لابد من دعم اليمن اقتصاديا وبصورة مستعجلة إذا كانت هناك نوايا صادقة من المانحين


حوار/عبدالله الخولاني –
العجز المتنامي للموازنة العامة سيكون له نتائج كارثية ..وتأثير سلبي لعلاقة الحكومة بشركاء التنمية
التزاوج غير الشرعي بين متخذي القرار الحكومي ورجال المال أدى الى احتكار معظم الأنشطة الاقتصادية ونفي كثير من المستثمرين
هناك اختلال حقيقي في الهياكل الأساسية للاقتصاد الوطني.. والخطط الإنمائية فشلت في إحداث تحسن حقيقي ومقبول اقتصاديا

المؤشرات الاقتصادية والمالية التي ذكرها الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة المالية المساعد لقطاع التخطيط والاحصاء والمتابعة من وجهة نظر شخصية احمد حجر تشير إلى أن الاقتصاد اليمني يحتاج إلى استراتيجية قصيرة وطويلة الأجل تكون مدعومة بإرادة سياسية وتمويلات مالية من قبل المانحين اذا كانت هناك نوايا صادقة لإخراج اليمن من عنق الزجاجة.
وطبقا لحجر من المتوقع أن يؤدي استمرار العجز إلى تنامي الأعباء التي تتحملها الموازنة وهذا ما يؤثر على حجم الموارد المتاحة للتنمية وبالأخص مشاريع الخدمات الأساسية وبالتالي ضعف الخدمات الأساسية التي يحصل عليها وهذا ما يؤثر مباشرة في مؤشرات التنمية البشرية لليمنوتنامي حجم المديونية الداخلية ليصل إلى مستويات تتجاوز الحدود الآمنة مما يؤدي إلى إضعاف استدامة المالية العامة وبالتالي تدني درجة الثقة في الوضع المالي للحكومة مما يؤثر سلباٍ على علاقة الحكومة بشركاء التنمية المحليين والدوليين.
المزيد من التفاصيل في سطور الحوار التالي:
بداية كيف تقيمون الأداء الاقتصادي والمالي للاقتصاد الوطني خلال الفترة الماضية ¿
في الجانب الاقتصادي تظهر المؤشرات الاقتصادية أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تراجع خلال عام 2011م بنسبة تتراوح مابين (15%-20%) وهذا يترتب عليه تراجع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي المتاح بما نسبته (20%) مما قد يدفع نسبة الفقر للارتفاع من (43%) عام 2010م إلى مابين (60%- 65%) عام 2011م كما تظهر البيانات الفعلية أن معدل التضخم عام 2011م قد يتجاوز (20%) مدفوعاٍ بمعدلات أكبر للتضخم على السلع الغذائية والأساسية مما يجعل الأثر الحقيقي للتضخم على الفئات الفقيرة ومنخفضة الدخل أكبر من الفئات متوسطة ومرتفعة الدخول وارتفاع معدل البطالة الصريحة من حوالي (19%) عام 2010م إلى ما يقارب (36%-40%) بسبب فقد ما يقارب المليوني شخص لأعمالهم خلال الأزمة وايضا تراجع الاستثمار الإجمالي عام 2011م بما نسبته (30%- 35%) مما ساهم في تراجع معدل النمو الاقتصادي وبالتالي ارتفاع معدل البطالة والفقر بالإضافة الى تراجع حجم الاحتياطيات الخارجية عام 2011م بما نسبته (18.5%) في ظل تدهور سعر الصرف للريال في السوق الموازي بما يقارب (5%- 6%) مما ساهم في رفع معدلات التضخم وارتفاع عجز ميزان المدفوعات إلى ما يقارب (5%) من الناتج المحلي الإجمالي فقد انخفضت- الايرادات وبالنسبة للجــانب المــالــي غير النفطية عام 2011م بنحو 32.9% و انخفاض السحب من القروض والمساعدات الخارجية بنحو40% يقابلها زيادة في النفقات الجارية بنحو (6.8%) نتيجة الزيادة الكبيرة في نفقات مدفوعات الدين المحلي وبنسبة (47%) بسبب تجاوز حجم الدين العام المحلي الحدود الآمنة وهي (60%) من الإيرادات الذاتية المؤكدة ليصل إلى (131%) منها نهاية عام 2011م.
أستمرار العجز
ماهي توقعاتكم لمؤشرات الموازنة العامة للدولة خلال السنوات الثلاث القادمة¿
تظهر البيانات أن عجز الموازنة العامة الصافي سوف يرتفع عام 2012م إلى نحو (670) مليار ريال بما نسبته (8.8%) من الناتج المحلي الإجمالي الاسمى بزيادة عن عام 2011م تصل إلى (136%) ويرجع السبب في ذلك إلى التراجع في عائدات النفط نتيجة انخفاض السعر المتوقع للبرميل من (111)دولار عام 2011م إلى (75%) دولار عام 2012م هذا إلى جانب الزيادة في النفقات العامة وبالأخص الجارية الناجمة عن تكاليف معالجة الالتزامات الخاصة بالآثار السلبية للأحداث المؤسفة عام 2011م ويتوقع بعد ذلك اتجاه العجز تدريجياٍ نحو الانخفاض ليصل في نهاية المدة المتوقع لها وهو عام 2015م إلى نحو (420) مليار ريال بما نسبته (3.8%) من الناتج المحلي الإجمالي وهو المستوى المرغوب اقتصادياٍ لاقترابه بدرجة كبيرة من الحدود الآمنة للعجز وهو 3-4%.
النفط
ماهي العوامل التي أدت الى هذا التدهور المالي¿
أهم أسباب استمرار العجز تتمثل في التوقع باستمرار تراجع كميات إنتاج النفط الخام في ظل استمرارية ثبات كل من إنتاج الغاز بشقيه المصاحب (LPG) والطبيعي (LNG) والأسعار الدولية لها مما سيترتب عليه انخفاض حصة الحكومة من النفط وبالتالي انخفاض عائداته ولتدهور مستوى البنى التحتية للاقتصاد بسبب أحداث عام 2011م وتشوه صورة الوضع في اليمن وهذا ما أدى إلى تدهور واضح في البيئة الاستثمارية والسمعة الدولية عن مناخ الاستثمار في اليمن هذا من ناحية وتوجيه جزء هام من الموارد المحلية لإصلاح ما دمرته الأحداث من ناحية ثانية وهذا ما سيؤدي إلى ضعف الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي مما سيعكس نفسه سلباٍ على معدلات النمو الاقتصادي وبالتالي على حجم الأوعية الإيرادية ومن ثم على محدودية نمو الإيرادات غير النفطية بالإضافة الى استمرار الاختلالات الحقيقية في الهيكل الإنتاجي وعليه الأنشطة التقليدية في توليد الناتج والدخل القومي مما يشكل صعوبة حقيقية في عملية حصر المكلفين وتحديد الربط والتحصيل والتوريد لمستحقات الدولة وكذا عدم حدوث تحسن كبير وسريع في إصلاح الأجهزة الحكومية ومنظومة القوانين واللوائح المالية ومكافحة الفساد بما يكفل حدوث نقلة نوعية في رفع مستوى أداء الأجهزة الحكومية وبالأخص الإيرادية منها.
وضعف التنسيق بين الجهات الحكومية حول إدارة وتوجيه القروض والمساعدات الخارجية مما ترتب عليه استمرار عدم كفاءة استغلالها وتخصيصها بما ينسجم وتحقيق الاستغلال الأمثل لها وايضا من اسباب استمرار العجز ضعف دور الجهات الحكومية وبالأخص المقدمة للخدمات في تحصيل إيرادات الدولة وتوريدها إلى حساب الحكومة العام وارتفاع تكاليف مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن أحداث عام 2011م والالتزامات الحكومية عن السنوات السابقة للأحداث مثل علاوات الموظفين المستحقة للفترة (2005م – 2011م ) ومستحقات لمشاريع منفذه … الخ
و استمرار تزايد أعباء الدين الداخلي بسبب استمرار وجود العجز في ظل عدم احتمال انخفاض أسعار.
الفائدة أو وجود مصادر جديدة للتمويل أقل كلفة لتمويل هذا العجز المحتمل ماهي الموارد المالية المتاحة أمام الدولة¿
من المتوقع أن تبدأ الحكومة بإصدار صكوك إسلامية وسندات حكومية ذات أمد متوسط لتمويل العجز بدلاٍ من الاقتصار على الاقتراض من البنك المركزي والذي أصبح مقيداٍ ومحدوداٍ بحسب قانون البنك المركزي وعدم قدرة السوق المحلية على استيعاب أذون خزانة أكبر في ظل أسعار الفائدة الحقيقية المخفض بسبب استمرار ارتفاع معدلات التضخم وهذا ما يجعل من رفع أسعار الفائدة على أذون الخزانة شرطاٍ رئيسياٍ للإقبال عليها مستقبلاٍ ولذلك نتوقع أن تتجه الحكومة إلى مصادر تمويل أقل كلفة وأكثر أماناٍ وهي الصكوك الإسلامية والسندات الحكومية بحيث تتدرج في زيادة الاعتماد عليها على حساب تراجع الاعتماد على الاقتراض من البنك المركزي ليصبح صفر نهاية (2015) وينخفض الاعتماد على إصدار أذون الخزانة إلى (30%) خلال نفس الفترة ليصبح عام 2015م المصدر الأساسي لتمويل العجز هو الصكوك الإسلامية والسندات الحكومية.
أعباء
ماذا عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية المحتملة المترتبة على عجز الموازنة العامة¿
من المتوقع أن يؤدي استمرار العجز إلى تنامي الأعباء التي تتحملها الموازنة وهذا ما يؤثر على حجم الموارد المتاحة للتنمية وبالأخص مشاريع الخدمات الأساسية وبالتالي ضعف الخدمات الأساسية التي يحصل عليها وهذا ما يؤثر مباشرة في مؤشرات التنمية البشرية لليمن وتنامي حجم المديونية الداخلية ليصل إلى مستويات تتجاوز الحدود الآمنة مما يؤدي إلى إضعاف استدامة المالية العامة وبالتالي تدني درجة الثقة في الوضع المالي للحكومة مما يؤثر سلباٍ على علاقة الحكومة بشركاء التنمية المحليين والدوليين ومن المتوقع أن يساهم تشبع السوق المحلية بأذون الخزانة العامة إلى ضعف الإقبال عليها مما يدفع الحكومة إلى دفع أسعار فائدة أعلى وهذا ما يؤثر على الاستثمار مما يؤثر سلباٍ على إنعاش الاقتصاد وايضا من المتوقع أن يساهم استمرار الاقتراض من السوق المحلي إلى اعراض رجال المال والأعمال والبنوك عن الدخول في تنفيذ مشاريع إنتاجية حقيقية وبالأخص في ظل استمرار الضبابية وعدم الوضوح في الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد مما يؤثر سلباٍ على عملية التنمية والبطالة والفقر كما ان استمرار العجز في الموازنة قد يصل بحجم المديونية العامة إلى المستوى الخطير وغير الآمن مما يجعل عجز الموازنة وتكاليف المديونية هي الموجه الرئيسي لتوجهات الحكومة على حساب باقي المهام والمتطلبات الاجتماعية والتنموية الهامة مما يزيد من الهوه بين الحكومة والمجتمع.
اختلال
ارتفاع النفقات في الموازنات الحكومية يقابله تراجع المصادر الما لية لمواجهة هذه الأعباء ناتج عن اختلال في بنية الاقتصاد الوطني ..هل تتفق مع هذا الطرح¿
نعم هناك اختلال حقيقي في الهياكل الأساسية للاقتصاد الوطني وقد فشلت الخطط الإنمائية في أحداث تحسن حقيقي ومقبول اقتصاديا حيث لا تزال القطاعات التقليدية غير المنظمة والعشوائية تساهم بجزء هام من الناتج والدخل القومي والجزء الأكبر من فرص العمل ومن الوحدات الإنتاجية وهذا ما شكل صعوبة حقيقية في عملية حصر المكلفين الفعلي في مختلف الأوعية الإيرادية وفي تقدير الربط على المكلفين وفي عملية التحصيل والتوريد والبت في طعون المكلفين وفي عملية المتابعة والتقييم بل وفي تفشي ظاهرة الفساد وتعاظمها وفي التكاليف التي تتحملها خزينة الدولة في تحصيل إيراداتها وضعف معدلات النمو الحقيقية في العديد من الأنشطة الاقتصادية وتنوعها وبالتالي انخفاض معدلات نمو الإيرادات غير النفطية, وكذا عدم الاستقرار والأمن في العديد من مناطق البلاد منذ سنوات وفي كافة أرجاء اليمن خلال أحداث 2011م ساهم في ضعف هيبة الدولة وبالأخص الجهات الإيرادية مما أفقد الخزينة العامة جزءاٍ هاماٍ من الموارد المستحقة بالإضافة الى أن التزاوج غير الشرعي بين العديد من متخذي القرار في العديد من أجهزة الدولة وبين كبار رجال المال والأعمال وأصحاب النفوذ في المجتمع ساعد وبدرجة كبيرة ليس في ضعف تطبيق القوانين واللوائح المالية أو التقدير المتدني جداٍ على الربط على كبار المكلفين أو التحصيل والبت في الطعونات أو التهرب أو توريد المتحصلات … الخ فحسب بل أدى إلى إيجاد احتكار حقيقي لمجمل أنشطة الاقتصاد الإنتاجية والاستثمارية والتجارية … الخ
وهذا ساهم في نفي عدد كبير من المستثمرين المحتملين الأكفاء والجادين المحليين والخارجين وهذا ما أدى إلى انخفاض حجم الاستثمارات في المشاريع الإنتاجية وبالتالي عدم حدوث تحسن حقيقي في حجم أنشطة الاقتصاد الإنتاجية وتنوعها وهو ما أدى إلى عدم توفر فرص عمل ودخول جديدة وبالأخص في المناطق وبالتالي تفشي ظاهرتي البطالة والفقر أيضاٍ إلى جانب ضعف نمو حجم الإيرادات غير النفطية.
فوائض لا تعمل
وما تأثير لجوء الدولة الى الاقتراض من البنوك على نشاط القطاع الخاص¿
في ضوء المؤشرات المتاحة نستطيع الجزم بعدم مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص على قروض البنوك التجارية لوجود موارد فائضة وبدون تشغيل لدى البنوك التجارية بل العكس هو الصحيح حيث ساهم إصدار الحكومة أذون الخزانة العامة في تشغيل جزء هام من موارد البنوك التجارية غير المشغلة بسبب عدم قناعة القطاع الخاص بصلاحية البيئة الاستثمارية وبالتالي عدم الإقدام على الدخول في مشاريع كبيرة وبالتالي اللجوء إلى الاقتراض من البنوك التجارية وهذا ما يعني أن أذون الخزانة ساعدت على استمرار عمل العديد من البنوك التجارية ومما يزيد من صحة ماذهبنا إليه هو ما تظهره بيانات الحسابات القومية والتي تظهر أن متوسط نسبة استثمارات القطاع الخاص إلى إجمالي مدخراته خلال السنوات (2000م – 2010م ) لا تتجاوز (50%) مما يعكس ضخامة حجم الموارد المتاحة لدى القطاع المجمدة أو المحولة إلى الخارج.

قد يعجبك ايضا