حين‮ ‬غضبت كنانة العرب اشتعلت ثورات العالم‮ .. ‬وهتف الناس‮ (‬ناصر‮ .. ‬ياحرية‮)


إعداد‮/ ‬افتكار القاضي –
❊ (٠٠٠٥١) ‬مرتزق من أنحاء العالم وأحدث أنواع الأسلحة لدعم الملكية ضد جيش أعزل جهزه عبدالناصر
‬انفصال سوريا وتقويض حلف بغداد وفتور العلاقة مع بريطانيا وفرنسا‮..‬دوافع استراتيجية لمصر لدعم الثورة اليمنية
‬تردد ناصر في‮ ‬إرسال جنوده لمنع التدخل في‮ ‬شؤون اليمن‮ .. ‬وحين تضخم التكالب الدولي‮ ‬هب لتصرتها
قرابة‮ (٠٠٠٥) ‬جندي‮ ‬عام ‮٣٦‬م إلى ‮٥٥ ‬ألفا‮ ‬يدافعون عن الثورة بالسلاح والمال والأرواح
‬تفوق الملكيون عددا وعتادا ومالا‮ .. ‬وتفوق الثوار إرادة وقيادة
‬قائد سلاح الجو الأردني‮ ‬يرفض ضرب صنعاء‮ .. ‬ويسلم طائرته لناصر
‬انعدام الخرائط الطوبوغرافية سبب إرباكاٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬للمصريين في‮ ‬الأشهر الأولى من المواجهات
‬أكثر من‮ ‬15‮ ‬ألف جندي‮ ‬مصري‮ ‬سقطوا في‮ ‬خندق الدفاع عن الثورة اليمنيةمن‮ (‬55000‮ ) ‬جندي‮ ‬كانوا في‮ ‬اليمن
قمة الإسكندرية بين مصر والسعودية ومؤتمر أركويت مهدت لانسحاب القوات المصرية من اليمن‮ ‬
فشل مؤتمري‮ ‬خمر وحرض عجل بهزيمة الملكيين واعتراف السعودية بالنظام الجمهوري
اعتقال الارياني‮ ‬والعمري‮ ‬ونعمان في‮ ‬مصر أكثر من عام لمحاولاتهم التفاوض مع الملكيين‮ ‬

‬حين اختلف السلال مع‮ (‬الارياني‮ ‬والعمري‮ ‬ونعمان‮) ‬احتجزته القاهرة‮ .. ‬وحين مال الثلاثة للمصالحةاعتقلهم ناصر
‬طول أمد الحرب ونكسة حزيران واتضاح المؤامرة الإسرائيلية على العرب عجل بتصالح ناصر والسعودية ومهد للانسحاب
‬استغل الملكيون انسحاب المصريين لحسم المعركة‮ – ‬رغم بوادر المصالحة‮- ‬فكتبوا نهايتهم
‬استغلت إسرائيل انشغال ناصر باليمن‮ ‬فقدمت أسلحة ومرتزقة وجسرا جويا لإنهاكه‮ ‬

.. ‬هذه الصفحات الشيقة هي‮ (‬حكاية حرب وثأر بيننا وبين الاستعمار‮) ‬كما تِغنِى ذائع الصيت عبدالحليم حافظ قبل نصف قرن‮!!‬
‬في‮ ‬تفاصيلها قصة مارد اسطوري‮ ‬هب من مصر الكنانة ليتجاوز حدود الدعم إلى التحام الدم
‬بطل هذا الدعم زعيم خالد ووجهته شعب‮ ‬يمني‮ ‬بائس أراد إسماع أنينه للدنيا بأسرها انتفض على قرون البؤس واليأس‮ ‬الظلم والظلام‮ ‬‮ ‬الجهل والفقر والمرض والعزلة التامة شعب خرج ليدافع عن حقه في‮ ‬حياة حرة كريمة وإطلالة على وهج العصر كباقي‮ ‬شعوب الأرض‮!!‬
شعب تمسك بأهداب المستحيل ليخرج من ظلمة قبر‮ .. ‬ظن أن العالم سيصغي‮ ‬لجلجلته وعدالة مطلبه‮ .. ‬تلفت‮ ‬يمنة ويسرة‮ – ‬شرقا وغربا‮ – ‬كي‮ ‬يرى حجم التعاطف البشري‮ ‬معه‮ .. ‬لكنه في‮ ‬لحظة خذلان تاريخية وجد نفسه إزاء مؤامرة ضخمة استهدفت‮ (‬عبدالناصر‮) ‬وثورة‮ ‬يتيمة تكالب عليها العالم‮ ‬وحرية مغدورة لم‮ ‬يدعمها‮ ‬غير‮ (‬عبدالناصر‮) ‬في‮ ‬محور مصري‮ – ‬سوري‮ – ‬صيني‮ – ‬سوفيتي‮ – ‬قاوم حتى النصر‮.‬
‬وحده قائد سلاح الجو الأردني‮ ‬أدرك مرارة الخذلان وخطيئة التآمر فألقى بطائرته بين‮ ‬يدي‮ ‬عبدالناصر متجها إلى القاهرة بعد أن كانت وجهته صنعاء لضرب ثوارها‮.‬
ووحدها إسرائيل أيضا اهتبلت الفرصة حين وجدت حرب اليمن قد أدخلت عدوها القومي‮ ‬اللدود في‮ ‬مستنقع منهك‮ .. ‬وللإمعان في‮ ‬إنهاكه هيأت العدة والعتاد وجسرا جويا سريا في‮ ‬جيبوتي‮ ‬ومرتزقة أوروبيين بلا حصر‮ ‬لنصرة الملكيين‮ .. ‬لتلتهم على‮ ‬غفلة من العرب كعكة سيناء على وقع نكسة حزيرانية مشؤومة أخرجت عبدالناصر نازفا من اليمن‮.‬
ليتنفس الملكيون الصعداء فقاتل الثوار وحدهم‮.. ‬ولسان حالهم‮ ‬يقول‮ (‬كم من فئة قليلة‮ ‬غلبت فئة كثيرة‮) ‬وهاكم التفاصيل‮:‬
هيئة التحرير

‮❊ .. ‬كان للدور المصري‮ ‬في‮ ‬مساندة وإنجاح ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر الأثر األفاعل‮ ‬الذي‮ ‬بفضله صمدت الجمهورية وانتصرت على المحاولات الملكية المستميتة التي‮ ‬كانت تتفوق على الجمهوريين لوجستيا وماديا وعددا وعتادا‮.. ‬وتنوع الحضور المصري‮ ‬فكان لمصر دور رائد في‮ ‬إعداد المناضلين اليمنيين عسكرياٍ‮ ‬وسياسياٍ‮ ‬وتنظيمياٍ‮ ‬وروحياٍ‮. ‬كما لعبت دوراٍ‮ ‬محورياٍ‮ ‬في‮ ‬دعم وتوجيه الحركة الوطنية للثورة اليمنية‮.. ‬وقدمت مصر قوافل كبيرة من الشهداء الذين سقطوا في‮ ‬حرب الدفاع عن الثورة والجمهورية طيلة سبع سنوات خسرت فيها أكثر من‮ ‬15‮ ‬ألف جندي‮. ‬
قبل بداية المد المصري‮ ‬لدعم الثورة في‮ ‬اليمن تردد الرئيس عبدالناصر حينها كثيرا في‮ ‬إرسال قوات مصرية إلى صنعاء لمساندة الجمهورية رغم محاولات عبدالرحمن البيضاني‮ ‬المتكررة من خلال خطة قدمها للمسؤولين المصريين للإطاحة بالنظام الملكي‮.. ‬لكن وبعد نجاح ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر وإعلان قيام الجمهورية وفرار البدر من‮ ‬العاصمة صنعاء إلى مدينة حجة وافق عبدالناصر على إسناد الثورة والجمهورية‮. ‬
ففي‮ ‬30‮ ‬سبتمبر1962مم وصل العميد المصري‮ ‬علي‮ ‬عبدالخبير على متن طائرة لتقييم الموقف وتقدير احتياجات مجلس قيادة الثورة اليمني‮. ‬وعلى الفور تقرر إرسال كتيبة قوات الصاعقة المصرية‮ ‬وكانت مهمتها العمل على حراسة‮ ‬عبدالله السلال‮ ‬ووصلت هذه الكتيبة إلى مدينة الحديدة في‮ ‬5‮ ‬أكتوبر‮.‬

دوافع استراتيجية‮ ‬
‮❊ ‬برزت عوامل عديدة لمصر لدعم الثورة اليمنية كما‮ ‬يقول السير أنتوني‮ ‬نتنغ‮) ‬في‮ ‬كتاباته عن سيرة حياة عبدالناصر دفعت الرئيس جمال لإرسال قوات مصرية إلى اليمن‮. ‬ومن بين هذه الأسباب انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام‮ ‬1961م‮. ‬وكان عبدالناصر‮ ‬يريد استرجاع هيبته بعد انفصال سوريا‮. ‬ويرى أن انتصارا عسكرياٍ‮ ‬سريعاٍ‮ ‬وحاسماٍ‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعيد له قيادته للعالم العربي‮. ‬وكانت لعبدالناصر سمعته المعروفة كمعاد‮ ‬للاستعمار كما كان‮ ‬يريد طرد البريطانيين من جنوب اليمن ومن ميناء عدن الاستراتيجي‮ ‬المطل على مضيق باب المندب‮.‬
فيما قال مؤلف‮ ‬كتاب‮ «‬اليمن‮ ‬الحرب المجهولة‮» ‬دانا آدمز شميدت‮ – ‬أن عبدالناصر كان‮ ‬ينوي‮ ‬في‮ ‬البداية انتظار سقوط الإمام أحمد والعمل مع الإمام بدر‮. ‬ولكن كانت العلاقات العدائية بين عبدالناصر والإمام‮ ‬واضحة في‮ ‬قصيدة كتبها الإمام هاجم فيها الاشتراكية عام‮ ‬1961م‮. ‬فرد عليه عبدالناصر عبر إذاعة صوت العرب‮. ‬

عبدالناصر والفرصة السانحة
‮❊ ‬ويسرد اللواء محمود عادل أحمد في‮ ‬كتابه الذي‮ ‬نْشر عام‮ ‬1992م بعنوان‮ «‬ذكريات حرب اليمن‮ ‬1962م‮-‬1967م‮». ‬أن مجلس قيادة الثورة في‮ ‬مصر ناقش‮ ‬في‮ ‬29‮ ‬سبتمبر‮ ‬1962م‮ ‬قرار إرسال قوات مصرية لردع الممالك العربية التي‮ ‬تحاول إجهاض الثورة اليمنية والموافقة عليه واتخاذ الاجراءات الكفيلة بالتسريع في‮ ‬تقديم الدعم للثورة اليمنية‮. ‬
وكتب المؤرخ السياسي‮ ‬والاعلامي‮ ‬الكبير والصديق المقرب من عبدالناصر‮ – ‬محمد حسنين هيكل‮ – ‬في‮ ‬كتاب‮ «‬لمصر لا لعبدالناصر‮»‬‮ ‬أنه تناقش مع عبدالناصر في‮ ‬موضوع دعم الثورة في‮ ‬اليمن وكانت وجهة نظره أن وضع ثورة السلال لا‮ ‬يمكنها من احتواء العدد الكبير من القوات المصرية التي‮ ‬سترسل إلى اليمن لدعم نظامه‮. ‬وإنه من الأفضل التفكير في‮ ‬إرسال متطوعين عرب من جميع أنحاء العالم العربي‮ ‬للقتال بجانب القوات الجمهورية اليمنية‮. ‬وقد ضرب هيكل مثال الحرب الأهلية الإسبانية للتطبيق في‮ ‬اليمن‮. ‬ولكن عبدالناصر رفض وجهة نظره وكان مصراٍ‮ ‬على ضرورة حماية الحركة القومية العربية وكان عبدالناصر‮ ‬يعتقد أن لواء من القوات الخاصة المصرية مصحوباٍ‮ ‬بسرب من القاذفات المقاتلة‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يحمي‮ ‬الجمهوريين في‮ ‬اليمن‮. ‬حيث كان جمال عبدالناصر‮ ‬يتطلع إلى تغيير النظام اليمني‮ ‬منذ عام‮ ‬1957م‮ ‬وفي‮ ‬يناير من عام‮ ‬1962م وجد ألفرصة سانحة لتحقيق تطلعاته وذلك بدعم حركة الضباط الأحرار اليمنيين بالإيواء والمال وعلى موجات إذاعة صوت العرب‮.‬
ومن بين الأسباب التي‮ ‬أدت بعبدالناصر إلى إرسال القوات المصرية إلى اليمن ايضا تأثير دعمه لحرب تحرير الجزائر من سنة‮ ‬1954‮ ‬إلى سنة‮ ‬1962م‮. ‬وفتور علاقاته من بريطانيا وفرنسا بسبب دعمه للجزائريين وجهوده لتقويض حلف بغداد الذي‮ ‬أدى سقوطه إلى سقوط الملكية في‮ ‬العراق عام‮ ‬1958م‮.‬
وحينها نْسب إلى وزير الدفاع المصري‮ – ‬المشير عبدالحكيم عامر‮ – ‬قوله أن وجود جمهورية على أرض اليمن هو أمر حيوي‮ ‬بالنسبة لمصر لضمان السيطرة على البحر الأحمر من قناة السويس إلى مضيق باب المندب‮.‬
أدرك عبدالناصر خلال ثلاثة أشهر من إرساله القوات إلى اليمن أن الأمر‮ ‬يتطلب أكثر مما توقع‮. ‬وفي‮ ‬بدايات عام‮ ‬1963م وجد نفسه مضطراٍ‮ ‬لإرسال المزيد من القوات‮. ‬لدعم الثوار مع‮ ‬يقينه بالخلافات التي‮ ‬بدأت بالنشوب بين معسكر السلال وشيوخ ألفبائل المؤيدين للثورة لا سيما الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ مشايخ قبائل حاشد صاحبة الدور الكبير في‮ ‬المعارك‮ ‬وكان عدد القوات أقل من‮ ‬5‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬في‮ ‬أكتوبر عام‮ ‬1963م وبعد شهرين ارتفع عدد القوات النظامية هناك إلى‮ ‬15‭,‬000وفي‮ ‬نهاية عام‮ ‬1963م‮ ‬بلغ‮ ‬عدد القوات‮ ‬36‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬ليصل في‮ ‬نهاية‮ ‬1964‮ ‬إلى‮ ‬50‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬مصري‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬وبلغ‮ ‬العدد ذروته في‮ ‬نهاية عام‮ ‬1965‮ ‬حيث تجاوز عدد القوات المصرية الــس55‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬مصري‮ ‬تم تقسيمهم إلى‮ ‬13‮ ‬لواء مشاة ملحقين بفرقة مدفعية‮ ‬فرقة دبابات والعديد من قوات الصاعقة وألوية المظلات‮. ‬وقد أرسل السفير أحمد أبو زيد‮ – ‬الذي‮ ‬كان سفير مصر إلى المملكة المتوكلية اليمنية من سنة‮ ‬1957م إلى سنة‮ ‬1961م‮ – ‬العديد من التقارير الهامة عن اليمن التي‮ ‬لم تصل إلى وزارة الدفاع المصرية ويبدو إنها ظلت مدفونة في‮ ‬أدراج وزارة الخارجية‮. ‬فقد حذر السفير المسؤولين في‮ ‬مصر‮ – ‬بمن فيهم المشير عبدالحكيم عامر‮ – ‬أن القبائل اليمنية صعبة المراس ولا تملك أي‮ ‬إحساس بالولاء أوالانتماء للوطن‮. ‬وعارض السفير إرسال القوات المصرية واقترح دعم الضباط الأحرار اليمنيين بالمال والسلاح‮. ‬وحذرهم بأن السعوديين سيغرقون اليمن بالمال لتأليب القبائل ضد الثورة‮.‬

انعدام الخرائط
‮❊ ‬كان القادة الميدانيون المصريون‮ ‬يعانون من انعدام الخرائط الطوبوغرافية مما سبب لهم مشكلة حقيقية في‮ ‬الأشهر الأولى من الحرب‮. ‬فلم‮ ‬يستطع القادة وضع الخطط للعمليات العسكرية أو إرسال التقارير الدورية أو الإبلاغ‮ ‬عن الخسائر بدون الإحداثيات الدقيقة للمواقع‮. ‬وكانت لدى وحدات القتال خرائط تستخدم فقط للملاحة الجوية‮. ‬وقد أقر مدير المخابرات العامة المصرية صلاح نصر أن المعلومات عن اليمن كانت شحيحة‮. ‬ولأن مصر لم‮ ‬يكن لديها سفارة في‮ ‬اليمن منذ سنة‮ ‬1961م‮ ‬فقد طلبت معلومات من السفير الأمريكي‮ ‬في‮ ‬اليمن ولكن كل ما أرسله في‮ ‬تقريره كانت معلومات عن الاقتصاد اليمني‮.‬
وكان نقص الخرائط الكافية وعدم معرفة المصريين بأرض المعركة‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى استمرار بقاء القوات المصرية في‮ ‬مستنقع اليمن‮. ‬وكان من بين القادة الذين تم إرسالهم لتنفيذ‮ «‬العملية‮ ‬9000‮» – ‬وهو الاسم الذي‮ ‬أطلقه قادة الجيش المصري‮ ‬على حرب اليمن‮ – ‬لواء مصري‮ ‬واحد من أصل‮ ‬يمني‮ ‬من قبيلة بني‮ ‬سند اسمه طلعت حسن علي‮. ‬وكان هذا اللواء هو الوحيد الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون له معرفة باليمن‮.‬

دور القوات الجوية
‮❊ ‬ومنذ عام‮ ‬1962م إلى نهاية الحرب‮ ‬أدرك قادة الأركان العامة المصرية أهمية الجسر الجوي‮. ‬ولم‮ ‬يدرك المصريون تأثيره جيداٍ‮ ‬في‮ ‬اليمن حتى أكتوبر من عام‮ ‬1963م‮. ‬في‮ ‬هذا الوقت‮ ‬كان الزعيم الجزائري‮ ‬أحمد بن بلة متورطاٍ‮ ‬في‮ ‬حرب الرمال مع المملكة المغربية الموالية للولايات المتحدة على قطعة أرض في‮ ‬الصحراء الكبرى أعطيت للجزائر بعد طرد الاحتلال الفرنسي‮. ‬وكان الجزائريون‮ ‬يمتلكون جيشا‮ ‬يعتمد تكتيكات حرب العصابات في‮ ‬مواجهة قوات مسلحة تقليدية‮. ‬وطلب بن بلة المساعدة من عبدالناصر التي‮ ‬جاءت في‮ ‬صورة كميات ضخمة من الدبابات والعتاد الذي‮ ‬جاء عن طريق البحر والجسر الجوي‮ ‬والتي‮ ‬جاءت على حسب كلام نتنغ‮ ‬بسرعة وكفاءة عالية من الجيش المصري‮ ‬ومكنت هذه المساعدات الجزائريين من الاحتفاظ بقطعة الأرض المتنازع عليها‮. ‬
في‮ ‬يناير‮ ‬1964م‮ ‬قام الملكيون بحصار العاصمة اليمنية صنعاء‮. ‬فقامت ناقلات الأنتونوف إيه إن‮ – ‬12‮ ‬المصرية بعمل جسر جوي‮ ‬لنقل أطنان من الطعام والوقود إلى العاصمة المحاصرة‮. ‬وقدر المصريون تكاليف تجهيز القوات المصرية‮ (‬الجمهورية‮) ‬بملايين الدولارات وبالإضافة إلى ذلك فقد قامت موسكو بتجديد مطار الروضة الحربي‮ ‬خارج صنعاء‮. ‬فقد رأى القادة السياسيون السوفييت أنها فرصة لكسب موطئ قدم في‮ ‬شبه الجزيرة العربية ولذلك قاموا بتدريب المئات من الطيارين الحربيين المصريين للخدمة في‮ ‬حرب اليمن‮.‬

موقف قائد سلاح الجو الأردني
‮❊ ‬في‮ ‬أثناء الحرب‮ ‬قامت المملكة العربية السعودية والأردن بعقد اتفاقية للدفاع المشترك والتعاون العسكري‮ ‬عْرفت باتفاقية الطائف‮. ‬وبسبب حوادث لجوء بعض الطيارين السعوديين إلى مصر لرفضهم قصف المواقع المصرية في‮ ‬اليمنلجأ السعوديون إلى الأردن للقيام بالغارات الجوية‮. ‬وبالفعل ذهب وفد عسكري‮ ‬أردني‮ ‬إلى السعودية‮ ‬يرأسه قائد الجيش حابس المجالي‮ ‬ومعه قائد سلاح الجو سهل حمزة للاتفاق على تفاصيل الضربة الجوية التي‮ ‬سيقوم بها طيارون أردنيون‮. ‬وكانت الأهداف التي‮ ‬يجب ضربها مطارات صنعاء‮ ‬الحديدة‮ ‬وتعز‮ ‬وتدمير الطائرات والمعدات الموجودة‮ ‬السفن المصرية في‮ ‬البحر الأحمر المتجهة والعائدة من اليمن‮ ‬إذاعة صنعاء‮ ‬محطة الاتصالات اللاسلكية‮ ‬قلعة حجة‮ ‬إذاعة تعز‮ ‬وميناء الصليف شمال مدينة الحديدة‮.‬
وبسبب طول المسافة وصغر سعة خزان وقود الطائرات‮ ‬فقد تم الاتفاق على ضرب الأهداف ثم الاتجاه إلى القاعدة العسكرية البريطانية في‮ ‬عدن لإعادة التزود بالوقود وإكمال تسليح الطائرات وفي‮ ‬طريق العودة‮ ‬يتم ضرب أهداف أخرى‮.‬
وفي‮ ‬أثناء زيارة الوفد العسكري‮ ‬غادر قائد سلاح الجو الأردني‮ – ‬سهل حمزة‮ – ‬الرياض إلى عمان بدون إبداء الأسباب وكان في‮ ‬نيته مقابلة العاهل الأردني‮ ‬لمناقشته في‮ ‬جدوى الأمر‮. ‬وعندما لم‮ ‬يستطع مقابلته‮. ‬قرر التوجه بطائرته إلى القاهرة لمقابلة عبدالناصر‮. ‬وقد ذكر سهل حمزة في‮ ‬أحد الأحاديث الصحفية أنه فكر في‮ ‬الأمر وتوصل إلى أنه إذا رفض القيام به فسيقوم‮ ‬غيره بالمهمة‮ ‬وإذا امتثل فهو‮ «‬عار له ولبلده‮»‬

مصلحة إسرائيل في‮ ‬الحرب
‮❊ ‬كانت حرب اليمن فرصة لإسرائيل لأنها أجلت خطط المصريين العسكرية لتقوية وضعهم في‮ ‬سيناء‮ ‬وحولت انتباه جيشهم إلى نقطة أخرى‮. ‬وقد كتب هيكل أن إسرائيل قامت بإعطاء شحنات من الأسلحة كما أقامت اتصالات مع المئات من المرتزقة الأوروبيين الذين‮ ‬يقاتلون بجانب الملكيين في‮ ‬اليمن وقامت إسرائيل بإنشاء جسر جوي‮ ‬سري‮ ‬بين جيبوتي‮ ‬وشمال اليمن‮. ‬وأعطت الحرب الفرصة للإسرائيليين لمراقبة وتقييم التكتيكات الحربية المصرية وقدرتها على التكيف مع ظروف المعارك‮.‬

القوات الملكية اليمنية وحلفاؤها
الدعم السعودي‮ ‬الايراني‮ ‬
‮❊ ‬في‮ ‬عام‮ ‬1963م دعمت السعودية القبائل اليمنية الموالية للملكيين بالسلاح‮ ‬عبر تأجير المئات من المرتزقة الأوروبيين وإنشاء محطة إذاعية خاصة بهم‮. ‬وقامت باكستان ببيع بنادق للملكيين وكانت قد رأت فيها فرصة للتكسب من الحرب‮. ‬وقامت إيران بدعم الملكيين بالمال فقد وجد الشاه محمد رضا بهلوي‮ ‬أنه‮ ‬يجب عليه دعم الإمام محمد البدر حميد الدين الشيعي‮ ‬الزيدي‮. ‬وسمح البريطانيون بمرور قوافل السلاح عبر أراضي‮ ‬أحد حلفائهم في‮ ‬ما كان‮ ‬يسمى الجنوب العربي‮ ‬وهو شريف بيحان الذي‮ ‬كان تحت حماية الإدارة البريطانية في‮ ‬عدن‮. ‬وقامت الطائرات الحربية البريطانية بعمليات نقل جوية لإعادة إمداد قوات الإمام‮.‬
وقام‮ ‬البدر بتشكيل جيشيين‮ – ‬واحد تحت قيادة الأمير حسن في‮ ‬الشرق والثاني‮ ‬تحت قيادته في‮ ‬الغرب‮. ‬وسيطر الجيشان على معظم شمال وشرق اليمن‮ ‬بما فيه‮ ‬حريب ومارب‮. ‬ولكن عاصمة الشمال‮ ‬صعدة‮ – ‬التي‮ ‬كانت تعطي‮ ‬للإمام طريقا استراتيجيا هاما للعاصمة صنعاء‮ – ‬كانت تحت سيطرة الجمهوريين‮. ‬وكانت هناك مناطق مثل مدينة حجة‮ ‬حيث كان الملكيون‮ ‬يسيطرون على الجبال بينما سيطر المصريون والجمهوريون على المدينة وقلعتها‮. ‬وقد تم إرسال مرتزقة من فرنسا‮ ‬بلجيكا‮ ‬وإنجلترا‮ ‬‮ ‬لمساعدة الإمام في‮ ‬التخطيط للحرب‮ ‬التدريب وإعطاء القوات‮ ‬غير النظامية التابعة للإمام القدرة على الاتصال بالسعوديين وفي‮ ‬ما بينهم‮. ‬كما قام أولئك المرتزقة بتدريب رجال القبائل على استخدام الأسلحة المضادة للدبابات مثل المدفع عيار‮ ‬106‮ ‬مليمتر‮ ‬وكيفية زرع الألغام‮. ‬وقدرت المصادر المصرية عدد المرتزقة بخمسة عشر ألف مرتزق‮. ‬وكانت تكتيكات الملكيين محصورة في‮ ‬أساليب حرب العصابات لعزل القوات التقليدية المصرية عن الجمهورية العربيه اليمنية‮ ‬والقيام بهجمات على خطوط الإمداد‮.‬

ثلاثة محاور
‮❊ ‬قسمت قيادة الأركان العامة المصرية حرب اليمن إلى ثلاثة أهداف عملياتية‮. ‬الأول كان الشق الجوي‮ ‬وبدأ هذا الشق بطائرات تدريب قامت بعمليات تمشيط كما قامت أيضاٍ‮ ‬بحمل القذائف وانتهى بثلاثة أسراب من القاذفات المقاتلة‮ ‬تمركزت بالقرب من الحدود اليمنية السعودية‮. ‬وقام المصريون بطلعات جوية على طول ساحل تهامة وفي‮ ‬مدن نجران وجازان‮ . ‬وكان هدف هذه الطلعات قصف تشكيلات الملكيين الأرضية وتعويض قلة التشكيلات المصرية على الأرض بالقوة الجوية‮. ‬وبجانب الغارات الجوية المصرية‮ ‬كان الشق العملياتي‮ ‬الثاني‮ ‬هو السيطرة على الطرق الرئيسية المؤدية للعاصمة صنعاء والطرق التي‮ ‬تربطها بالمدن والقرى الرئيسية‮. ‬وكانت حملة‮ «‬رمضان‮» ‬هي‮ ‬أكبر هجوم نْفذ من أجل هذا الشق العملياتي‮ ‬الذي‮ ‬بدأ في‮ ‬مارس‮ ‬1963م حتى فبراير‮ ‬1964‮ ‬وركز على فتح وتأمين الطرق من صنعاء إلى صعدة في‮ ‬الشمال‮ ‬وطريق صنعاء-مارب في‮ ‬الشرق‮. ‬وكانت نتيجة نجاح المصريين أن الملكيين سيتخذون الهضاب والجبال ملجأ لإعادة التجمع والقيام بالكر والفر‮.‬
فيما كان الشق العملياتي‮ ‬الثالث هوإخضاع القبائل وإغراؤهم لتأييد الجمهوريين‮. ‬وتطلب ذلك إنفاق أموال كثيرة لإمداد القبائل بالمساعدات بل ورشوة زعماء القبائل‮.‬
ومع حلول العام‮ ‬1967م‮ ‬تمركزت القوات المصرية في‮ ‬مثلث الحديدة‮ – ‬تعز‮ – ‬صنعاء للدفاع عنه‮. ‬وقامت بعمل طلعات جوية لقصف جنوب المملكة العربية السعودية وشمال اليمن‮. ‬وقد أراد عبدالناصر انسحاباٍ‮ ‬متزامناٍ‮ ‬للقوات المصرية والسعودية من اليمن لحفظ ماء الوجه‮. ‬ولكن هذا الانسحاب جاء عند اندلاع حرب‮ ‬يونيو‮ ‬1967م‮ ‬عندما قامت إسرائيل بهجوم جريء على ثلاث دول عربية هي‮ ‬مصر‮ ‬سوريا‮ ‬والأردن‮. ‬وبعد نكسة‮ ‬67‮ ‬بدأ العرب في‮ ‬الاتحاد ضد إسرائيل‮. ‬وقد أعطى ذلك عبدالناصر ألفرصة للخروج من اليمن في‮ ‬قمة الخرطوم‮. ‬ومن سنة‮ ‬1968م إلى سنة‮ ‬1971م‮ ‬انسحبت مصر والسعودية والمرتزقة من اليمن‮.‬

حملة رمضان
‮❊ ‬بدأت حملة رمضان في‮ ‬فبراير‮ ‬1963م عندما وصل المشير عبدالحكيم عامر وأنور السادات إلى صنعاء‮. ‬وقد طلب عبدالحكيم عامر من القاهرة مضاعفة عدد القوات الموجودة إلى‮ ‬40‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬ووصل منهم‮ ‬5‭,‬000‮ ‬كدفعة أولى‮. ‬وفي‮ ‬18‮ ‬فبراير تحركت فرقة من‮ ‬15‮ ‬دبابة‮ ‬عشرين عربة مدرعة‮ ‬18‮ ‬شاحنة‮ ‬والعديد من سيارات الجيب من صنعاء متجهة إلى صعدة في‮ ‬الشمال‮. ‬وتبعتها العديد من القوات‮. ‬وبعد بضعة أيام‮ ‬توجهت فرقة أخرى‮ ‬يتقدمها‮ ‬350‮ ‬جنديا في‮ ‬دباباتهم وعرباتهم المدرعة من صعدة إلى مارب في‮ ‬الجنوب الغربي‮. ‬ولم تتجه ألفرقة الأخيرة إلى مارب مباشرة‮. ‬بل قاموا بالعبور إلى صحراء الربع الخالي‮ ‬داخل الأراضي‮ ‬السعودية حيث تم تجهيزهم بواسطة جسر جوي‮ ‬ثم توجهوا إلى الغرب‮. ‬وفي‮ ‬25‮ ‬فبراير احتلوا مارب ثم حريب في‮ ‬7‮ ‬فبراير‮. ‬وقد فشلت قوة ملكية من‮ ‬1‭,‬500‮ ‬رجل تم جمعهم في‮ ‬نجران في‮ ‬وقف الهجوم عند خروجه من صعدة‮. ‬وقد هرب قائد الملكيين في‮ ‬حريب إلى بيحان‮. ‬

معركة العرقوب
‮❊ ‬وفي‮ ‬معركة العرقوب‮ ‬التي‮ ‬تقع على بعد‮ ‬25‮ ‬ميل جنوب شرق العاصمة صنعاء‮ ‬قام‮ ‬500‮ ‬ملكي‮ ‬يقودهم الأمير عبدالله بالهجوم على موقع مصري‮ ‬على قمة أحد الهضاب‮ ‬وكان الموقع‮ ‬يحرسه ست دبابات سوفيتية من نوع تي‮-‬54‮ ‬دستة من العربات المصفحة‮ ‬ومدافع آلية‮. ‬فقام المصريون بالرد على الهجوم بالمدفعية وقذائف المورتر وطائرات التمشيط‮. ‬بينما قام الملكيون بالرد بالبنادق‮ ‬وقاذف مورتر واحد معه عشرين قذيفة ومدفع بازوكا معه أربعة قذائف‮. ‬واستمرت المعركة أسبوعاٍ‮ ‬كلفت المصريين ثلاث دبابات‮ ‬سبع عربات مدرعة و160‮ ‬قتيلاٍ‮. ‬ولكن المصريين كانوا في‮ ‬مواقع تمكنهم من منع الملكيين من الإمدادات في‮ ‬الجبال شمال وشرق صنعاء‮. ‬وفي‮ ‬أبريل قرر الملكيون تطبيق تكتيكات جديدة‮ ‬ومنها الحصول على الإمدادات بالدوران حول المواقع التي‮ ‬يحتلها المصريون باستخدام الجمال بدلاٍ‮ ‬من الشاحنات لعبور الجبال والوصول لمواقعهم شرق صنعاء‮. ‬ويمكن لقوافل الجمال أن تدخل الربع الخالي‮ ‬من بيحان إلى اليمن شمال مارب‮. ‬وقد تقرر أيضاٍ‮ ‬تكثيف عمليات الملكيين شرق الجبال بواسطة ثلاثة‮ «‬جيوش‮». ‬وفي‮ ‬نهاية أبريل‮ ‬بدأ الملكيون في‮ ‬استعادة قوتهم واسترجعوا بعض‮ ‬المواقع التي‮ ‬أخذها منهم المصريون في‮ ‬الجوف‮ ‬

حملة حرض
‮❊ ‬في‮ ‬12‮ ‬يونيو‮ ‬قام‮ ‬4‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬من قوات المشاة المصرية مدعمون بالجيش الجمهوري‮ ‬والمتطوعين من محمية عدن بمهاجمة مدينة بيت عذاقة التي‮ ‬تقع على بعد‮ ‬30‮ ‬ميلاٍ‮ ‬غرب صنعاء حيث تمتد جبهة‮ ‬يقودها الأمير عبدالله من طريق الحديدة عبر مدينة كوكبان إلى جنوب حجة‮. ‬وخلال‮ ‬يومين‮ ‬تقدم الهجوم حوالي‮ ‬12‮ ‬ميلاٍ‮ ‬قبل أن‮ ‬يتم صدهم بهجوم ملكي‮ ‬مضاد‮. ‬وقد اعترف الملكيون بمقتل‮ ‬250‮ ‬من جانبهم‮. ‬ثم هاجم الجمهوريون مدينة السودة‮ ‬100‮ ‬ميل شمال‮ ‬غرب صنعاء‮. ‬وقد استغلوا قلة شعبية الأمير عبدالله بين القبائل لشراء شيوخها ودخلوا المدينة بلا مقاومة‮. ‬ولكن بعد مرور شهر‮ ‬بعثت القبائل بمندوبين للبدر‮ ‬يطلبون العفو ويطلبون منه المال والسلاح لقتال المصريين‮. ‬وارسل البدر قوات جديدة واستطاع استعادة المناطق المحيطة بالمدينة ولكن ليس المدينة نفسها‮.‬
وفي‮ ‬15‮ ‬أغسطس‮ ‬قام المصريون بهجوم من قاعدتهم الشمالية الغربية الرئيسية في‮ ‬حرض‮. ‬وكان عدد القوات‮ ‬يصل إلى‮ ‬1‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬مصري‮ ‬يصاحبهم‮ ‬2‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬جمهوري‮. ‬وكانت الخطة‮ – ‬على حسب رواية المخابرات البريطانية‮ – ‬هي‮ ‬قطع الطريق الجبلي‮ ‬الذي‮ ‬يبلغ‮ ‬طوله‮ ‬35‮ ‬ميلاٍ‮ ‬ويربط بين الخوبة على الحدود السعودية ومقر قيادة البدر في‮ ‬جبال القارة‮ ‬ثم بعد ذلك قسم القوات إلى قسمين‮ ‬تتحرك واحدة إلى الشرق إلى مقر قيادة البدر والأخرى تتجه إلى الشمال الشرقي‮ ‬عبر الطريق الجبلي‮ ‬إلى الحدود السعودية تحت جبال رازح‮. ‬وبداٍ‮ ‬المصريون تحركهم عبر وديان حرض وتعشر‮. ‬وفي‮ ‬عصر‮ ‬يومي‮ ‬السبت والأحد هطلت الأمطار بغزارة وغرزت آلياتهم المكونة من‮ ‬20‮ ‬دبابة وحوالي‮ ‬40‮ ‬عربة مدرعة في‮ ‬الوحل‮. ‬ولم‮ ‬يهاجمهم الملكيون حتى فجر الإثنين‮. ‬وغادر البدر مقر قيادته في‮ ‬الثالثة فجراٍ‮ ‬مع‮ ‬1‭,‬000‮ ‬من رجاله للقيام بهجوم مضاد في‮ ‬مضيق تعشر‮ ‬بينما هاجم الأمير عبدالله وادي‮ ‬حرض‮.‬

تنسيق التحركات
‮❊ ‬وفي‮ ‬هذه الأثناء‮ ‬خطط المصريون لتحرك منسق من صعدة إلى الجنوب الغربي‮ ‬تحت جبال رازح‮ ‬للانضمام مع القوة القادمة من حرض‮. ‬وقد اعتمدوا على احد مشأخ القبائل الذي‮ ‬كان من المفروض أن تنضم قواته إلى‮ ‬250‮ ‬من قوات المظلات المصرية‮. ‬ولكنه‮ ‬لم‮ ‬يحضر لاستقبال المظليين‮. ‬فاضطروا إلى العودة إلى صعدة وسقط بعضهم بنيران قناصة الملكيين‮. ‬وبعث البدر بمبعوثين ورسائل لاسلكية في‮ ‬جميع أنحاء البلاد‮ ‬يطلب فيها الدعم‮. ‬وطلب حضور قوات الاحتياط التي‮ ‬تتدرب في‮ ‬الجوف‮. ‬وقد وصلت هذه القوات على شاحنات تحمل مدافع عيار‮ ‬55‮ ‬و‮ ‬57‮ ‬مليمتر ومدافع مورتر عيار‮ ‬81‮ ‬مليمتر بالإضافة إلى مدافع آلية ثقيلة بعد‮ ‬48‮ ‬ساعة‮. ‬وقاموا بضرب الصفوف المصرية الغارقة في‮ ‬الوحل داخل الوادي‮ ‬بالمدافع‮. ‬وقد أعلن الملكيون فيما بعد أنهم دمروا‮ ‬10‮ ‬دبابات مصرية و نصف عرباتهم المدرعة‮. ‬
كما نفذوا هجومين آخرين أحدهما على جهينة وقتلوا العديد من ضباط الأركان‮. ‬والثاني‮ ‬كان محاولة لقصف صنعاء من قمم أحد الجبال القريبة‮. ‬وقد شارك في‮ ‬هذه العملية خبراء بريطانيون ومرتزقة فرنسيون وبلجيكيون من كاتانغا‮. ‬قاموا بهجمات خاطفة أخرى من ضمنها‮ ‬غارات على الطائرات والدبابات المصرية في‮ ‬مطار صنعاء الجنوبي‮ ‬وهجوم بقذائف المورتر على أماكن معسكرات المصريين والجمهوريين في‮ ‬تعز‮.‬
كما قام الملكيون بإجهاض أربع محاولات مصرية لفتح طريق مباشر إلى جبال رازح بين ديسمبر‮ ‬1964‮ ‬وفبراير‮ ‬1965‭.‬‮ ‬وقد خفت حدة هذه المحاولات المصرية تدريجياٍ‮ ‬وفقد المصريون‮ ‬1‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬ما بين قتيل وجريح وأسير‮. ‬

طرق شاقة
‮❊ ‬وكان خط المواصلات المصري‮ ‬من صنعاء إلى مارب‮ ‬يتخذ طريقاٍ‮ ‬غير مباشر حيث‮ ‬يمر بعمران ثم وادي‮ ‬الخيران حيث‮ ‬يتفرع إلى الشمال الشرقي‮ ‬إلى حرف سفيان‮. ‬ومن حرف سفيان‮ ‬يتحول جنوباٍ‮ ‬إلى فرح ثم إلى الجنوب الشرقي‮ ‬إلى وادي‮ ‬الحميدات‮ ‬المطمة‮ ‬والحزم‮. ‬ومن الحزم إلى الجنوب الشرقي‮ ‬إلى مارب وحريب‮. ‬وتمر القوافل العسكرية المصرية من هذا الطريق مرتين في‮ ‬الشهر‮. ‬لأن الملكيين أغلقوا الطريق المباشر عبر الجبال بين صنعاء ومارب‮.‬
وكان هدف الملكيين تحت قيادة الأمير محمد هو قطع هذا الخط لإجبارهم على الانسحاب‮. ‬وخططوا للتغلب على الحاميات العسكرية المنتشرة على الطريق وإنشاء مواقع لقطع الطريق على المصريين‮. ‬وقد نسقوا مع قبيلة نهم التي‮ ‬كانت تتظاهر بالتحألف مع المصريين لمساعدتهم على عبور طريق الجبال عبر وادي‮ ‬الحميدات‮. ‬ووعد الملكيون قبيلة نهم بإعطائهم الغنائم‮. ‬وقد شعر المصريون بأنه‮ ‬يوجد لهم مخطط لأنهم قاموا بإرسال طائرة استطلاع إلى المنطقة قبل الهجوم بيوم‮. ‬وقد قام الملكيون‮ ‬ينصب رشاشات عيار‮ ‬75‮ ‬مليمتر ومدافع مورتر على الجبل الأسود والجبل الأحمر المشرفين على الوادي‮.‬
وفي‮ ‬15‮ ‬أبريل‮ ‬بعد أن عبرت آخر قافلة مصرية‮ ‬قام الملكيون بهجوم مفاجئ‮.. ‬وقامت الرشاشات على الجبلين الأسود والأحمر بفتح النار‮ ‬وخرج رجال قبيلة نهم من وراء الصخور‮. ‬ثم خرجت جنود الأمير محمد‮. ‬وكانت هذه العملية الملكية منسقة باللاسلكي‮ ‬لأول مرة‮. ‬وقد استسلم بعض الجنود المصريين بلا مقاومة‮ ‬وهرب آخرون إلى الشمال‮. ‬ولكن قام الجانبان بإعادة التعبئة والتسليح وتحولت المعركة ما بين حرف سفيان والحزم‮.‬
وفي‮ ‬هذه الأثناء‮ ‬قام الأمير عبدالله بن حسين بغارة على المواقع المصرية في‮ ‬الأعروش شمال شرق صنعاء‮ ‬وهاجم الأمير محمد بن محسن المصريين بخمسمائة رجل‮ ‬غرب الحميدات‮ ‬وضرب الأمير الحسن بالقرب من صعدة وتحرك الأمير حسن بن الحسين من جماعة‮ ‬غرب صعدة‮ ‬إلى موقع‮ ‬يمكنه من ضرب المطارات المصرية بمدافع المورتر‮. ‬واستسلم خمسون مصرياٍ‮ ‬في‮ ‬المطمة بالقرب من الحميدات‮. ‬واضطر المصريون بعد ذلك إلى إمداد الحاميات في‮ ‬الطرق الجبلية التي‮ ‬كان عددها‮ ‬يتراوح بين‮ ‬3‭,‬000‮ ‬و‮ ‬5‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬مصري‮ ‬عن طريق الجو‮.‬

قمة الإسكندرية ومؤتمر الكويت
‮❊ ‬في‮ ‬سبتمبر‮ ‬1964‮ ‬تقابل عبدالناصر والملك فيصل في‮ ‬مؤتمر القمة العربية بالإسكندرية‮. ‬وكان لايزال في‮ ‬اليمن‮ ‬40‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬مصري‮ ‬فيما قْتل‮ ‬10‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬آخر‮. ‬وفي‮ ‬البيان الختامي‮ ‬للقمة تقرر المساهمة في‮ ‬حل الخلافات بين مختلف ألفصائل اليمنية.والعمل سوياٍ‮ ‬لوقف القتال المسلح في‮ ‬اليمن.والوصول إلى حل بالطرق السلمية‮.‬
وفي‮ ‬2‮ ‬نوفمبر من نفس العام عْقد مؤتمر سري‮ ‬في‮ ‬أركويت بالسودان‮. ‬وأعلن المتحاربون وقفاٍ‮ ‬لإطلاق النار‮ ‬يسري‮ ‬مفعوله الساعة الواحدة من ظهر‮ ‬يوم الإثنين‮ ‬8‮ ‬نوفمبر‮. ‬وفي‮ ‬2‮ ‬و‮ ‬3‮ ‬نوفمبر‮ ‬تناقش‮ ‬9‮ ‬مندوبون من الطرفين ومعهم ملاحظان مصري‮ ‬وسعودي‮ ‬حول شروط الاتفاق‮. ‬وتم الاتفاق على عقد مؤتمر موسع‮ ‬يحضره شيوخ القبائل في‮ ‬23‮ ‬نوفمبر‮. ‬وكان المؤتمر بالنسبة للملكيين نواة مجلس نواب سيقوم بتعيين لجنة تنفيذية مؤقتة تتكون من اثنيين من كل طرف بالإضافة إلى شخص محايد‮ ‬لحكم البلاد مؤقتاٍ‮ ‬تمهيداٍ‮ ‬لأجراء استفتاء عام لتحديد طبيعة نظام الحكم ملكي‮ ‬أم جمهوري‮. ‬وتقرر تنحية السلال والبدر من أي‮ ‬مناصب رسمية‮. ‬ولكن المصريين قاموا بقصف بعض المواقع الملكية‮ ‬يوم‮ ‬4‮ ‬نوفمبر‮ ‬فتأجل المؤتمر الموسع إلى‮ ‬يوم‮ ‬30‮ ‬نوفمبر ثم إلى أجل‮ ‬غير مسمى‮. ‬وتبادل الجمهوريون والملكيون الاتهامات لعدم الحضور‮.‬

دور الاذاعة الملكية
‮❊ ‬حاولت الإذاعة الملكية إثارة الشقاق بين الجمهوريين عن طريق وعدهم بالأمان بعد انسحاب القوات المصرية من اليمن‮. ‬وقد وعد البدر أيضاٍ‮ ‬بتشكيل‮ «‬نظام دستوري‮ ‬ديموقراطي‮» ‬محكوم‮ «‬بمجلس شعب‮ ‬ينتخبه شعب اليمن‮». ‬وقد لبى عبدالناصر طلب عبدالله السلال عندما طلب منه الدعم العسكري‮ ‬فبعث له الجنود والسلاح على طائرة شحن من القاهرة‮.‬
وبحلول شهر أغسطس‮ ‬كان لدى الجمهوريين سبعة‮ «‬جيوش‮»‬‮ ‬يتراوح عدد مقاتلي‮ ‬كل جيش ما بين‮ ‬3‭,‬000‮ ‬و‮ ‬10‭,‬000‮ ‬مقاتل‮ ‬ويصل مجموعهم ما بين‮ ‬40‭,‬000‮ ‬إلى‮ ‬70‭,‬000‮ ‬مقاتل‮. ‬وكان‮ ‬يوجد حوالي‮ ‬خمسة أو ستة أضعافهم من رجال القبائل والقوات النظامية تحت قيادة الأمير محمد‮. ‬وطبقاٍ‮ ‬للإحصاءات المصرية‮ ‬وصلت‮ ‬خسائر مصر من القتلى إلى‮ ‬15‭,‬194‮ ‬مصرياٍ‮. ‬وكانت الحرب تكلف مصر‮ ‬500‭,‬000‮ ‬دولار‮ ‬يومياٍ‮. ‬فيما قتل من جانب‮ ‬الملكيين ‮٠٠٠‬‮٠٤. ‬

مؤتمر خمر
‮❊ ‬قام رئيس الوزراء‮ ‬احمد محمد نعمان بدعوة القبائل من جميع ألفصائل إلى المصالحة الوطنية‮. ‬وقال في‮ ‬دعوته التي‮ ‬بثت على إذاعة صنعاء أنه سيقابلهم في‮ ‬خمر لتحقيق‮ «‬السلام من أجل شعب اليمن‮». ‬وقال أنه سيرأس وفد الجمهوريين في‮ ‬المؤتمر وأن السلال سيبقى في‮ ‬صنعاء لإقناع البدر بحضور المؤتمرولكن لم‮ ‬يحضر البدر أو أي‮ ‬من قادته الكبار‮ ‬بل حضر بعض من مشايخ القبائل الكبار المؤيدين للملكيين‮. ‬وعين المؤتمر خمسة شيوخ قبائل وأربعة قيادات دينية في‮ ‬لجنة مكلفة بالمساعدة على الوصول لحل سلمي‮. ‬وبارك عبدالناصر هذا المؤتمر الذي‮ ‬وعد فيه نعمان الملكيين بانسحاب القوات المصرية‮. ‬وقالت إذاعة القاهرة أن المؤتمر هو‮ «‬فجر عهد جديد‮» ‬وقال السلال أن المحادثات كانت‮ «‬ناجحة‮»‬‮ ‬ومن جانب الملكيين قال البدر‮ «‬أنه من الضروري‮ ‬إنهاء الحرب التي‮ ‬دمرت وطننا الحبيب بالمفاوضات السلمية بين اليمنيين‮».‬ولكن في‮ ‬أوائل‮ ‬يونيو عندما قال نعمان أن القوات المصرية ستغادر اليمن وسيحل محلها قوات جمهورية ملكية مشتركة‮. ‬عارض الناصريون الاتفاق‮. ‬وبعد أن سافر نعمان للقاهرة للاحتجاج لدى عبدالناصر‮ ‬قام السلال بسجن سبعة وزراء مدنيين في‮ ‬إدارة نعمان‮. ‬واستقال نعمان وكان تعليقه على الأمر أن‮ «‬من الواضح أن السلال ورفاقه‮ ‬يريدون الحرب لا السلام‮». ‬وعين السلال حكومة جديدة من‮ ‬13‮ ‬عسكريا ومدنيين‮.‬

قمة جدة
‮❊ ‬كانت رحلة عبدالناصر إلى جدة في‮ ‬22‮ ‬أغسطس عام‮ ‬1965‮ ‬على متن مركبه الحرية هي‮ ‬أول رحلة له للملكة العربية السعودية منذ عام‮ ‬1956‮ ‬عندما قام بزيارتها للحج ومقابلة الملك سعود بن عبدالعزيز‮. ‬وقد قام الملك فيصل بالترحيب به ترحيباٍ‮ ‬كبيراٍ‮. ‬وخلال‮ ‬48‮ ‬ساعة توصل الإثنان إلى اتفاق كامل على انسحاب القوات المصرية من اليمن تدريجياٍ‮ ‬خلال عشرة أشهر ووقف كل المساعدات السعودية للملكيين.وتكوين مجلس‮ ‬يمني‮ ‬من‮ ‬50‮ ‬عضواٍ‮ ‬يمثلون جميع الفصائل اليمنية ويكون مكلفاٍ‮ ‬بتكوين حكومة انتقالية تمهيداٍ‮ ‬لاستفتاء عام لتحديد مستقبل اليمن‮.‬

مؤتمر حرض
‮❊ ‬وفي‮ ‬23‮ ‬نوفمبر‮ ‬التقى الجانبان في‮ ‬حرض‮. ‬وكانت أول نقطة موضع النقاش هي‮ ‬اسم الدولة المؤقتة التي‮ ‬من المفروض أن تقوم حتى موعد الاستفتاء العام‮. ‬وأراد كل من الجانبين فرض الدولة التي‮ ‬يريد‮ ‬فالملكيون أرادوها مملكة اليمن والجمهوريون جمهورية اليمن‮. ‬وقد تم تأجيل المؤتمر إلى ما بعد رمضان الذي‮ ‬كان سيبدأ بعد أسبوع‮.‬

اعتقال الارياني‮ ‬والعمري‮ ‬ونعمان
‮❊ ‬وفي‮ ‬ذات الوقت كان هناك الكثير من الخلافات والمشاحنات بين عبدالله السلال وبين عبدالرحمن الإرياني‮ ‬وحسن العمري‮ ‬وأحمد محمد نعمان‮. ‬فقرر عبدالناصر احتجاز السلال في‮ ‬القاهرة لمدة تصل إلى عشرة أشهر أو أكثر‮. ‬ولكن عبدالناصر سمح له بالعودة في‮ ‬شهر أغسطس من عام‮ ‬1966م ووصل السلال إلى مطار صنعاء في‮ ‬13‮ ‬أغسطس‮. ‬وكان حسن العمري‮ ‬ينوي‮ ‬استقباله في‮ ‬المطار بالمدرعات ولكن اللواء‮ ‬طلعت حسن قائد القوات المصرية منعه من ذلك‮. ‬فسافر قادة الجمهوريين إلى تعز وهم مصممون على إيجاد طريقة لإبعاد السلال واقترح بعضهم الذهاب إلى بيروت وإعلان الأمر في‮ ‬مؤتمر صحفي‮ ‬ووصل التفكير ببعضهم إلى اقتراح تصعيد الأمر للأمم المتحدة‮. ‬ولكن الإرياني‮ ‬اقترح عليهم الذهاب إلى القاهرة لمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر لعرض المشكلة عليه‮. ‬ووصلوا إلى القاهرة‮ ‬يوم‮ ‬18‮ ‬سبتمبر‮. ‬وقابلوا شمس بدران بدلاٍ‮ ‬من المشير عبدالحكيم عامر‮. ‬وحدثهم شمس بدران بأنه توجد معلومات عن التخطيط لانفصال على‮ ‬غرار الانفصال السوري‮. ‬وحدثت مشادة وانصرف الجميع إلى بيوتهم أو إلى السفارة اليمنية‮. ‬ثم جاءت سيارات إلى أماكن إقامتهم لتقلهم لمقابلة عبدالحكيم عامر‮ – ‬ولكن في‮ ‬الحقيقة جاءت هذه السيارات لاعتقالهم‮. ‬وقد بقوا معتقلين في‮ ‬مصر إلى ما بعد حرب سنة‮ ‬1967م‮. ‬

الانسحاب المصري‮ ‬من اليمن
‮❊ ‬بحلول عام‮ ‬1967م‮ ‬تركزت القوات المصرية في‮ ‬مثلث الحديدة‮ ‬تعز‮ ‬وصنعاء للدفاع عنه‮. ‬بينما قامت القوات الجوية بقصف مواقع في‮ ‬جنوب السعودية وشمال اليمن‮. ‬وفي‮ ‬أغسطس‮ ‬قام عبدالناصر باستدعاء‮ ‬15‭,‬000‮ ‬جندي‮ ‬لتعويض الجنود الذين فْقدوا في‮ ‬الحرب مع إسرائيل‮.‬
وفي‮ ‬مؤتمر القمة العربية بالخرطوم الذي‮ ‬عْقد بعد الحرب‮ ‬أعلنت مصر بأنها مستعدة لسحب قواتها من اليمن‮. ‬واقترح وزير الخارجية المصري‮ ‬محمود رياض إعادة إحياء اتفاق جدة‮ ‬1965م وقبل الملك فيصل الاقتراح‮ ‬ووعد البدر بإرسال قواته للقتال مع مصر ضد إسرائيل‮. ‬ووقع عبدالناصر والملك فيصل اتفاقية تنص على سحب القوات المصرية من اليمن ووقف المساعدات السعودية للملكيين وإرسال مراقبين من ثلاث دول عربية محايدة هي‮ ‬العراق‮ ‬السودان‮ ‬والمغرب‮. ‬ورفض السلال الاتفاق واتهم عبدالناصر بخيانته‮. ‬وقامت مصر بإعادة ممتلكات سعودية بقيمة‮ ‬100‮ ‬مليون دولار كانت قد جمدتها سابقاٍ‮ ‬وتراجعت السعودية عن تأميم ثلاثة مصارف مملوكة لمصريين

انحسار شعبية السلال
‮❊ ‬كانت شعبية السلال بين جنوده في‮ ‬انحسار‮ ‬فبعد أن تعرض لمحاولة اغتيال بواسطة اثنين من جنوده‮ ‬اتخذ حراسٍا مصريين‮. ‬كما أمر بالقبض على مدير الأمن العام عبدالقادر الخطري‮ ‬ووزير الداخلية الأهنومي‮ ‬بعد أن قامت الشرطة بإطلاق النار على محتجين تظاهروا أمام مقر القيادة المصرية‮ ‬يوم‮ ‬3‮ ‬أكتوبر عام‮ ‬1967م لرفضهم حضور اللجنة العربية المكلفة بتحقيق السلام في‮ ‬اليمن التي‮ ‬رفض السلال الاعتراف بها‮. ‬كما قام بحل الحكومة وقام بتعيين واحدة جديدة‮ ‬يتولى ثلاثة عسكريون الوزارات المهمة فيها‮. ‬وتولى بنفسه منصبي‮ ‬وزير الدفاع والخارجية‮. ‬وفي‮ ‬مصر قام عبدالناصر بإطلاق سراح ثلاثة قادة جمهوريين احتجزهم لأكثر من سنة لأنهم كانوا‮ ‬يريدون التفاوض مع الملكيين وهم القاضي‮ ‬عبدالرحمن الإرياني‮ ‬أحمد محمد نعمان‮ ‬وحسن العمري‮. ‬وعندما قام السلال بزيارة القاهرة أوائل نوفمبر‮ ‬نصحه عبدالناصر بالاستقالة والذهاب إلى المنفى‮. ‬ورفض السلال نصيحة عبدالناصر وذهب إلى بغداد طالبٍا الدعم من البعثيين‮. ‬وبعد أن‮ ‬غادر القاهرة أرسل عبدالناصر إلى قواته تعليمات بعدم الوقوف أمام محاولة انقلاب كانت تجري‮ ‬ضد السلال‮. ‬وهي‮ ‬المحاولة التي‮ ‬كللت بالنجاح في‮ ‬5‮ ‬نوفمبر‮.‬

حصار السبعين
‮❊ ‬مثل انسحاب القوات المصرية من اليمن بعد حرب سنة‮ ‬1967م نقطة ضعف كبيرة في‮ ‬دفاعات وتماسك الجمهوريين‮. ‬فقد أخذ المصريون معهم أسلحتهم الثقيلة‮. ‬وانعكس اتجاه الجسر الجوي‮ ‬عائداٍ‮ ‬إلى القاهرة بدلاٍ‮ ‬من أن‮ ‬يمد صنعاء بالمؤن والسلاح‮. ‬كما أن حركة‮ ‬5‮ ‬نوفمبر والانقلاب على السلال أثناء زيارته لبغداد أضعفت من موقف الجمهوريين وأثارت شكوك الدول الداعمة للجمهوريين في‮ ‬قدرتهم على الصمود‮. ‬وقد تشكلت بعد الإطاحة بالسلال حكومة كان بعض أفرادها خارج اليمن أو خرجوا منها بعد تعيينهم‮.‬
وعلى الجانب الآخر‮ ‬كان الملكيون متفوقين عسكرياٍ‮ ‬من حيث العدة والعدد ويصاحبهم العديد من المرتزقة الأجانب‮. ‬فقرروا محاصرة العاصمة صنعاء لحسم الموقف والقضاء على الجمهورية‮. ‬ولكن الجمهوريين استعادوا تماسكهم وعينوا ألفريق حسن العمري‮ ‬رئيساٍ‮ ‬للحكومة كما حافظ على موقعه كقائد للجيش‮. ‬وقد دام الحصار سبعين‮ ‬يوماٍ‮ ‬شهد معارك عديدة داخل المدينة وعلى أطرافها‮. ‬وقد أحدث الطيران العسكري‮ ‬والمدني‮ ‬الجمهوري‮ ‬فارقاٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬في‮ ‬المعركة‮. ‬وقد ساندت الصين ومصر الجمهوريين عسكرياٍ‮ ‬واقتصادياٍ‮ ‬وبعثت سوريا بطيارين لقيادة الطائرات اليمنية المقاتلة التي‮ ‬كانت مكونة بالأساس من طائرات ميج‮-‬17‭.‬‮ ‬وأفادت بعض التقارير الغربية أن الاتحاد السوفيتي‮ ‬بعث بطيارين حربيين لمساندة الجمهوريين‮.‬
وقد أدى انتصار الجمهوريين في‮ ‬معركة الحصار إلى نتائج عديدة منها اعتراف المملكة العربية السعودية في‮ ‬ما بعد بالجمهورية اليمنية‮. ‬واكتمال انسحاب القوات المصرية من اليمن عام‮ ‬1971م وصاحب الانتصار أيضاٍ‮ ‬خروج بريطانيا من الجنوب في‮ ٠٣ ‬نوفمبر عام‮ ‬1967م‮.‬

قد يعجبك ايضا