البطالة الطبيعية


احمد ماجد الجمال
تتوقف معدلات البطالة إلى حد كبير على النشاط الاقتصادي ويعتبر النمو والبطالة وجهين لعملة واحدة.
فعندما يكون النشاط الاقتصادي كبير يزيد الإنتاج كلياٍ وتنشأ الحاجة لمزيد من الأيدي العاملة لإنتاج كمية اكبر من السلع والخدمات وعندما ينخفض النشاط الاقتصادي ينخفض عدد الأعمال والوظائف الشاغرة وترتفع البطالة وكذا عندما يطول فترة الركود,وبهذا المعنى تكون البطالة مضادة للاتجاهات الدورية أي أنها ترتفع عندما يكون النمو منخفضاٍ والعكس بالعكس ,ولان البطالة تتبع النمو ولكن بقدر من التأخير تسمى في حينها مؤشر متأخر للنشاط الاقتصادي ,والشئ السلبي أن معدلات البطالة لا تنخفض مباشرة عند حدوث زيادة في النمو فالشائع حدوثه بعد بدايات عودة النمو بفترة.
بادئ الأمر تصب كل المحاولات أولا لاسترداد عافية الاقتصاد بعد الركود والأزمات ولا يتم تشغيل أيادي عاملة جديدة ومع زيادة رسوخ التعافي قد تبدأ البطالة في الانخفاض تدريجياٍ تحددها المعطيات والمتغيرات ودرجة احتوائهما واستغلالهما ومستوى التعافي ,ومع ذلك لايمكن أن تصل معدلات البطالة إلى الصفر,فكل سوق بما في ذلك سوق العمل يجب أن تكون له نقطة توازن عندما يكون العرض والطلب متساويين ,غير أن مجرد وجود بطالة يشير إلى الفشل في تحقيق التوازن ,بما فيها البطالة الهيكلية التي تعني جمود في سوق العمل نتيجة عدم التواؤم بين الأجور وكفايتها لتأمين المعيشة الكريمة.
لكن ماهو معدل البطالة الطبيعي وليس المقصود معدلا ثابتا لا يجب تعديله ولا يمكن تغييره بل على العكس من ذلك يعني أن خصائص سوق العمل التي غالباٍ ما تحركها السياسات العامة التي تضعها الدولة ومبادرات التوسع في استثمارات القطاع الخاص.
لذا يطلق على معدل البطالة الطبيعي أحيانا معدل البطالة غير المتسارع لأنه يتسق مع اقتصاد ينمو وفق إمكاناته في الأجل الطويل ,وليس هناك ضغوط تصاعدية أو تنازلية على التضخم وعلى العكس من ذلك عندما تنحرف البطالة مؤقتاٍ عن معدل البطالة غير المتسارع فإن التضخم يتأثر.
ومن خلال استيعاب الأسباب المؤدية إلى معدل البطالة التوازني في الأجل الطويل يمكن لصناع السياسات فهم الطريقة التي يتم من خلالها تغييره فالسياسات مثلاٍ التي تسعى إلى خفض البطالة بزيادة الإنتاج والاستهلاك يمكن أن تحقق مثل هذا الهدف بصفة مؤقتة فقط على حساب زيادة مستوى التضخم لاحقا.ٍ
لكن معدل البطالة غير المتسارع يمكن أيضا أن يتغير على مر الزمن دون إجراء صريح على مستوى السياسات فالتغيرات الهيكلية كالتقدم التكنولوجي أو التحولات السكانية تكون لها آثار طويلة الأمد على الاتجاهات العامة للبطالة فعلى سبيل المثال الطفرة التكنولوجية في التسعينات من القرن الماضي زادت من إنتاجية العمالة مما جعل كل عامل مطلوب أكثر رغم لمحة البطالة التي بدت في بادئ الأمر والتي طرأت عند استبدال العمالة غير المدربة .
وتأسيساٍ على ذلك وليس مصادفة أن يمر الاقتصاد اليمني ويصبح ملفتاٍ للانتباه فالواقع يؤكد أن معدلات البطالة في تزايد مستمر وغير طبيعي وما تلقيه من ظلال وانعكاسات سلبية بشقيها المقنع(نتيجة تكدس العاملين في الجهاز الحكومي بما يفوق احتياجاتها ) والظاهر(بطالة خريجين وبطالة شبابية وهذه مشكلة عالمية ولاتوجد دولة في عالم اليوم تستطيع تحقيق التوظيف الكامل )وفي الوقت الراهن تعتبر البطالة بكل أشكالها من اخطر التحديات التي تواجه اليمن لاسيما بعد تزايد وتفاقم هذه الظاهرة الخطيرة وهي في أقسى حالات بطالة غير طبيعية لكونها تراكمات من السياسات والإجراءات غير المجدية التي اتخذت حيالها ولم تفلح إضافة إلى الأحداث الكبيرة التي مرت كنتيجة وسبب في آن واحد ,والجزء الأكبر يرجع إلى أسباب هيكلية تعود إلى طبيعة نمو الاقتصاد اليمني كاقتصاد نامي يعاني من اختلالات هيكلية داخلية وخارجية تتمثل في الاختلال في ميزان المدفوعات والاختلال في الموازنة العامة إلى جانب وجود فجوة كبيرة بين كل من الادخار والاستثمار وبالتالي الإنتاج والاستهلاك .وكل ذلك يعود إلى تفشي الفساد وأن الاقتصاد آحادي الجانب يعتمد بشكل أساسي على مصدر ومورد وحيد (عوائد النفط) في ضوء تراجع وتباطؤ اتجاهات النمو والتنمية وضعف نمو التطور الاقتصادي والاستثماري للقطاع الخاص وعدم قدرته على توفير فرص عمل كافية لاستيعاب الأيدي العاملة وعجز البيئة الاستثمارية عن جذب وزيادة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية في شتى المجالات التي توفر فرص عمل جديدة تسهم في التخفيف من هذه الظاهرة المتنامية بشكل متسارع ,وتزداد مشكلة البطالة تعقيداٍ في ظل استمرار جمود وعدم تطور ومرونة أسواق العمل وما يقابلها من تزايد الإعداد السنوية للداخلين الجدد إلى سوق العمل وارتفاع معدل نمو قوة العمل سنويا وتنام مشاركة المرأة في سوق العمل وارتفاع مخرجات التعليم الجامعي وعدم ملاءمة هذه المخرجات لاحتياجات سوق العمل ,وهجرة الريف الزراعي بسبب شحة المياه والتبدلات الدراميكية للنشاط ,وزيادة المقاطعات والمدن العشوائية في عواصم المحافظات , كل ذلك يشير إلى ضرورة إطلاق خارطة للنظر إلى الإمام بديناميكية جديدة والبعد من الغموض والاحتمالات المربكة واستنتاج إدراك انتقائي لعملية غربلة السياسات والإجراءات عبر الدفع القوي لواقع التنمية المحلية في المديريات والقرى,والتعليم الفني والمهني وتدعيم القوانين ولوائحها وآليات تنفيذها نحو تسهيل وتبسيط الاستثمار وحمايته من التطفل وعدم حرقه ليسارع في لعب دور محوري واستغلال الطاقة الإنتاجية العاطلة وفتح آفاق واسعة في التنمية واجتذاب فرص عمل كثيف العمالة قابل للبقاء والنمو وبناء جديد للهياكل التنظيمية وتوصيف وظيفي للأعمال والاختصاصات تتسق مع جملة تطور وتوسع مهام الجهاز الحكومي ليتمكن من الاستفادة من كل الموظفين والعاملين .

باحث بوزارة المالية

قد يعجبك ايضا