–
كونوا (أول جمعية للأمر بالمعروف) فانتفض الأب وهددهم الابن بالدم فردوا بتشكيل (حزب الأحرار)
عدم استيعابه لطموحهم الوطني أوصلهم لقناعة بضرورة الخلاص منه
> تفاصيل مثيرة عن خلايا (التجار الأحرار) وأدوار عبدالغني مطهر وبيت هائل
> إبان حصار صنعاء أعلن نداء التطوع .. فهب ٠٢ ألفا من عدن والضالع وردفان وحضرموت
> كبار فناني عدن تبرعوا بحفلات لصالح صنعاء والعمال والطلاب وقود المقاومة الشعبية
❊ .. صحيح أن هزائم الإمام يحيى حميد الدين عام 1934م وعجزه عن حماية الوطن من النهش والامتهان مثل عامل استفزاز قوي للمتنورين.. إلا أن تحركهم إلى فعل المواجهة وبذاك الشكل الواعي لمتطلبات هذا التحرك دلل على وجود اشتغال مكتوم ظل ملازما لنفسيات هؤلاء المتنورين من اليمنيين منذ ما قبل ذلك.
في ذلك الحين تشكلت لحظة الانفجار الأولى على الذات رفضا للقبول والاستكانة دون القيام بأي دور.. وليصير الفعل بعدها إلى صيغة مختلفة هزت أركان النظام الإمامي.. حين ظهرت أول محاولة للاشتغال على العمل المعارض المنظم ضد الإمام وبدء خطوات مسار الحركة الوطنية النضالية ضد ديكتاتوريته وإقصائه للآخرين.
جمع الهم الوطني أعدادا من الأحرار.. فساروا بهدفهم خطوات طويلة من النضال اتسمت بالكثير من التحولات.. رافعين في البداية شعار الإصلاح.
حينها كانت عوامل النهوض بالمجتمع عند درجة الصفر.. مستوىٍ بائس للنظام التعليمي ومواقف متزمتة من الأفكار العصرية ومن المطالب الإصلاحية المتواضعة واتهام أصحابها بالكفر والعمالة وممارسة الإرهاب ضدهم جعلهم يقفون معه على طرفي نقيض حسب الدكتور أحمد قايد الصائدي في كتابه (حركة المعارضة اليمنية في عهد الإمام يحيى بن محمد حميد الدين) والذي يضيف أن الظروف المحيطة بهم التي جعلتهم يعيشون – بأفكارهم وطموحاتهم – في غربة وتناقض مع القيم السائدة وعدم قدرتهم على تصحيح تلك القيم بما ينسجم مع أفكارهم بسبب وقوف النظام القائم إلى جانبها مما جعلهم يرون في ذلك النظام – المتمثل في شخص الإمام يحيى وأولاده -العقبة الرئيسية التي لو زالت لانفتحت الطريق أمام عملية الإصلاح ولتمكنوا من تحقيق ذواتهم مشاهد الظلم التي يرونها أثناء حياتهم اليومية والتي يلحقها النظام بالمواطنين البؤساء كما أن «إحساسهم بركاكة النظام أمام الأعداء الخارجيين وعجزه عن حماية التراب الوطني على رغم ما يبديه من قوة وعنف في إسكات معارضيه في الداخل».. وكلها أسباب ولدت حالة من التذمر لدى المتنورين ضد الإمام.
يقول عبدالوهاب محسن صالح جلبوب وهو أكاديمي أنجز في العام 2008م بحثا حول حركة المعارضة اليمنية في عهد الإمام أحمد 1948-1962م: «بدأت نزعات المعارضة ضد الحكم الإمامي تأخذ طابعاٍ علنيٍا نسبيٍا في بداية الثلاثينيات حيث كانت هزائم الإمام يحيىى سنة 1934م سببٍا مباشرٍا لبروز المعارضة فتعالت أصوات القوى المستنيرة في المجتمع منتقدة ومستنكرة ما حدث وتحول الانتقام والاستنكار إلى حركة معارضة».
} } } }
عمد مجموعة المتنورين الأحرار إلى ممارسة النقد أملا في أن وصوله إلى الإمام يمكن أن يدفعه إلى تغيير أسلوبه في الحكم.. ووجدوا في خلق التكوينات الحاضنة لهم والمنظم لنشاطهم المتنفس الموضوعي بالتزامن مع إيجاد وسائل إعلامية ينشرون من خلالها آراءهم النقدية.. ويذكر الدكتور صادق عبده علي في كتابه (الحركات السياسية والاجتماعية في اليمن) إن المعارضة لحكم يحيى حميد الدين بدأت عن طرق تأسيس «جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بالحجرية في نادي الثقافة عام 1934م» «وفي عام 1936م تشكلت «الجمعية الأدبية» بصنعاء ثم تشكلت في التربة الجنوبية جماعة «أنصار الأدب».
كان هدف رواد هذه الجماعات تطوير الأدب في البداية إلا انهم ما لبثوا أن بدأوا في الكتابات السياسية فانتقدوا السلطة المطلقة للإمام ونظام الضرائب.. قبل ذلك بعام كانت قد ظهرت في تعز «جمعية المشايخ متزامنة مع «هيئة النضال» التي أسسها أحمد المطاع في صنعاء…» حسب الدكتور علي مطهر العثربي.. ويعتبر عبدالوهاب محسن صالح جلبوب. هيئة النضال أول الجمعيات ظهورا في صنعاء سنة 1935م.
وعلى الرغم من أن تلك المرحلة من الحركة الوطنية اقتصرت على المطالبة بالإصلاح ثم التحول إلى التوعية والتنوير في أوساط الوطنيين إلا أن ذلك لم يحل دون قيام الإمام يحيى بممارسة رغبته في إسكات أي صوت يتضمن رأياٍ معارضاٍ أو ناقد لحضرة الإمام.. لتشن سلطته ضدهم حملة تشويه تضمنت اتهامهم بمحاربتهم للدين وسعيهم لاختصار القران.. قبل أن ينتقل مستوى استهدافهم الى الملاحقة والاعتقالات.. ففي عام 1936م «تم اعتقال طلائع الأدباء الأحرار بعد أن شكلت أول جمعية سرية تنادي بالإصلاح في اليمن فروعها ذبحان تعز إب صنعاء وكان في مقدمة المعتقلين في صنعاء الشهيد أحمد بن أحمد المطاع وفي ذبحان أحمد محمد نعمان الذي سجن في تعز».. كما اغتيل الشهيد أحمد عبدالوهاب الوريث مسموماٍ عام 1939م على يد أحد أبناء الإمام يحيى.
المرحلة بطابعها العنيف هذا الذي فرضه الإمام يحيى على الوطنيين الأحرار شهدت نزوحا لبعض العناصر المتنورة إلى عدن حيث قاموا هناك بتكوين (نوادُ شعبية).. يذكر الكاتب والمناضل سعيد أحمد الجناحي إن الهدف منها كان «لتسهيل استقبال الواصلين لإيوائهم».. كما أنها شكلت «مراكز نشاط اجتماعي وثقافي» كان يتم فيها اللقاء والنقاش وتناقل «الأخبار والأحداث في شمال اليمن وما يقوم به نظام الإمام».. وفي مثل هذه الأندية وتحديدا في «نادي الاتحاد الاغبري» و»نادي الاتحاد الذبحاني» في التواهي كان المناضلان أحمد محمد النعمان ومحمد محمود الزبيري يلتقيان العديد من الشباب فيلقيان عليهم محاضرات تهدف إلى «التوعية وإثارة الحماس الوطني».
نزوح الأحرار هربا بفكرهم الإصلاحي المستنير من بطش الإمام يحيى حميد الدين ضدهم لم يمنع الإمام يحيى من ملاحقتهم والاتصال بسلطات الاحتلال البريطاني في عدن وإغرائها من اجل «الضغط على قوى المعارضة وقد استجاب الإنجليز لذلك».. غير أن ذلك لم يثن قوى المعارضة من الاستمرار في كشف عيوب النظام الإمامي البدائي وفضح ممارساته..ليصلوا في العام 1943م إلى مواجهة تهديد الإمام أحمد وكان حينها ولياٍ للعهد «بأنه سيسفك دماءهم ما داموا يحملون الأفكار «العصرية»».. ليكون ذلك بمثابة الإنذار للأحرار الذين تحركوا بشكل أسرع منه مشكلين (حزب الأحرار اليمنيين).
حركة المعارضة
يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور أحمـد القصـير: «تبنى رجال حركة المعارضة أهدافا إصلاحية في إطار نظام الإمامة. وظلوا ما بين 1944م ومنتصف 1947م يدعون إلى إلغاء المظالم وإلى إصلاحات دستورية بل وتم تسميتهم بالإصلاحيين الدستوريين. وكان نشاطهم يتركز أساسا في مطالبة الإمام يحى وولي عهده الأمير أحمد بالإصلاح وإقامة الشورى والتخفيف من المظالم والضرائب».
يعتبر تكوين حزب الأحرار خطوة هامة في مسار الحركة الوطنية ونضال الأحرار ضد نظام الحكم الإمامي.. ورغم عمره القصير إلا انه نجح في إحداث انقلاب في الفكر الوطني المنحاز إلى التحرر والإصلاح.
نشأة الحزب الذي عرف أيضا بـ (حركة الأحرار) والإعلان عنه تم (حسب الجناحي) في منزل الحاج محمد سلام حاجب في عدن عام 1944م.. رأس الحزب أحمد محمد نعمان وتولى الشاعر محمد محمود الزبيري المدير العام للحزب أي الأمين العام.. ومع هذا الحزب تواصلت «المطالبة بالإصلاح في إطار نظام الإمامة المتوكلية» حيث تأسس على جملة من المبادئ الإصلاحية كانوا اتفقوا عليها في صيف 1942م حسب ما يرد في كتاب (الحركات السياسية والاجتماعية في اليمن) منها: تشكيل ميزانية للدولة تشكيل جيش قوي وتحديد الصفة الرسمية للجنود زيادة رواتب الجنود الحصول على الضرائب الحكومية دون إتباع القوة الحفاظ على نقاوة الشريعة تصفية الفساد.
وقد ساعدت وسائل الإعلام في عدن على نشر برنامج الحزب.. ومن خلالها أيضا أعلن الأحرار أهداف الحزب التي من أبرزها حسب الدكتور علي مطهر العثربي: إنقاذ الأمة من المجاعة المهلكة والسماح للأمة ببث شكواها والجدال عن نفسها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعفاء الأمة من الضرائب مدة فقرها إزالة الجفاء بين العسكر والرعية.
ويذكر سعيد الجناحي صاحب كتاب (الحركة الوطنية اليمنية من الثورة إلى الوحدة) ان أول نشاط مارسته قيادة حزب الأحرار كتابة رسالة إلى الإمام يحيى في التاسع عشر من يونيو 1944م تضمنت أحد عشر مطلبا لمعالجة الأوضاع والمظالم التي يعاني منها الشعب.
ولم تسر الأمور للأحرار كما أرادوا إذ سرعان ما تم تجميد نشاط الحزب في ابريل 1945م من قبل السلطات البريطانية بعد تدخل من الإمام يحيى.. ليعودوا مرة أخرى إلى مشهد العمل التنظيمي في 4 يناير 1946م تحت اسم (الجمعية اليمنية الكبرى) التي نادوا من خلالها أيضا إلى إجراء «الإصلاحات في سياسات الإمامة وإدخال نظام من الشورى» وقد انتخب القاضي محمد الزبيري رئيسا للجمعية والأستاذ أحمد النعمان أمينا عاما.. فيما أصدروا جريدة (صوت اليمن) كوسيلة إعلامية للجمعية وعبرها واصلوا عملية النقد لسياسات الإمام ومطالبتهم له بالإصلاح والتغيير.
ويذكر المناضل والمؤرخ للحركة الوطنية اليمنية سعيد أحمد الجناحي انه «عقب الإعلان عن تأسيس الجمعية أصدرت بيانا إلى الشعب اليمني والعالم حددت فيه الأهداف الوطنية ورؤية الأحرار الجديدة لمجمل الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية منطلقين من النقاط التالية: الحرية المطلقة في حدود الشريعة الإسلامية النظام لجميع الدوائر الحكومية العدالة الاجتماعية بين الطبقات الأمن والسلام في المال والسلاح».
هكذا بدا مشهد البداية في مكوناته الحزبية والمدنية ويورد الدكتور أحمد قايد الصائدي في كتابه (حركة المعارضة اليمنية في عهد الإمام يحيى بن محمد حميد الدين) أنه «عندما اشتد الصراع بين الإمام والمعارضة بين عامي 44و1948م كانت المعارضة تتمثل بأفراد لا منظمة لهم وبمنظمات ثلاث: «هيئة النضال» في صنعاء و»جمعية الإصلاح» في إب و»حزب الأحرار» في عدن وكان الهدف الذي يجمع المعارضين جميعا هو القضاء على حكم الإمام يحيى وأسرته».
} } } }
وبعد أن ثبت للأحرار أن مسار الخطاب السياسي ومحاولات لفت انتباه الإمام يحيى إلى أن هناك امة تْطحن يوما بعد يوم بسبب سياسته ومقابلة ذلك من قبله بالكثير من التضييق والاعتقالات والتهديد بالويل والثبور.. لم يجد الأحرار بداٍ من إحداث تحول في سياستهم لتحقيق التغيير.. ليصلوا إلى قناعة أنه من اجل بلوغ طموحهم الوطني الذي لم يكن بمقدور نظام الإمام القائم استيعابه لابد من التخلص منه أي من الإمام يحيى.. وبالفعل وجد الأحرار في الانشقاقات والخلافات التي كانت قد بدأت بالظهور حينها بين أركان الأسرة الحاكمة سبيلا إلى هدفهم.. فكان عبدالله بن أحمد الوزير الطامح للإمامة ضالتهم.. وأجرى ابن الوزير والأحرار اتفاقاٍ قضى بأن يعين كل فريق الآخر للوصول إلى هدفه أو غايته حيث وافق الوزير على مطالبهم مقابل عونهم له.. ليصل تنفيذ الاتفاق منتهاه بتفجير ثورة 1948م التي نتجت عن مقتل الإمام يحيى حميدالدين «إلا أنها لم تنجح في الإطاحة بنظامه».
وبعيدا عن الخوض في أسباب فشل ثورة 48م التي أحالتها الروح الانتقامية لدى الإمام الوارث أحمد إلى دماء حيث اعدم العديد من المناضلين الأحرار فان الشكل الذي صارت إليه الأحداث بعد ذلك أثرت سلبا في نفسيات من تبقى من الثوار.. فكان عليهم الانتظار عامين قبل أن يستعيدوا نشاطهم الحزبي والتنظيمي ويتجدد طموحهم الوطني ولكن هذه المرة بصيغة جديدة قائمة على القناعة بأن نظام الحكم الإمامي لن يكون بمقدوره يوما أن يستوعب أن الإنصاف والعدل يقتضيان أن يعيش المجتمع وفق الناموس الطبيعي من التطور والتحديث والتقدم بعزة وكرامة وحرية.
وفي عدن الباسلة مرة أخرى حاول الأحرار عام 1950م استعادة زخمهم وتجديد نشاطهم تحت اسم (الرابطة اليمنية) إلا إن سلطات الاحتلال البريطاني هناك رفضت تمكينهم من ذلك لتعود وتوافق لهم بعد ذلك على طلب تأسيس ناد اجتماعي وثقافي حمل اسم نادي (الاتحاد اليمني).
ومن هنا فإن ركود ما بعد 48م بالنسبة للحركة الوطنية تغير إلى تحركات أخرى عقب إنشاء «الاتحاد اليمني» وتحديدا عام 1955م حيث تكررت في ذلك العام محاولات الأحرار للخلاص من النظام الإمامي بقيادة الشهيد أحمد الثلايا لكنها أيضا لم تنته إلى تحقيق الطموح.
وعقب حركة 55م خلص نشاط الأحرار المعارض إلى تشكيل (التجمعات الوطنية لليمنيين) في كل من الحبشة وبريطانيا التي عملت على تحشيد المهاجرين إلى فكرة الجمهورية والخلاص من نظام الإمامة.
وقد ذكر محمد محمد اليازلي في كتابه «من الثورة البكر إلى الثورة الأم» بأن تنامي الحراك السياسي وتزايد وتيرة النضال الوطني في مدينة «تعز» أدى لأن تشهد تشكيل تنظيم «أكثر سرية وأكثر حذراٍ وأقوى بعداٍ نظرياٍ وفكرياٍ ومواكباٍ لتطور العصر ومقتضيات المهام النضالية الماثلة أمام الحركة الوطنية اليمنية» هو «الجمعية الثورية الوطنية الديمقراطية» في أوائل عام 1957م.. بقوام (15) عضواٍ من مختلف القطاعات المدنية والعسكرية ومشائخ القبائل وكبار التجار.. ويشير اليازلي وهو أول رئيس تحرير لصحيفة «الثورة» في مدينة تعز إلى أن من ابرز أنشطة هذا التنظيم السري أي «الجمعية الثورية»: إعداد خطة تفصيلية مدروسة لمهاجمة قصر الإمام بمدينة تعز وتم توزيع المهام على كل العناصر الثورية التي ستقوم بعملية الهجوم خطة لمهاجمة الإمام في مطار تعز بقيادة المناضل المرحوم أمين أبو رأس.. ولكن لم يكتب النجاح حيث إن الإمام لم يصل إلى «تعز» بل توجه من الحديدة إلى السخنة حسب اليازلي.
وبعدها بعام عادت الأحزاب السياسية إلى الظهور مرة أخرى عبر المكونات السياسية التي أتيح لها حيز من الظهور في الجنوب المحتل من خلال توجيه تفاعلها مع هدف الاستقلال الوطني من النظام الإمامي والحكم الاستعماري إلى تحرك عملي يعكس واحدية النضال والهاجس الوحدوي لدى مكونات المجتمع شمالا وجنوبا.. فبدأ فرع (الاتحاد الشعبي الديمقراطي) ذو الاتجاه الماركسي بالتشكل في الشمال عام 1958م وهو الذي تأسست خلاياه الأولى في عدن عام 1953م.. ليعزز هذا التحرك من ثابتية الإيمان بأن بوابة الاستقلال من الحكم الاستعماري في الجنوب يبدأ من استقلال الشمال من النظام الإمامي وهو أمر أكدت عليه مختلف التنظيمات والقوى السياسية في مناطق الاستعمار البريطاني حيث يْذكر أن برنامج (الاتحاد الشعبي الديمقراطي) قد أكد على الوحدة اليمنية من خلال: الدفاع عن استقلال الشمال اليمني في مواجهة الاستعمار والامبريالية وخاصة الأمريكية لأن الحفاظ على استقلال الشمال هو ضرورة من اجل استمرارية ونجاح النضال الشعبي في الجنوب والعمل على قيام حكم ديمقراطي شعبي في الشمال اليمني ويمر ذلك عبر ضغوط تمارسها القوى الوطنية على الحكومة في الشمال من اجل اقامة حكم دستوري ديمقراطي والعمل على منع وقوع الشمال فريسة الاستعمار الأمريكي من خلال شركاته الاحتكارية.. حسب إلهام محمد مانع في دراستها بشأن الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن.
التيار القومي
❊ وتأسيسا على قناعة الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تواجدت في اليمن وخاصة جنوبا كامتداد لأحزاب موجودة في دول عربية أخرى بأن القضية الوطنية هي قضية واحدة في الشمال أو الجنوب.. كان من الطبيعي أن يأخذ التحرك المصادق على هذه القناعة بعدا آخر يتجاوز الخطابات السياسية والأفكار الأيدلوجية.. ظهر ذلك بدايةٍ في فترة الخمسينات من القرن الماضي إذ شهدت تلك الفترة وما تلاها حراكا ساهم في بلوغ طموح الإنعتاق ذروته وصولا إلى الثورة ثم حمايتها من الهجمات الارتدادية التي قام بها فلول النظام الإمامي.. وأيضا حمايتها من أهواء الطامحين إلى المكاسب كأثمان لدور لهم في سياق النضال الوطني.. وفي هذا السياق تشير الوثائق إلى انه عشية إسقاط الإمامة وإعلان الجمهورية كانت القوى السياسية الحديثة المتواجدة تتمثل في الاتحاد الديمقراطي الشعبي وحزب البعث و»حركة القوميين العرب»..
فعقب الظهور في منطقة النظام الإمامي لهذه الكيانات الحزبية سنرى كيف أنها أسهمت وبشكل كبير في القيام بالثورة كما في حمايتها أثناء حصار السبعين.
وتأسست «حركة القوميين العرب» ذات الارتباط بالنهج الناصري في اليمن مع بداية عام 1959م على يد خلية من الطلبة اليمنيين الدارسين في القاهرة هم: فيصل عبداللطيف الشعبي سلطان أحمد عمر يحيىى عبدالرحمن الإرياني عبدالكريم الإرياني عبدالملك إسماعيل عبدالحافظ قائد.. وتذكر أوراق ندوة الثورة اليمنية في جزئها الخامس وهي التي نظمتها دائرة التوجيه المعنوي بأنه (تم اختيار عدن وتعز مدينتين للبدء وكلف فيصل عبداللطيف بالتفرغ لتأسيس النواة الأولى في عدن كما كلف يحيىى عبدالرحمن الإرياني بالتفرغ لتأسيس النواة الأولى في تعز وكلف سلطان أحمد عمر بمساعدتهما).. واستنادا إلى نفس المرجع فقد صاغت حركة القوميين العرب برنامجاٍ سياسياٍ (قام على أساس إسقاط الحكم الإمامي في الشمال ومن ثم اتخاذ الشمال قاعدة لخوض حرب شعبية مسلحة لتحرير جنوب الوطن اليمني.) وهو ما ضمنه أيضا قحطان محمد الشعبي في كتابه «الاستعمار البريطاني ومعركتنا في جنوب اليمن» حيث اشترط تغيير الأوضاع أولاٍ في شمال اليمن لتغييرها جنوبا.. وكما تذكر المراجع فإن دور أعضاء الحركة في الإطار المدني – العمال والطلاب في اللحظات التي سبقت لحظة التحرك في اتجاه الثورة تمثل بالدعم المباشر لدور العسكريين من خلال التبشير بقيام الثورة عبر المكبرات اذ كان من المهم (إشعار الجماهير بقيام الثورة وتحريضهم بتأييدها وفي نفس الوقت توعية الجماهير بمساوئ النظام الإمامي من جهة والتبشير بمستقبل أفضل في ظل النظام الوطني الجمهوري).
} } } }
حزب البعث
❊ الحال ينسحب أيضا على «حزب البعث العربي الاشتراكي» الذي بدأ انتشاره في اليمن كفكر.. فيما بدأ نشاطه التنظيمي على يد «الطلبة اليمنيين الذين يدرسون في الخارج وخاصة في سوريا والعراق ومصر فيما بين عام 1957و1959م وامتد تأثيره إلى الساحة اليمنية».
حزب «البعث» هو أيضا كان قد رفع شعار إسقاط النظام الإمامي في شمال الوطن اليمني وإقامة نظام جمهوري وتحرير جنوب الوطن من السيطرة الاستعمارية البريطانية وتحقيق الوحدة اليمنية».. ويذكر الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته بأنه في فترة حكم القاضي الارياني التي شهدت البلاد أوضاعا غير مستقرة لم يكن هناك تكتلات حزبية معلنه وان الحزب الوحيد الذي كان له كوادر من الجيش والمثقفين هو حزب «البعث» الذي كان له أدوار مشرفة في بداية الثورة وفي حصار السبعين حسب المناضل الراحل الشيخ الأحمر.
وقد مثل حزب «البعث العربي الاشتراكي» و»حركة القوميين العرب» التيار القومي المنطلق من القضية الوطنية.
والى ذلك يذكر سعيد أحمد الجناحي في كتابه التوثيقي (الحركة الوطنية اليمنية من الثورة إلى الوحدة) أن الحركة الناصرية التصقت «بثورة السادس والعشرين من سبتمبر من خلال الدعم العسكري والمالي والفني وتواجد مئات الخبراء والمدرسين من أبناء مصر».. وحسب الجناحي فإن إيجاد تنظيم ناصري جرى على يد بعض الشباب.. وكان الدكتور محمد قائد اغبري عيسى محمد سيف من مؤسسي ذلك التنظيم لتظهر بعد ذلك العديد من الأسماء أمثال: عبدالسلام مقبل ومحمد العفيفي وعبدالله عبدالعالم وسالم السقاف.
لأن الهدف كبير
❊ في هذا الوقت بل ومنذ بداية الإعداد للثورة وتوزيع الأدوار إلى حين اندحار الحصار عن صنعاء كان للفئات المجتمعية من تجار وطلاب وعمال الدور الكبير والمؤثر في القيام بالثورة وحمايتها والدفاع عن المتغير المتمثل بالنظام الجمهوري أكان في أطرهم الفئوية أو من خلال انخراطهم مع باقي الفئات الموجودة.
ففئة رجال الأعمال التجار وهي من الفئات التي بدأت نشاطها الثوري مبكرا كانت كغيرها من فئات المجتمع تعاني من ظلم الأسلوب التقليدي الذي اتبعه النظام الإمامي في تسيير يوميات الوطن.. فكان التجار كما يذكر الدكتور صادق عبده علي «غير راضين به بسبب احتكاره للتجارة وضيق السوق الداخلية».. وتضمن كتاب (حركة المعارضة اليمنية) نقلا عن جريدة الصداقة المصرية الصادرة في 28/10/1946م انه: لما أراد التجار أن يقوموا باستيراد بعض المواد … وجدوا أن بعض الموظفين والأمراء قد نزلوا الميدان واستولوا على زمام التجارة وقسموا اليمن بينهم مناطق ويحتكرون فيها تجارتهم ويضايقون صغار التجار الذين لم يستطيعوا الثبات أمام هؤلاء التجار الجدد المؤيدين بالسلطان والصولجان …. أما التجار فقد قاموا بشبه مظاهرة وتوجهوا إلى قصر الجلالة الإمام وطلبوا من جلالته أن يجعلهم في عداد الموظفين ليعولوا أهاليهم وذويهم بعد أن كفت أيديهم وتعطلت أعمالهم وباتوا لا يجدون سبيلا إلى العيش.
ويقول الحاج علي محمد سعيد عضو أول مجلس قيادة للثورة وأول وزير صحة في أول حكومة للثورة عن دور «الجمعية الثورية الوطنية» التي تشكلت في تعز عام 1958م: منذ أن شْكلت الخلية الرئيسية في تعز وضع الأحرار نصب أعينهم تحطيم القيود والأغلال التي ظل الشعب اليمني يعاني منها طويلاٍ.. فقد عملوا ليل نهار بعزم وثبات وكل منهم يعمل في نطاق ما كلف بها من مهام فمنهم من قام بإعداد المنشورات الثورية ومنهم من يتلقاها من داخل البلاد وخارجها ومنهم من يتولى التوزيع ومنهم من يجري الاتصالات مع الأحرار في صنعاء والحديدة وعدن وجميع أنحاء البلاد بشكل سري وكان للبعض دور هام في إقامة علاقات مع أعوان وأسرة الإمام المقربين ليتعرفوا على خطط ونوايا الإمام وعلى الرغم من كل الأخطاء المحيطة بهم فقد مضوا في سبيل تحقيق هدفهم الذي وضعوه لتحرير البلاد. ولقد تشكلت عناصرها من فئات عدة من قطاعات المجتمع الأمر الذي أعطى دافعاٍ قوياٍ لجميع تلك القطاعات من مشائخ ورجال أمن وقوات مسلحة وتجار وعلماء وموظفين ومدنيين وحرس ملكي ليقفوا صفاٍ واحداٍ في وجه الإمامة ويستقوا فيما بينهم حتى يوم انطلاق شرارة الثورة المباركة.
وفي مرحلة الإعداد للثورة يذكر الحاج علي محمد سعيد وهو أحد رجال الأعمال المناضلين انه: في عام 1961م تم تشكيل تنظيم ثوري سري خاص وتم تشكيل فرع في تعز ضم العديد من الضباط وقد جرت التنسيقات على أن شرارة الثورة الأولى سوف تنطلق من تعز باعتبارها المقر الرئيسي الذي يقيم فيه الإمام وأفراد أسرته وأعوانه المقربون.. وقال: كْلفت أنا والأخ عبدالغني مطهر ليلة قيام الثورة بالتوجه إلى المطار ومداخل المدينة بصالة وقمنا بإجراء الترتيبات اللازمة لتشديد الحراسة وتوزيع الأدوار على الأحرار وتوزيع السلاح على الشباب الواعي المتحمس.
كما أن دور تجار محافظة تعز لم يكن محصورا في تقديم المال ولكن أيضا المساهمة في وضع الخطط والإشراف عليها وتنفيذها حسب الحاج علي محمد سعيد الذي يؤكد على انه «لولا تلاحم جميع أبناء شعبنا اليمني بجميع فئاته لما نجحت الثورة ولما استمرت فالجميع كانوا في خندق واحد».
برز عبد الغني مطهر
❊ وحسب سعيد الجناحي: وجد التجار المتنورون فيما بينهم وبين الشخصيات الوطنية في تعز علاقات.. اتسعت همومها إلى أهمية التغيير والتخلص من نظام إمامي فردي يفتقد إلى الأنظمة والقوانين وقواعد الحكم وتبلورت تلك العلاقة بتشكيل محور التجار الأحرار بقيادة المناضل عبدالغني مطهر وعلي محمد سعيد وأحمد ناجي العديني وعبدالقوي حاميم ومحمد قائد سيف وغيره.. واضاف: شارك محور التجار الأحرار في تعز في التمهيد للثورة وقيامها وعلى وجه الخصوص أنشطتهم.. كما ذْكر أيضا أن المناضل العقيد حسن العمري برز دوره: من خلال علاقته بمحور التجار الأحرار في تعز بزعامة عبدالغني مطهر خاصة خلال عام ( 1961- 1962م) فقد شكل همزة وصل مع القاضي عبدالسلام صبرة ولأنه موضع ثقة كان عبدالغني مطهر يسرب إليه أسلحة.. ومبالغ مالية بهدف تسيير حركة النضال.. وتتضمن إحدى أوراق ندوة الثورة اليمنية أن القيادة المصرية أوعزت إلى سفارتها في صنعاء بدعوة شخصية ذات إطلاع تام بالأوضاع تكون على بينة من حقيقة ما يدور في الساحة اليمنية لزيارة القاهرة وكان اختيار عبدالغني مطهر لهذه المهمة باعتباره الشخصية التي لها اتصالات واسعة مع الأطراف الوطنية ومركزه التجاري لا يثير حوله أية شبهة.. وان عبدالغني مطهر قد أكد هذه الواقعة في كتابه (يوم ولد اليمن مجده) صدر عام 1990م بقوله (في ابريل 1962م وصل إلى تعز الملازم علي عبدالمغني قادما من صنعاء حيث اخبرني أن جماعته الأحرار يريدون حضوري إلى صنعاء للتفاهم معهم حول ما اتخذوه من قرار باختياري للسفر إلى القاهرة تلبية لطلب القيادة المصرية بإرسال شخص يكون على ثقة من جميع التنظيمات الوطنية ليتم التفاهم معه حول دور القاهرة في مساندة التنظيمات الثورية في اليمن وحدد موعد لقاء في صنعاء ) .
ويروي عبدالغني مطهر انه وصل إلى صنعاء ووجد الملازم علي عبدالمغني في انتظاره واصطحبه إلى السفارة المصرية حيث قابلا القائم بالأعمال محمد عبدالواحد وتم خلال ذلك اللقاء الإطلاع على ما ترغب القيادة في مصر معرفته جراء ما تصل إليها من تقارير ومعلومات مختلفة ومتناقضة كي تكون رؤية واضحة تهتدي بها لاتخاذ موقف واضح.. بعد ذلك اللقاء يواصل عبدالغني مطهر حديثه حول لقاء آخر عقد في منطقة (بوعان) اصطحبه إليه العقيد محمد عبدالواسع نعمان حضره عدد من رموز الحركة الوطنية الزعيم عبدالله السلال العقيد حسن العمري القاضي عبدالسلام صبرة الشيخ محمد علي عثمان العقيد عبدالله الضبي.. تم في ذلك اللقاء تناول الأبعاد الحقيقية للموقف داخل البلاد من جميع النواحي وما يمكن أن تقوم به الشقيقة مصر لمعاونة أحرار اليمن في الإعداد للثورة ويقول عبدالغني مطهر: (وبعد الانتهاء من الاجتماع انفردت بالزعيم عبدالله السلال لاستوضح منه مدى استعداده لقيادة الثورة .. وكان رده لي: لن أتردد مهما كانت النتائج).
أما تشكل هذا البروز لدور عبدالغني مطهر فبدأ منذ كان في المهجر وقد شهدت الخمسينيات وخاصة السنوات التي سبقت قيام الثورة بقليل تحرك نشط له لدعم الأحرار والدفع في اتجاه قيام الثورة السبتمبرية.. وبحسب وثائق ندوة الثورة اليمنية فقد عاد من الحبشة نهاية الخمسينيات وانه «قد اختبر للعمل الوطني في المهجر مع عدد من المهاجرين التجار أمثال: أحمد عبده ناشر وناشر عبدالرحمن وعبدالقوي الخرباش وجازم الحروي وغيرهم من الذين تعرف عليهم وعلى نشاطهم من خلال تبرعاتهم لحركة الأحرار وخاصة حين شكلوا صندوقاٍ لدعم الأحرار وتولى عبدالغني مطهر نائب أمين الصندوق.. وبعد أن كون ثروة نقل أعماله إلى تعز عام 1958م».. وتذكر أوراق الندوة انه كانت لعبدالغني «اتصالاته بالوطنيين والتفاهم معهم لإقامة تنظيم وطني سموه (خلايا لإسقاط النظام الإمامي) وكان علي محمد سعيد من الذين تجاوبوا معه مثل عبدالغني مطهر الواجهة واتسم دور علي محمد سعيد بالجندي المجهول بالسرية الشديدة».
وتواصل إسهام التجار ورجال الأعمال من أبناء اليمن التواقة للحرية والاستقلال.. فمع قيام الثورة وإطلاق إعلان الدفاع عنها من قبل المتطوعين بذل رجال الأعمال تبرعاتهم من اجل توفير إمكانيات نقل المتطوعين وكان الحاج هائل سعيد انعم في مقدمتهم.
المقاومة الشعبية فئات أكثر
❊ قامت الثورة لكنها ومنذ الأيام الأولى لقيامها واجهت التآمر والعداء وهنا انطلق نداء حماية الثورة السبتمبرية من قبل قيادة الثورة.. فتداعى الناس تكوينات ومنظمات وفئات مختلفة من شمال الوطن وجنوبه للمساهمة والتطوع لتشكيل حرس وطني من اجل الدفاع عن الثورة وحماية النظام الجمهوري الوليد.. فكان الالتفاف كبيرا وكان الشعار (الجمهورية أو الموت) في صورة سيتبين لاحقا كيف عكست تلك الرغبة الجامحة والعزيمة والإصرار على تحقيق التغيير وانتشال واقع اليمن من براثن التخلف الإمامي الاستبداد الاستعماري والتوق إلى الاستقلال بالقرار الوطني في ظل يمن واحد.
ويقول الاستاذ المناضل سعيد أحمد الجناحي انه «ما ان أعلن نداء الثورة الداعي للتطوع دفاعاٍ عن الثورة الوليدة حتى تدفقت من عدن في الأسبوع الأول أفواج من المتطوعين بلغ عددهم خمسة آلاف ثم ارتفع هذا العدد إلى عشرين ألفاٍ حيث كانت قيادة الثورة قد فتحت معسكرات في تعز لتدريب المتطوعين وأطلقت عليهم اسم الحرس الوطني. كما لبى النداء آلاف من المقاتلين من أبناء ريف الجنوب وخاصة من أبناء ردفان والضالع ومن جميع أنحاء الوطن اليمني».. «وأعلنت إذاعة صنعاء بدء تدريب المتطوعين الذين تدفقوا إلى تعز حيث فتح معسكر لتدريب الحرس الوطني وكان يتم تدريب المتطوعين بشكل سريع وتشكل منهم فرق تتحرك إلى صنعاء ومنها إلى مناطق شمال الشمال حيث تمردت بعض القبائل».
ويذكر المناضل أحمد مهدي منتصر في شهادته عن مسار الثورة والحفاظ عليها انه منذ اليوم الأول لنداء الدفاع عن الثورة: هب الشباب بل والشيوخ إلى مكاتب التطوع للحرس الوطني وكلهم كوادر إدارية ومثقفون وعمال بل وتجار. وكان يشرف على ذلك حزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي بحماس بالغ من خلال قادته الذين عاشوا حالة طوارئ طيلة فترات التسجيل وكان على رأسهم ذكراٍ وليس حصراٍ الأستاذ/ عبدالله عبدالمجيد الأصنج. الأستاذ / محمد علي الأسودي لاحقاٍ وزير شؤون الجنوب اليمني. الأستاذ/ محمد سالم باسندوة الأستاذ محمد أحمد شعلان.. ويضيف: خلال فترة إمداد جبهات القتال ضد فلول الملكية بالرجال قتل الآلاف من المتطوعين بسبب قصر فترة التدريب وعدم تعود المتطوعين على حمل السلاح الرديء والمسمى الشيكي والشوميزر وهو من بقايا الحرب العالمية الثانية واصفا تلبية قبائل الجنوب من المحميات الغربية وحضرموت بأنها كانت «تلقائية ودون واسطة اللهم إلا إذاعة صوت العرب وإذاعة صنعاء».. وقال: «قدمت إلى صنعاء جموع غفيرة من القبائل وكان لأبناء ردفان والحواشب والصبيحة ويافع والضالع وآل مفضل والعواذل ودثينة والعوالق وبيحان دور كبير في رفد الثورة والدفاع عنها. وكم كان رائعاٍ دور أبناء الأطراف الذين كانوا يقدمون المؤن والوجبات الغذائية والإيواء والإرشاد لهؤلاء المتطوعين».. هذه الجموع كان يتم توزيعها على مجموعات.. ويشير إلى انه «كان الاتفاق على بقاء كل مجموعة أربعة أشهر تحل محلها مجموعة أخرى لتشارك المجموعات العائدة بعد تأدية الواجب في الدفاع عن الثورة في الكفاح المسلح الذي بدأ يشتعل في 14 أكتوبر 63م في ردفان».
كما تذكر المراجع انه في 24 مارس 1963م عقد في صنعاء لقاء حضره أكثر من ألف شخص ضم عدداٍ من ممثلي حركة القوميين العرب وحزب الشعب الاشتراكي والجنود والضباط الأحرار من الذين تركوا الخدمة العسكرية في الجنوب والمقاتلين من القبائل والعمال والموظفين الذين تركوا مناطقهم في الجنوب ونزحو إلى الشمال مستجيبين لنداء حماية الثورة السبتمبرية.
السبعين.. المحاولة البائسة
❊ كما ان الالتفاف حول الثورة زاد مع حدث الحصار والذي عرف بحرب السبعين يوما الذي انقض فيه أعداء الثورة بكل قواهم في محاولة لاسترجاع الحكم المدحور ودام ذلك من بداية ديسمبر 67 وحتى 8 فبراير 68م.
وانسحبت القوات المصرية الداعمة لثورة سبتمبر والنظام الجمهوري إثر نكسة يونيو/ حزيران1967م.. الوطن دخل مفترقا من التناقضات والمواقف المتعارضة.. وفلول للنظام الملكي بدأت ترى في الظروف المهيأة فرصة لاستعادة الحكم.
زحف أعداء الثورة على صنعاء وسط دعم الأنظمة الملكية في المنطقة.. وأحكمت خناقها على صنعاء.. ولحظتها كان الخوف يسيطر من فقدان التحول الذي تحقق مع قيام الثورة السبتمبرية.. يقول المناضل الحاج علي محمد سعيد «يعتبر حصار صنعاء من ابرز المنعطفات الخطيرة التي واجهت مسيرة الثورة إلا أن التفاف الشعب حول الجمهورية استطاع أن ينتصر ويثبت دعائم الثورة والجمهورية».. ويقول «تطورات الأحداث إثر نكسة يونيو/ حزيران1967م وانسحاب القوات المصرية من اليمن جعل الحالمين بعودة الإمامة يقدمون بأمل خادع على التخطيط الماكر فحشدوا جموع البغي والعدوان وأجمعوا أمرهم بينهم وراهنوا وفق حساباتهم الخاسرة أنهم بما سيضربونه من حصار على العاصمة صنعاء سيسقطون النظام الجمهوري ومكروا مكراٍ ومكرنا مكراٍ والله خير الماكرين»..
التجار في الحصار
❊ أما عن دوره المباشر في الدفاع عن الثورة وفك الحصار فيقول «مع بدايات الحشد الآثم لحصار صنعاء كنت حينها في مهمة في القاهرة ولم يكن بوسعي وغيري من الوطنيين التأخر لحظة واحدة وكان علي أن استقل أول طائرة والتي ما إن حطت في مطار الحديدة حتى سارعتْ للانضمام إلى جموع المدافعين عن الثورة والتقيت فور وصولي بالقاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري الذي انتقل بحكومته إلى الحديدة ليشكل خلفية دفاعية وجسراٍ تموينياٍ لقيادة المقاومة الباسلة في صنعاء».. ويضيف: وكنتْ قد وضعت نفسي وما أملك في خدمة الدفاع عن الثورة وطلبت منه تحديد الدور الذي اضطلع به في سياق العمل الوطني المنظم فطلب مني القيام بدور التمويل بالمواد الغذائية لدعم المجهود الحربي وحشد همم التجار والتواصل معهم في عموم محافظات الجمهورية فأسرعت للاتصال بالتجار وطلبتْ من العم هائل سعيد أنعم في عدن أن يرسل على وجه السرعة أقصى ما يستطيع شحنه من المواد الغذائية والتواصل مع التجار ورجال الأعمال هناك لبذل ما يمكن تقديمه للمجهود الحربي.
وقد استجاب الجميع وهبِوا لتقديم ما لديهم من الإمكانيات إيماناٍ منهم أن ما يسهمون به إنما هو دفاع عن أنفسهم وعن كرامتهم وعن وطن الثورة والجمهورية ومستقبل الأجيال وأخذت شحنات المواد الغذائية تصل تباعاٍ عبر البر إلى تعز وعبر البحر إلى الحديدة وقد أشرفتْ مع فريق العمل من التجار ورجال الأعمال والمقاومة الشعبية في الحديدة على شحن المواد التموينية إلى صنعاء جواٍ.. ويشير الحاج علي محمد سعيد الى ما كان يقوم به حينها عبدالغني مطهر من تعبئة وحشد وتفويج للمتطوعين في الحرس الوطني « ونقلهم بالطيران المدني من تعز إلى مطار الجراف بصنعاء ليقفوا إلى جانب القوات الشعبية والمسلحة دفاعاٍ عن العاصمة ودحراٍ للحصار».
الحاج عبدالواحد محمد نعمان أحد رجال الأعمال المناضلين الذين أسهموا بإمكانياتهم في دعم المقاومة الشعبية ضد الحصار يقول في مذكراته: وقال الحاج عبدالواحد محمد نعمان: أْبلغت بتكليفي ضمن اللجنة الفرعية للتواهي والمعلا بقرار من اللجنة العليا لدعم المقاومة الشعبية وعندما بدأنا الاتصال بالتجار وجدنا تفاعلا كبيرا وواسعاٍ من قبلهم فلم يبخلوا في تقديم التبرعات المالية السخية والمساعدات العينية. وكان تأكيد كل الذين قمنا بالاتصال بهم واستلام تبرعاتهم إن ما يقدمونه من مال ومساعدات هو أقل ما يمكن أن يساهموا فيه دعماٍ لثورة 26 سبتمبر وأهدافها ودعماٍ للمقاومة الشعبية الباسلة التي تواجه المؤامرة الخارجية لإجهاض الثورة وأماني الشعب في الحرية.
وأضاف الحاج نعمان: كان هناك كثير من التجار هم الذين يتصلون بنا قبل أن نتصل بهم لغرض أن يقدموا تبرعاتهم ومساعداتهم.
دعم المناطق الجنوبية
❊ ويذكر هشام محسن السقاف في مساهمته في «ندوة الثورة اليمنية (الانطلاق.. التطور.. آفاق المستقبل): الدور الذي قام به مقاتلو التنظيم الشعبي وجبهة التحرير لفك الحصار عن صنعاء بدأ فور نزوحهم إلى شمال الوطن بعد انكسارهم في الحرب الأهلية الثانية في عدن مع الجبهة القومية التي تسلمت السلطة ابتداء من الثلاثين من نوفمبر 1967م وقد سقط العشرات منهم شهداء وهم يحاولون خرق الحصار المفروض على صنعاء من قبل الملكيين.
من جهته يقول المناضل الوطني سعيد عبدالوارث الابي: «لقد حرصنا داخل الجبهة القومية على تحقيق الهدف المنشود وهو وحدة الوطن اليمني وكانت إحدى أبرز الصور التي تجسد هذا الهدف ما كان صبيحة الاستقلال للجنوب مباشرة عندما كانت صنعاء محاصرة حيت تم اتخاذ قرار بتشكيل لجنة عليا لجمع التبرعات والعتاد للمقاومة الشعبية التي كانت تناضل من أجل فك الحصار عن صنعاء حيت كلفت بترؤس هذه اللجان وعملنا مع مختلف قطاعات الشعب لتحقيق ذلك».
وفي ندوة عن حصار صنعاء نظمها مركز الدراسات والبحوث اليمني قال الأديب المناضل الأستاذ عمر الجاوي في هذا الشأن: «كان بعض الأخوان الذين طردوا من عدن باعتبارهم تنظيماٍ شعبياٍ أو جبهة تحرير كانوا يتمركزون في تعز أو في المناطق الغربية من عدن عندما جاء الحصار دخل هؤلاء ضمن من دخلوا كفريق لوحدهم بقيادة هاشم عمر وكان معهم النعمان ـ محمد عبده نعمان ـ ودخلوا مرتين في الحملة التي أرادت أن تشق طريق تعز إلى «نقيل يسلح» وتحتل النقيل وباعتبارها جبهة تحرير وتنظيم شعبي وليس باعتبارها جزءاٍ من المقاومة الشعبية أو جزءاٍ من الجيش أو غيره وللأسف قتل منهم (45) وجرح أغلبهم وفي المرة الثانية (50) وجرح أغلبهم ونقلوا إلى مستشفى إب».
إلى ذلك تكونت أيضا في عدن عدد من اللجنة الهادفة إلى تسهيل انتقال المتطوعين وتقديم الدعم بأي أوجه كانت..فتشكلت لجنة عليا لدعم المقاومة الشعبية في الشمال برئاسة المناضل سعيد عبدالوارث الأبي وينوبه المناضل عبدالرزاق شائف وكان ضمن اللجنة العليا أيضا المناضل حسن أحمد باعوم.. وقامت اللجنة العليا بتشكيل لجان فرعية في محافظات الجمهورية.. وقد وزعت وحددت المهام للجان الفرعية حسب التالي: جمع التبرعات النقدية والعينية لصالح المقاومة عقد المؤتمرات الشعبية لشجب التدخل الامبريالي – الرجعي في شؤون الجمهورية العربية اليمنية -سابقا- التأكيد على المنطلقات الرئيسية للمصير المشترك لقضية الثورة اليمنية شمالاِ وجنوباِ.
دعم الفنانين
❊ ويصف الجناحي مرحلة الدفاع عن الثورة والجمهورية بأنها «أصعب مراحل النضال وخاصة أثناء حصار العاصمة صنعاء والتي تميزت بقيام تحالف جبهوي ضم كل القوى الوطنية من المثقفين والضباط والجنود والعمال والنساء والحرفيين والمشائخ والطلبة والتجار سواء أولئك المنضوين في أطر حزبية أو مستقلة».
دعم الفئات الشعبي في المناطق الجنوبية للمقاومة الشعبية تجسد بكثير من المظاهر إضافة لما تم ذكره تم تنظيم عدد من الحفلات لكبار الفنانين وكان ريعها لصالح المقاومة أقيمت الحفلات الفنية في الشيخ عثمان دار سعد كريتر ميدان الحبيشي بعدن التواهي شارك فيها الفنانون: أحمد بن أحمد قاسم أبوبكر سالم بالفقيه فرسان خليفة محمد مرشد ناجي وعددَ كبير من الفنانين.
ويذكر الدبلوماسي الصيني (شي يان تشون) في حينها أن القوى الملكية ظلت تعد عدتها لتزحف إلى صنعاء في محاولة للإطاحة بالنظام الجمهوري وإعادة الحكم الملكي وجمعت أكثر من أربعين ألف من المسلحين والمرتزقة احتلت مناطق كبيرة وقطعت طريق الحديدة – صنعاء ثم تقدمت إلى صنعاء وحاصرت صنعاء من الغرب والجنوب الشرقي والجنوب الغربي ابتداء من يوم 28 نوفمبر عام 1967م وبدأت القوى المعارضة الهجوم على صنعاء. رأينا القنابل تتساقط يوميا في المدينة وسمعنا أزيز الرصاص حينا بعد آخر. وأصبحت صنعاء في خطر وأصبح الحكم الجمهوري في خطر.
إلا أن الشعب اليمني حسب (شي يان تشون) «صمد الشعب بكل فئاته من العمال والفلاحين والموظفين والمثقفين والطلبة والتجار الذين كونوا المقاومة الشعبية ووقفوا جميعا من المدنيين أو العسكريين وقفة الأبطال وأظهروا روحا معنوية كفاحية عالية».
ويذكر المناضل الراحل الدكتور عبدالله حسين بركات في شهادة للثورة اليمنية 26سبتمر أن مهمة القوات الجمهورية كانت في المرحلة الأولى هي الدفاع فقط والحفاظ علي المواقع التي هم بها.. وبعد فترة تمكن المدافعون من اختراق الحصار ومهاجمة أكثر من موقع للحصول على السلاح والأسرى وقطع طرق إمداد المهاجمين والعودة إلى المواقع السابقة نفسها أما في المرحلة الثالثة فكان هدف الجمهوريين هو الهجوم على مواقع الملكيين والسيطرة عليها وحرمان الجانب الملكي من استمرار احتلال المواقع المرتفعة التي تسيطر على الطرق وتكون مواقع مناسبة لحمايتها وحماية العاصمة صنعاء.
وقد مثلت «ملحمة السبعين» كما يرى الدكتور بركات اقوي برهان على الالتفاف والتأييد الشعبي لثورة 26سبتمبر وتثبيت النظام الجمهوري.. وليمثل يوم الانتصار على الفلول الإمامية يوما فاصلا «استحق أن يسمى يوم انتصار الجمهوريين على فلول الملكيين والمرتزقة» و»الفضل يعود للشعب بكل فئاته ومن مختلف مناطق الجمهورية».
} } } }
المقاومة الشعبية ودور العمال
❊ ومع هذا التحرك الذي أبداه الملكيون بحصار صنعاء تأكد لكل الثوار أن الثورة اليمنية التي انتفضت على النظام الإمامي في الـ26 من سبتمبر 62م وعلى النظام الاستعماري في الـ 14 أكتوبر 63م لا تزال في وضع الخطر.. ما يفرض مقاومة كل المحاولات لاستعادة الماضي ودحره إلى الأبد.. ومن هنا جاء ذاك الالتفاف حول الثورة والثوار ليعكس إدراك الجميع بأن الوضع يتطلب الوقوف بحسم للحفاظ على المكسب الجمهوري.. الالتفاف عكسه ذلك الحضور الشعبي الكبير في مشهد الدفاع ومقاومة الحصار.. حد أن جرى تنظيم الجموع بصورة نظامية.. ويْذكر أن الحديث حول تشكيل مقاومة شعبية بدا قبيل الحصار استشعارا بأن خروج الجيش المصري الداعم للثورة من المشهد اليمني سيولد رغبة لدى بقايا النظام الإمامي في العودة واستعادة الحكم.. وكان ذلك يجري حسب الوثائق «من خلال اللقاءات التي كانت تعقدها بعض تنظيمات وتيارات القوى الوطنية التي تدافع عن الثورة والنظام الجمهوري وكانت هذه التنظيمات على الأغلب تعمل عن طريق العمل السياسي السري «البعث حركة القوميين العرب والمستقلين وبعض التيارات اليسارية الأخرى».. بينما يذكر سعيد الجناحي في هذا السياق انه في ديسمبر 67 تبلور مفهوم قيام المقاومة الشعبية و»تم اجتماع موسع في مبنى مجلس الشورى وتم الاتفاق على تشكيل المقاومة الشعبية وتم تشكيل أول قيادة للمقاومة الشعبية بالانتخاب» وفي اليوم التالي جرى انتخاب قيادة عسكرية للمقاومة من تسعة أعضاء.. بلغ عدد أعضاء المقاومة الشعبية في صنعاء حسب الجناحي (12) ألف عضو منهم جميع عمال وعاملات وموظفي مصنع الغزل والنسيج.
وتشكلت المقاومة الشعبية «في العاصمة وبعض المناطق والمدن الأخرى من جموع المزارعين والعمال والطلاب والتجار والموظفين والمثقفين والمشايخ».. ولم تأت أواخر ديسمبر 67م إلا وقد تشكلت فصائل المقاومة الشعبية في تعز والحديدة وإب ورداع والمحويت ودمت وحجة وجبن وعمران والبيضاء ويريم حسب سعيد أحمد الجناحي.
يقول العميد محمد محمد قائد حاتم في شهادته حول الروح المعنوية أثناء الحصار: جاءت بداية حرب السبعين يوماٍ التي فرضت الحصار الكامل على العاصمة صنعاء من مداخلها الرئيسية بإغلاق خط طريق الحديدة – صنعاء وخط طريق تعز – صنعاء وخط طريق صعدة – صنعاء في محاولة لعزل العاصمة عن بقية محافظات ومناطق الجمهورية تمهيداٍ لضرب البنية الأساسية وإسقاط النظام الجمهوري الذي راهنوا عليه بعد خروج القوات المصرية من اليمن.
ومع الحصار لصنعاء وضعت استراتيجية موحدة للقيادة السياسية والعسكرية والمقاومة الشعبية.. «ركزت هذه الإستراتيجية على وضع تصورات تقود قوى الثورة نحو الصمود والدفاع عن الثورة ويضمن العمل على تحقيق وحدة القوى الوطنية والتقدمية والجمهورية والاعتماد على الذات وتحقيق ذاتية الثورة اليمنية ومشاركة الجماهير في الدفاع عن الثورة تشكيل المقاومة الشعبية في صنعاء وفي مختلف المدن اليمنية».
دور الطلاب
❊ مما سبق سبق يتبين كيف كان للطلاب من دور فاعل وهام جدا ومؤثر في مسار الحركة الوطنية فمنهم تشكلت التكوينات السياسية والنضالية ومن تطلعاتهم تكون الحافز لتحقيق التغيير في الواقع اليمني.. الدكتور صادق عبده علي: لعب الشباب من الطلاب والمثقفين دورا فعالا ومباشرا في القضية الوطنية اليمنية حيث كان الطلاب وهم نواة التنظيمات السياسية في مستهل الستينات قد نظموا المظاهرات الحاشدة عند كل نداء وطني فقد تظاهر طلاب تعز احتجاجا على أساليب العنف التي تعرض لها عبدالله اللقية عام61م.. وحسب الشاعر الراحل عبدالله البردوني في كتابه (اليمن الجمهوري) اصطخبت المدن اليمنية في مايو62 بأعنف مظاهرة ثورية قاد طلائعها الطلاب والخريجون محليا وخارجيا.. وفي النصف الأول من خمسينيات القرن العشرين «نشأة الحركة الطلابية اليمنية وتنظيماتها في مصر ومطالبتها بإقامة «يمن ديمقراطي موحد» بعد التخلص من الاستبداد في الشمال والاستعمار في الجنوب».
مراحل المعارضة في مسار النضال
❊ هكذا بدت المكونات السياسية والمدنية وعلى النحو الذي تضمنته وثائق الثورة جرى النضال.. وتذهب المعطيات الوطنية في حركة نضال الأحرار ضد الحكم الإمامي إلى مذاهب تحولية جديدة تشير في جوهرها لحيوية تجدد الأمل مع ما تعرضت له الحركة الوطنية من نكسات خلال الفترة السابقة.. وقد كشفت تلك التحولات عن نسق مرحلي التقطه البعض ورصدوه بأكثر من وجهة.. كانت دائما تنتهي جميعها إلى مصب واحد هو ذلك النضال البطولي الذي جابه به الأحرار سيف الجلاد.
الدكتور أحمد قايد الصائدي يحدد ما مرت به المعارضة بأربع مراحل رئيسة: الاولى مرحلة المعارضة الدينية والقبيلة والأسرية المعزولة عن بعضها والمحدودة ……… الثانية: مرحلة المعارضة الوطنية التنويرية التي تبلورت في الثلاثينات ممهدة لظهور المعارضة كحركة شبه منظمة ومترابطة إلى حد كبير الثالثة: مرحلة المعارضة السياسية العلنية الشبه منظمة التي بدأت عام 1944م بتأسيس حزب الأحرار اليمنيين متخذة من مستعمرة عدن قاعدة لنشاطها اما الرابعة فعدها مرحلة الانقلاب التي بدأت باغتيال الإمام يحيى حميد الدين في 17 فبراير 1948م وانتهت بفشل الانقلاب وسقوط صنعاء بيد القبائل الموالية للامام أحمد في 12 مارس من نفس العام.
بينما حددها عبدالوهاب محسن جلبوب في رصده لحركة المعارضة اليمنية في عهد الإمام أحمد هذه المراحل في: مرحلة المعارضة التنويرية التي بدأت في منتصف الثلاثينيات والتي مهدت لقيام حركة شبه منظمة مرحلة المعارضة السياسية المنظمة التي بدأت بتأسيس حزب الأحرار وإصدار جريدة صوت اليمن في عدن برئاسة الزبيري مرحلة ثورة 1948م التي أدت إلى اغتيال الإمام يحيى وانتهت بفشل الثورة وسقوط صنعاء بيد الإمام أحمد والقبائل الموالية له مرحلة نشاط المعارضة بعد ثورة 1948م رغم ما أصاب المعارضة من قتل وسجن وتشريد وتمثل ذلك في تأسيس الاتحاد اليمني في القاهرة وعدن مرحلة استفادة الأحرار من الخلاف بين أفراد الأسرة الحاكمة مما أدى إلى اندلاع حركة 1955م مرحلة غياب التنسيق السياسي والعسكري وتفكك الجبهة الداخلية لعناصر المعارضة ومحاولة إعادة ترتيب صفوفها بعد الضربات الموجعة أثناء حركة 1955م مرحلة نشاط المعارضة بعد تأسيس تنظيم الضباط الأحرار الذي استطاعت به المعارضة أن تسقط الحكم الإمامي وتعلن قيام النظام الجمهوري.
استفزتهم سياساته.. فتداعوا للثورة
الإمامة في مواجهة مكونات النضال قراءة في نشأة المعارضة
كونوا (أول جمعية للأمر بالمعروف) فانتفض الأب وهددهم الابن بالدم فردوا بتشكيل (حزب الأحرار)
عدم استيعابه لطموحهم الوطني أوصلهم لقناعة بضرورة الخلاص منه
> تفاصيل مثيرة عن خلايا (التجار الأحرار) وأدوار عبدالغني مطهر وبيت هائل
> إبان حصار صنعاء أعلن نداء التطوع .. فهب ٠٢ ألفا من عدن والضالع وردفان وحضرموت
> كبار فناني عدن تبرعوا بحفلات لصالح صنعاء والعمال والطلاب وقود المقاومة الشعبية
❊ .. صحيح أن هزائم الإمام يحيى حميد الدين عام 1934م وعجزه عن حماية الوطن من النهش والامتهان مثل عامل استفزاز قوي للمتنورين.. إلا أن تحركهم إلى فعل المواجهة وبذاك الشكل الواعي لمتطلبات هذا التحرك دلل على وجود اشتغال مكتوم ظل ملازما لنفسيات هؤلاء المتنورين من اليمنيين منذ ما قبل ذلك.
في ذلك الحين تشكلت لحظة الانفجار الأولى على الذات رفضا للقبول والاستكانة دون القيام بأي دور.. وليصير الفعل بعدها إلى صيغة مختلفة هزت أركان النظام الإمامي.. حين ظهرت أول محاولة للاشتغال على العمل المعارض المنظم ضد الإمام وبدء خطوات مسار الحركة الوطنية النضالية ضد ديكتاتوريته وإقصائه للآخرين.
جمع الهم الوطني أعدادا من الأحرار.. فساروا بهدفهم خطوات طويلة من النضال اتسمت بالكثير من التحولات.. رافعين في البداية شعار الإصلاح.
حينها كانت عوامل النهوض بالمجتمع عند درجة الصفر.. مستوىٍ بائس للنظام التعليمي ومواقف متزمتة من الأفكار العصرية ومن المطالب الإصلاحية المتواضعة واتهام أصحابها بالكفر والعمالة وممارسة الإرهاب ضدهم جعلهم يقفون معه على طرفي نقيض حسب الدكتور أحمد قايد الصائدي في كتابه (حركة المعارضة اليمنية في عهد الإمام يحيى بن محمد حميد الدين) والذي يضيف أن الظروف المحيطة بهم التي جعلتهم يعيشون – بأفكارهم وطموحاتهم – في غربة وتناقض مع القيم السائدة وعدم قدرتهم على تصحيح تلك القيم بما ينسجم مع أفكارهم بسبب وقوف النظام القائم إلى جانبها مما جعلهم يرون في ذلك النظام – المتمثل في شخص الإمام يحيى وأولاده -العقبة الرئيسية التي لو زالت لانفتحت الطريق أمام عملية الإصلاح ولتمكنوا من تحقيق ذواتهم مشاهد الظلم التي يرونها أثناء حياتهم اليومية والتي يلحقها النظام بالمواطنين البؤساء كما أن «إحساسهم بركاكة النظام أمام الأعداء الخارجيين وعجزه عن حماية التراب الوطني على رغم ما يبديه من قوة وعنف في إسكات معارضيه في الداخل».. وكلها أسباب ولدت حالة من التذمر لدى المتنورين ضد الإمام.
يقول عبدالوهاب محسن صالح جلبوب وهو أكاديمي أنجز في العام 2008م بحثا حول حركة المعارضة اليمنية في عهد الإمام أحمد 1948-1962م: «بدأت نزعات المعارضة ضد الحكم الإمامي تأخذ طابعاٍ علنيٍا نسبيٍا في بداية الثلاثينيات حيث كانت هزائم الإمام يحيىى سنة 1934م سببٍا مباشرٍا لبروز المعارضة فتعالت أصوات القوى المستنيرة في المجتمع منتقدة ومستنكرة ما حدث وتحول الانتقام والاستنكار إلى حركة معارضة».
} } } }
عمد مجموعة المتنورين الأحرار إلى ممارسة النقد أملا في أن وصوله إلى الإمام يمكن أن يدفعه إلى تغيير أسلوبه في الحكم.. ووجدوا في خلق التكوينات الحاضنة لهم والمنظم لنشاطهم المتنفس الموضوعي بالتزامن مع إيجاد وسائل إعلامية ينشرون من خلالها آراءهم النقدية.. ويذكر الدكتور صادق عبده علي في كتابه (الحركات السياسية والاجتماعية في اليمن) إن المعارضة لحكم يحيى حميد الدين بدأت عن طرق تأسيس «جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بالحجرية في نادي الثقافة عام 1934م» «وفي عام 1936م تشكلت «الجمعية الأدبية» بصنعاء ثم تشكلت في التربة الجنوبية جماعة «أنصار الأدب».
كان هدف رواد هذه الجماعات تطوير الأدب في البداية إلا انهم ما لبثوا أن بدأوا في الكتابات السياسية فانتقدوا السلطة المطلقة للإمام ونظام الضرائب.. قبل ذلك بعام كانت قد ظهرت في تعز «جمعية المشايخ متزامنة مع «هيئة النضال» التي أسسها أحمد المطاع في صنعاء…» حسب الدكتور علي مطهر العثربي.. ويعتبر عبدالوهاب محسن صالح جلبوب. هيئة النضال أول الجمعيات ظهورا في صنعاء سنة 1935م.
وعلى الرغم من أن تلك المرحلة من الحركة الوطنية اقتصرت على المطالبة بالإصلاح ثم التحول إلى التوعية والتنوير في أوساط الوطنيين إلا أن ذلك لم يحل دون قيام الإمام يحيى بممارسة رغبته في إسكات أي صوت يتضمن رأياٍ معارضاٍ أو ناقد لحضرة الإمام.. ‬