بدون ذكر أسماء
الدكتورة رؤوفة حسن
الدكتورة/ رؤوفة حسن
د/ رؤوفة حسن
حضرت ختام تدريب مؤسسي شبابي عنوانه “برنامج الكاميرا صوت الشباب” قامت به مؤسسة تنمية القيادات الشابة وأشركوني ضمن لجنة التحكيم. ولم أكن شديدة الحماس للمشاركة لكني حضرت كنوع من الشعور بالحرج ذلك أن فترة التدريب مختصرة غير وافية والمنتج أفلام سينمائية قصيرة تحتاج إلى خبرة ومران وتدريب طويل ليمكن تحقيق أبجدياتها. وهذا الوقت والخبرة والمران لم يكن متاحا لهذه الفئة المتحمسة من الشباب لذا كان سقف توقعاتي محدودا واستعدادي لقبول الخيبة جاهزا.
لكن والشهادة لله أن هؤلاء الشباب والشابات قد تفوقوا على أنفسهم وتمكنوا من إدهاشي بشكل غير متوقع ومذهل. فقد كانت أفلامهم القصيرة ناضجة وتقنياتهم المحدودة موظفة توظيفا عالي الدقة بحيث يمكن القول أنهم عملوا في ظل تكنولوجيا محدودة وتقنيات شحيحة بمفاهيم ذكية الحبكة شديدة الحكمة.
وهكذا أبدعوا مجموعة من الأفلام القصيرة كل منها ينافس الآخر بحيث كان الاختيار للفائز منها صعب والتمييز لنوع من الأفلام عن النوع الآخر في صالح كل فيلم على حدة. ورغم أن كل فيلم منها يستحق مقالا بمفرده إلا أن عنوان أحد هذه الأفلام يخدم مقالي هذا لذا سأتعرض لذكره على نحو خاص ليس لتميزه عن غيره فهو لم يكن الفيلم الفائز بالمرتبة الأولى وقد أتعرض لهذه الأفلام بشكل خاص في مقال آخر.
أما الفيلم الذي استخدم عنوانه لمقالي هذا فهو “بدون ذكر أسماء” وفكرته البسيطة عن التعقيدات التي يجدها شباب المدن الصغار هذه الأيام في حالة سؤالهم أو معرفة غيرهم بأسماء أمهاتهم لذا يخفونها ويرفضون أن يتلفظ أحد بذكرها كي لا يقوم بالتعريض بهم مستخدما اسم الأم.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن قصة الأشياء التي تكون معروفة ولا يجرؤ الناس على ذكرها أو التلفظ عاليا بها هي الموضوع الأكثر لفتا للنظر في حجم القضايا المماثلة في المجتمع اليمني.
مذكرات لا أسميها:
تخدمني قصة عنوان الفيلم في تفسير ما حدث لي اليوم وأنا أكتب هذا المقال عندما ترددت في ذكر عنوان صاحبة المذكرات ثم ترددت أكثر في الإشارة أو عدم الإشارة إلى الكتاب. توقف حروفي عن التسلسل والسير ببساطة أوقفني في حالة حساب عسير مع نفسي. فقد سيطر علي التوجس من أن يسيء بعض القراء فهم الهدف من التعرض لمثل هذه المذكرات وقد يتمنى الأصدقاء منهم لوقمت بالتأجيل لمثل هذا الحديث لأنه سابق لأوانه أو لأنه يقع في فترة تاريخية عصيبة تهيمن فيها حالة من الرهبة وهواجس القلق والخوف من المواقف الواضحة.
لكن الأمر خارج عن سيطرتي فقد أنهيت قراءة هذه المذكرات لتوي وتفاعلت مع الكاتبة إنسانيا وعاطفيا وإن كنت أملك رؤية مخالفة لروح الفكرة التي كانت تدافع عنها. المذكرات تغطي فترة حياة امرأة عايشت أهم وقائع تاريخ اليمن الحديث المسكوت عنها برغم الحديث الكثير والكتابات الغزيرة عن تفاصيلها.
فكيف تكون كل هذه الجزالة في المكتوب عن هذه الوقائع وهي في نفس الوقت تاريخ مسكوت عنه¿ . المسألة ببساطة تشبه قصة الفيلم فنحن نتحدث عن فضل الأم وقدسية دورها وعن أمهات المؤمنين ونسميهن بأسمائهن ونسمي بناتنا باسم ملكاتنا والمتميزات من النساء لكننا نمتنع عن ذكر أسماء أمهاتنا خشية أن يستخدمها أعداؤنا ضدنا.
فهو المكتوب والمروي كثيرا وهو المسكوت عنه والسري والخاص والمحرم والقابل لإشعال الفتنة عند ذكره.
الحال نفسها مع هذه المذكرات فهي تفاصيل عادية لقصة معروفة مكتوبة داخلة في المناهج المدرسية وكتب التاريخ المعاصر. لكنها شخصية والمتضررين من حولها والبشر الذين واجهوها وأصابت أهلهم ومن حولهم هؤلاء لا يتم ذكرهم حتى لو كتبوا مذكراتهم.
أسباب السكوت:
يقول المؤرخون إن التاريخ يجب أن يكتب بعد فترة من حدوثه وبعد موت شخوصه وأبطاله ويقول الإعلاميون أنهم مؤرخون ليومهم ولحظتهم فهم يسجلون التاريخ ساعة وقوعه ويوثقون تفاصيله دون الحاجة إلى انتظار موت أبطاله فحياتهم نفسها جزء من القصة الخبرية التي يؤرخ لها الإعلام بأدوات تسجيله الزمنية صوتا وصورة وكلمة ووثيقة.
تأتي المشكلة عندما يتدخل السياسي فيجعل فترة من التاريخ موقع هجومه فإذا آلت إليه السيادة على قومه منع ذكر الفترة التي أدانها ورفض أن يسمح بذكر أبطالها ومواقف الناس تجاهها فيصبح أمرا يعرفه الناس ولا يتحدثون عنه خوف سوء الفهم وسوء العاقبة. فقد أعجبتني بعض تفاصيل هذه المذكرات وخاصة ما جاء فيها شعرا لكني وجدت حروفي مقيدة لأشير إليها “دون ذكر أسماء” وقانا الله وإياكم شر ثقافة الخوف وخواتم مباركة.
.raufah@hotmail.com