تركيا.. عفارم
محررو الموقع
محررو الموقع
قبل نحو عقد من الزمن وفي لحظات كانت فيها الحكومات التركية المتعاقبة والسابقة لحكومة العدالة والتنمية تهرول نحو الأبواب الأوروبية الموصدة , كنت أضع تلك الطموحات في كفة , وتلك التصريحات لبعض الزعماء في بلدان أوروبا الذين كانوا يقولون بصريح العبارة أن الإتحاد الأوروبي هو ناد مسيحي وعلى تركيا أن تدرك ذلك .
انتماؤنا الإسلامي والوشائج التي تربطنا بهذا البلد تجعلنا دوما في حالة حنين الى إمبراطورية عثمانية تقود هذه الأمة وتعيد صياغة القوى والتكتلات منتقلة من مركز تابع وملحق وباحث عن عضوية كاملة , إلى مركز صدارة وريادة وقيادة. وعندما تولى حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل والمستنير والقائم على منهجية عصرية بامتداد الأصالة والثوابت, كتبت مقالا في الثورة بعنوان العثمانيون الجدد كان يمثل تعبيرا عن فرحتنا الغامرة بصعود قوة نتطلع الى أن تكون نموذجا يحتذى للتيارات السياسية الإسلامية التي تعيش حالة فقدان توازن وعدم قدرة على تقديم التوجهات الإسلامية للعالم من منطلق عصري يزيل انطباعاتهم عن صورة التخلف والرجعية والتطرف التي ارتبطت بالتيارات الدينية..
وفي نفس الوقت كان الأمل يحدونا في ان يضع هذا الحزب النقاط على الحروف ويعيد الجمهورية التركية إلى مربع قيادة هذه الأمة وملء الفراغ الناتج عن ظروف وسياسات معينة في المنطقة. وبالفعل كانت السنوات اللاحقة كفيلة بتحقيق هذا التقارب المنشود والتكامل المأمول والتعاون والتنسيق المشترك.
وبدأ هذا التوجه التركي نحو المنطقة عبر جوانب تجارية واستثمارية ثم عبر رؤية ثقافية قدمتها المسلسلات التركية المدبلجة والتي حازت مشاهدة ومتابعة عربية غير مسبوقة عكست حجم العطش العربي للحضور التركي في مختلف الجوانب .
وعندما أصبح منصب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي مرتبطا بشخصية أكاديمية وسياسية تركية مميزة بحجم البروفسور أكمل الدين إحسان أوجلو شكل ذلك رمزية ونموذجا للريادة التركية, ولم تقف الرغبة التركية لتعزيز هذا الحضور عند مجرد الاستحواذ على أدوار ومناصب في منظمات إقليمية , وإنما ترجم أشقاؤنا اهتمامهم بأمتهم وشعوبها من خلال المواقف العملية بداية من رفض الحكومة التركية للطلب الأمريكي وامتناعها عن أن تكون منطلقا للضربة العسكرية على العراق . وجاءت درة المواقف التركية في أعقاب العدوان الصهيوني على غزة وبعدها الصفعة التي وجهها رجب طيب أردوغان للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في منتدى دافوس.
ومؤخرا وليس آخرا قصة ” أسطول الحرية” الذي كان الأتراك شعبيا ورسميا عنوانا عريضا وبارزا فيه. والحقيقة أن هذا الدور التركي المتعاظم والمرحب به في المنطقة لم يأت فقط لمجرد عاطفة أو شعور وحماسة دينية فقط أو حنين إلى زمن الوصل لهذه الإمبراطورية العثمانية في بلدان هذه المنطقة , وإنما انطلق من ثوابت دولة تبني نفسها بهدوء وعقلانية وأسس قوية لنظام سياسي قوي جاء عبر انتخابات حرة ونزيهة واقتصاد يشهد تطورا مضطردا .
ولهذا كان من الطبيعي أن ينمو الدور السياسي الإقليمي والدولي لتركيا لأن هذا الدور السياسي يعكس نموا وازدهارا اقتصاديا جيدا جاء على يد قادة حزب العدالة والتنمية الذين حاربوا الفساد وطبقوا معايير الشفافية. وكما عبر فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية خلال اتصاله بالرئيس التركي عبدالله جول الأربعاء الماضي فإن هذه المواقف التركية الشجاعة المناصرة للحق الفلسطيني ولكسر الحصار على قطاع غزة والمناهضة للغطرسة الإسرائيلية وانتهاكاتها الصارخة لكافة القوانين والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية هي محل تقدير وإعجاب كبيرين لدى كل أبناء الأمة العربية والإسلامية وكل الأحرار في العالم.