ثقافة القحط
الدكتورة رؤوفة حسن
الدكتورة/ رؤوفة حسن
د/ رؤوفة حسن
كل مرة تتساقط فيه الأمطار في المدن اليمنية وتتعرى معها خدماتها يقوم الكتاب والصحفيون والقراء بالكتابة الغاضبة عن الشوارع والتخطيط الحضري وخدمات الطرق. ثم تنتهي مواسم المطر فيعودون لنسيان القصة ليفتحوا مجالات غضب أخرى وهي كثيرة ينفسون بها عن أنفسهم كما هي طبيعة القات وساعات الكيمائية والبيولوجية ثم يسهرون ويعانون مشاكل النوم ليواصلوا بعدها أمورهم كالمعتاد. يحدق الناس في الغيم المقترب عادة بعد العصر ليفكروا في الغياب عن الالتزام بمواعيدهم التي كانوا قد التزموا بها من قبل. فمن العادي لدى سكان المدن أن يقولوا لك نأسف عن عدم مجيئنا ذلك اليوم لأنها كانت تمطر. أما لو أمطرت الصباح فسيغيب العاملون عن مكاتبهم وتخلو معظم جهات العمل من العاملين فيها والمتعاملين معها. هيهات حالهم عن حال العامل في اليابان الذي لايجد سببا للغياب عن موقع عمله أبدا إلا إذا مات شخصيا. القصة في الثقافة نفسها: زمان كان كل بيت فيه كبير في السن توجد شمسية أو مظلة يستطيع بها الكبير الخروج سواء كان رجلا أو امرأة. وكان ذلك يتم للحماية من الشمس التي هي نفسها المعروفة اليوم لأن شدتها وقوتها في بلادنا هي نفسها لم تتغير. وكان الناس في الريف يرتدون قبعات مظلية مصنوعة يدويا من الخوص ولا يزال البعض منهم يفعل ذلك تحل محل المظلة ولكنها لاتعيق أيا من اليدين عن العمل وحمل الأشياء والحركة. وعند سقوط المطر تساعد هذه القبعات المظلية في حجب البلل عن الرأس حتى يحتمي الرعيان وماشيتهم من المطر الغزير في أماكن يبنيها عادة أهل الخير للطوارئ أو يواصلون الطريق. كان الناس في المدن وفي الأرياف يتعاملون مع حياتهم بشكل عملي وجمالي كجزء من مكونات الثقافة العامة. فماذا حدث لهم اليوم¿ لماذا لا تتوافق ثقافتهم المعيشية مع تطورات وحتى متطلبات حياتهم¿ سؤال يستدعي كثيرا من التأمل. ذلك انها لاتتعلق بظلية تشبه القبعات الحديثة توضع على الرأس لتحجب من قوة الشمس أو ظلية يحملها الناس لتحميهم من بلل المطر بل هي متعلقة بثقافة عيب جديدة وتحريم غريبة لسلوكيات الحياة الملائمة مع المجتمع الحديث. فالقبعة التي كان أصلها ولا يزال في كل قرية يمنية منذ عهود سبأ وحمير وحضاراتنا الغابرة صار لبسها اليوم تشبها بالغرب وخدشا في السلوك لثقافة القحط والقسوة السائدة. والمظلة ضد الشمس أو المطر تزيد لا يجدر بالرجال الآشداء على أنفسهم وغيرهم فما بالكم بالنساء لآنه قد يجعل خروجهن إلى مقاصدهن في العمل أو الزيارات ميسورا سواء أمطرت أو اشتد قيظها والحرارة. وحتى مع افتراض ارتداء القبعة وحمل المظلة ولبس معطفا بلاستيكياوافيا وارتداء حذاء طويل مضاد للماء فإن النجاة عند مرور المشاة من لا مبالاة قادة السيارت وحركة عجلات سياراتهم بين الوحول بسرعة تسفخ وتصفع الوجوه أمر مكمل لغياب أداب ثقافية سلوكية للاحترام يفترض أنها في جوهر الدين وصلب استقامة الحياة الدنيا. الريف العاجز في المدينة: بسبب العطش في الغالب وتزايد السكان وإقفال الطريق نحو الغربة من أجل الرزق صارت المدن هي المكان الوحيد المتبقي للهجرة والعمل. البعض أتي بمفرده وظل يرسل النقود والمصاريف إلى أهله ومن تحسنت به الحال قليلا فتمكن من ايجار مكان احضرهم واستقر. ومعهم تريفت المدينة على نحو غريب فليست هي ريف ولا مدينة. القادمون لا يملكون وسيلة لتطوير ثقافتهم القائمة على ظروف مغايرة وليس لهم مدخل كي يستعيدوا القيم التي كانت معهم لآنهم يظنون أنها غير ملائمة للمدينة وبالتالي يعيشون حالة عجز عن إضافة ظروف إيجابية لهم أو لغيرهم وتنعكس سلوكياتهم على نحو سلبي لهم ولغيرهم. وتكشف الأمطار عن حالة من التشوهات لا تزيدها مشاريع إصلاح المجاري التي تكررت حفرياتها على مدار العشرين عاما الماضية كجزء من البنية التحتية التي كانت تقع مناقصاتها من قبل فاسدين لمنفذين أكثر فسادا إلا كشفا لتشوهات في النفوس تزيد من الضيق بالحياة وتجعل المعيشة الصعبة أكثر صعوبة. المطر طريق لهدوء النفوس ومصدر لنعمة الله في بث الخضرة وتخصيب الأرض وري الزرع هو أيضا عندنا بيوت آيلة للسقوط لأن سقوفها مهملة. وبيوت جديدة تنقلب شرفاتها إلى مخازن للماء تدخل إلى الأثاث والسكان بدلا من الخروج إلى الشوارع لأن المخططين الجدد نسوا احتمالية تتم سنويا اسمها المطر. هو عند المتفرج اللبيب الغريب مصدر يمكن حصاده وملء الآبار به لتعويض الفاقد يوميا من المياه الجوفية. لكن المتفرج لبيب أما القائم بالعمل فإن لم يكن مخزنا للقات فهو في الأصل مشغول بسب الساسة والسياسيين.
raufah@hotmail.com