. فالكتابة الخاصة بالرأي ليست معزولة عن صناعته  من خلال المشاركة بوجهة نظر.
فالخيارات تتعدد لمسار الكلام فالتفكير بصوت عال عن طريق التعبير الحر عن رأي ما ينضج خلال ولادة أدواته من الكلمات والأفكار وخلال معطياته من المناخ الذي يضع له حدود وجدران وسقف وفي مساحات انعكاساته على رؤوس مفكرة أخرى تتلقى وتقبل أو ترفض وقد تنحو إلى الجدال.
المهم هذه المرة كتب لي عن موضوع حاجة الناس للكلام الذي يرفع من حالتهم المعنوية ويخفف عنهم عناء الحياة اليومية وصعوباتها.
الحب بنكهة الدموع:
منذ تم إعلان نتائج امتحانات الاعدادية والثانوية والبيوت اليمنية التي لديها منتظر أو منتظرة للنتيجة يعانون مع أهاليهم في الغالب حال من المر والبكاء والدموع والتأزم.  فالنتيجة نادرا ماكانت مرضية لأحد وباستثناء العدد القليل من الحاصلين على التسعينيات فما فوق فإن البقية يعانون من حالة خيبة أمل لوالديهم.
والأمهات يمثلن الحالة القصوى من التعبير عن المحبة القاتلة بالبكاء والدموع على المستقبل الذي كان مأمولا. فالحصول على مجموع معين هو المدخل الى التخصص المرغوب للحاصلين على نتائج الثانوية.
وقد لاحظت أن عددا نادرا من خريجي الثانوية يعرفون فعلا ما يرغبون التخصص فيه فقد عاشوا في جلابيب الوالدين فترة طويلة يمتصون أحلامهم ويعكسونها في رغباتهم للمستقبل فيحصلون على رضا الوالدين وتصورهم الوهمي بأن رغبة الابن أوالإبنة هي رغبة الأبناء الخالصة وليست رغبة الوالدين.
وكثير من الذين يتخرجون بتخصص الهندسة يميلون الى التطبب وكثير من خريجي الطب يعكسون احلام الآدباء والفنانين ما يجعل التخصص مجرد تدريب من أجل وظيفة تلقيط عيش وليست تعبير ذات.
يظن الآباء والأمهات وهم يعلنون حزنهم وغضبهم على الابن أو الابنة التعساء الحاصلين على مجموع أقل من المطلوب انهم يعبرون عن حالة حب لا حالة إحباط للذات يعكسونها على المحبطين الجدد.
الكلام الواثق ورسم الأمل:
قالت لي الأم أن ابنها صار صعب التواصل معها لا يرد الا بنعم ولا لكل الأسئلة ويهرب من البيت كلما كانت هناك فرصة. وقال لي ابن “بيتنا موقع نفي ورفض”. شقيقاته يتهامسن في ما بينهن ويتوقفن عندما يدخل الغرفة ثم يبحثن عن الأعذار ويذهبن الى اماكن اخرى. قالت لي احداهن انها تجد افكار اخيها غريبة وانه كثير الانتقاد لكل ما يصدر عنها حتى صارت تتجنب النطق بغير الحد الأدنى من الكلام المتعلق بتقديم الشاي أو تقريب الأكل وخاصة بعد أن أعلنت نتائجها التي كانت أعلى من أخيها وهما في نفس المستوى الدراسي.
البحث عن كلمة طيبة للتخفيف من وقع النتيجة وفتح أبواب أمل أخرى هو مسؤولية الوالدين ووسائل الاعلام وخطباء الجوامع ومنشطي الفعاليات الثقافية والشبابية في الأندية. كل امرئ بحاجة لكلمة طيبة وإشادة بصفة ما وشكر لقدرة إنجاز معينة.
شبابنا الآن لمدة عام ليست لهم فرص دراسة بعد الثانوية فقانون التجنيد بدون تجنيد لايزال ساريا بإجازة مدتها عام دون رؤية واضحة الفرصة سانحة كي تتلقف هؤلاء الشباب التجمعات المتطرفة التي لا تحتاج الى مجموع لقبول الملتحقين بها. تحتاج فقط الى قلوب كسيرة جرحتها النتائج وزادت الملح فوق الجراح توقعات الأسر وبدا المستقبل غائما لا معنى له وليس فيه بصيص فرح يحفز على بلع المنغصات للوصول اليه.
وليس هناك أجمل من أمر بالطاعة والتنفيذ الأعمى دون تفكير أو جهد للوعد بدخول الجنة والحصول على المجد في الدنيا وفي الآخرة. بحيث يصبح الموت منحة تسمح لصاحبها فرصة للشفاعة لخمسة وسبعين شخصا من احبته يمكن أن يكون الوالدان وكل أفراد العائلة بينهم ولا زالت القدرة لتوسيع هذا الوعد كبيرة. انها كلمات واعدة تمنح املا ولو كان غير مضمون ولا قابل للإختبار والتأكد. كلام يجند الآرواح فيجعلها تخضر في جذوعها اليابسة وتشعر بالقدرة على الإنجاز في الشر “المزين على انه خير” والدمار “المقدم كبديل وحيد” عن البناء.
فتذكروا أن الكلمة الحلوة تكسر العود الجاف والكلام الواعد يخلق عشبا أخضر لزرع يتبعه حصاد. النتائج اليوم مهما كانت لا تستحق ان توقف الحياة وان تكون الكبوة الذي لا يقف بعدها شاب أوشابة نضجوا وحان البناء بهم واستخدام عقولهم وأجسادهم المكتملة المفعمة بالقوة والطاقة في مساحات التنمية.
.raufah@hotmail.com

قد يعجبك ايضا