الترسبات تطفو على السطح 

محررو الموقع


محررو الموقع

د. رؤوفة حسنقبل ما يزيد عن عشرين عاما كنت احضر الدكتوراه في فرنسا وأطبق البحث في اليمن على كل من وادي خب في الجوف وجبل الشرق في آنس. وكنت حتى ذلك الحين افهم في علم الاعلام وفي نظرياته ولا افهم في علم الاجتماع ومصطلحاته.
لكن دراستي البحثية للمنطقة جعلتني ادرك انني لا افهم ردود افعال الناس في تلك المناطق النائية عن العاصمة ولا اسباب انفعالاتهم وهكذا صارت نظريات علم الاجتماع والانثربولوجيا هي المدخل للفهم.
وقد ادى ذلك الى جعل تخصصي العلمي يقع بين كل من كلية الاعلام وقسم الاجتماع ثم في ما بعد مركز النوع الاجتماعي والتنمية في الجامعة.
وبالرغم من ان دراستي لا تغطي منطقة مارب ولا تتعرض لها لكن التشابه بين قبائل الجوف في خب وقبائل مارب وغيرها في اليمن يمنح الباحث المتفحص المقدرة على الرؤية والتعميم للاستنتاجات.
ولهذا لم يدهشني رد فعل قبائل عبيدة حيث صارت النتيجة معاناة في معظم بيوت اليمن. فقد رد البعض على الحادثة التي استشهد فيها جابر الشبواني عن طريق الخطأ بعقاب كل المواطنين الذين قطعت عنهم الكهرباء او الغاز او أشعلت مصدر رزقهم من البترول.
إنه الغضب الذي لا يبقي ولا يذر ويأخذ في عاصفته البريء والمظلوم دون تمييز.
الغضب الذي لم يكن فقط نتيجة ذلك الخطأ بل كان نتيجة تراكم واستعداد لتعليم درس عن العلاقة بين الدولة وما يتخللها من اعتوارات شائكة وقبيلة.
ونحن سكان المدن العزل المسلحين بأقلامنا وأحلامنا وكلماتنا الملونة للواقع ليسهل علينا الاستمرار فيه نجد أنفسنا بكهرباء محدودة في يومنا واحتمالات مستقبل متشائمة نفكر في من يقومون بالاعتداء على خطوط الكهرباء سواء كانوا ممن استغلوا الحادثة أو كانوا من الغاضبين من أبناء قبيلة عبيدة ونضع أيدينا على صدورنا ونسأل الله لهم السلو والصبران على مصابهم ولنا السلوان والصبر من مصيبتنا الناتجة عن غضبهم
 مكامن الغضب في حفل تكريمي لمدرسة متفوقة في منطقة اشتهرت فترة بقبائلها العنيفة ثم تخلت عن العنف وتوجهت نحو التعليم والبناء قال احد المتحدثين في الحفل أن تفوق أبناء هذه المدرسة دلالة على الطبيعة المدنية الحضرية لسكان تلك المنطقة وأن ذلك مغاير للصورة التي عكستها صنعاء وتستمر في تثبيتها عن عنف تلك المنطقة.
ووجدت هذا الخطاب أمام التلاميذ المتفوقين مجحفا فاللوم هنا ليس على الطبيعة العنيفة والتقطعات للطرق والقوافل التي كانت تمارس في هذه المنطقة بل اللوم على صنعاء لأنها تظن أن طابعا من العنف كان صفة متوفرة في تلك المنطقة وهذا أمر مجاف للمنطق. ورغم ان القول “صنعاء” هو حديث مجاف عن السلطة المتواجدة فيها وليس عن سكان هذه المدينة الذين لا ناقة لهم ولا جمل في صنع او تثبيت صورة عن أحد فإن المصداقية في القول كانت تحتم على التربوي الكريم أن يقول لأبناء تلك المدرسة أن عليهم أن يستمروا في التفوق كي يمسحو من ذاكرة الناس والمدن الأعمال العنيفة التي عملها بعض آبائهم.
فالصورة العنيفة لم يخترعها عن تلك المنطقة أحد ولم تكن صورة كاذبة بل هي تثبيت لواقع. وكمثال على ذلك ما يحدث اليوم في مارب هل سيحمöل التلاميذ المتفوقون في مارب غدا أهل صنعاء المحرومين من الكهرباء اليوم مسؤولية الصورة العنيفة الذي ثبتها فعل الانتقام الماربي لدم ابنهم المراق¿ التنمية فعل إلزامي: كانت التنمية خيارات يتم تنفيذ بعض برامجها في المناطق المرحبة ويكتفى بالمحاولة العابرة في المناطق المقاومة للتغيير والتي هي في الحقيقة الأكثر احتياجا لها.
لكنها اليوم صارت ضرورة حتمية تجعل وجود المدرسة والعيادة والماء النقي والطريق السهل وقسم الشرطة إلزاما على الدولة وعلى القطاع الخاص وعلى المتبرعين لفعل الخير وعلى الباحثين عن وسيلة لضمان الأمان والاستقرار.
وخلال ذلك وقبل ذلك وبعده إتاحة الفرصة للناس للحصول على وظيفة في هذه المواقع بالذات المتواجدة في مناطقهم. والمواقع المركزية لابد لها أن تبتعد عن خطاب التهم وتحميل الآخرين مسؤلية أفعال لم يقوموا بها.
كل اليمن اليوم مطالبة أن تستثمر هذا الغضب الكامن في الحرمان ليصبح طاقة بناء واندماج.
وقائمة المطالب سهلة ومعروفة كما أن قائمة الحلول معروفة. وإذا لم يقم اليمنيون بهذا الفعل فسيسهل تدمير ما تبقى من خدمات الكهرباء والماء والطريق ونعود من جديد نتجرع تجربة “سيزيف” الأسطورية القديمة بتسلق الجبل ثم العودة الى أسفله لتسلقه من جديد.
_______________
raufah@hotmail.com

قد يعجبك ايضا