تعود ديدييه شيرات أستاذ التاريخ والجغرافيا في شمال فرنسا على أن يقدم لطلبته العديد من القصص الغريبة التي شهدها التاريخ الإنساني كي يدفعهم للاهتمام بالمادة التي يقوم بتدريسها وعلى خلفية النجاح الذي حققه في ذلك قرر أن ينقل تجربته إلى الرأي العام كي “تعم الفائدة على الجميع” كما يقول. هكذا قدم كتابه الأول تحت عنوان: “قصص غريبة في تاريخ العالم”.
ويعرف الجميع أن تاريخ البشرية زاخر بالحروب والصراعات التي حددت إلى درجة كبيرة مساره ولكن هناك أشياء وأحداث غريبة لا علاقة لها بالحروب والنزاعات. و”لا علاقة لها بعظمة التاريخ” وإن بقيت ماثلة باستمرار في ذاكرة البشر. وعبر رواية هذه الأحداث يمكن للبشر أن “يتعلموا التاريخ” وهم “يتسلون” بالوقت نفسه.
ذلك على أساس أنه من العبث تصور أولئك الذين يعتقدون أنهم يكتبون التاريخ ويتركون بصماتهم الدائمة عليه وكأنهم هم وحدهم الذين تخلد الإنسانية عظمتهم. وإذا كان لا شك أن لهم مكانتهم الاستثنائية في سجل البشرية الحافل بالعظماء الذين لا يزال التاريخ يذكرهم ويذكر مآثرهم فإنه هناك أيضا بعض الحكايات “الغريبة” التي بقيت في ذاكرة الناس.
وينقل ديدييه شيرات في هذا السياق عن الفيلسوف سيوران قوله: “إن المبادئ تمضي لكن الحكايات والقصص الغريبة تبقى”. ويفتتح المؤلف قصص التاريخ الغريبة بتلك التي “جلد فيها ملك الفرس البحر”. ويقصد بذلك “كيركزيس الأول” الذي كان همه الأكبر هو “قهر مدن اليونان الصلفة المتعالية” والتي بقيت خارجة عن سلطته الممتدة آنذاك من البحر المتوسط حتى الهند.
تلك الخطة “أفشلتها الطبيعة” إذ هبت رياح عاتية وخربت ما كان قد جهزه الفرس. لقد أعادوا “البناء” من جديد وبشكل محكم أكثر. البحر “الذي لا تعنيه أهواء البشر” اضطرب آنذاك وعلا وانخفض وحطم الجسر من جديد. لم يكن من ملك الفرس أن أمر آنذاك بـ”معاقبة البحر بثلاثمائة جلدة”.
وترافقت عملية الجلد بأقوال غاضبة مثلما ينقل المؤلف عن هيرودوت: “أيتها المياه ذات الطعم المر إن سيدك يعاقبك بهذه الطريقة كون أنك فعلت ما يعيق إرادته دون سبب. وهو سوف يعبرك مهما كانت مشيئتك أيتها المياه المالحة”. وفي المحصلة النهائية ورغم نجاح الفرس في اجتياز الذراع البحرية إلى أرض اليونان فإن اليونانيين هم الذين انتصروا فـ”البحر لا يحب السوط” كما يقول المؤلف.
وتحت عنوان “الإسكندر الأكبر يطرده متسول”. يكتب المؤلف: “قد يحدث أحيانا أن تحسوا أنكم تخالفون القيم والقواعد المقبولة تقليديا في المجتمع”. وهذا ما يرد عليه بالتذكير بالفيلسوف ديوجين الذي كان يردد في القرن الرابع قبل الميلاد أنه ينبغي الحكم على الإنسان بما يمتلكه من صفات وليس بما يمتلكه من ثروات.
ذلك على أساس أن الثروة “الخارجية” وهمية ويمكن للقدر أن يزيلها بضربة واحدة. ولكن المهم هو “الكنز الداخلي” و”الذكاء” باعتبارهما راسخين ولا يمكن لأحد انتزاعهما. لذلك لم يكن ديوجين يهتم بالمظاهر وعاش مثل “متسول” في اثينا الثرية. ولم يكن يقتات سوى بالقدر اليسير من الخبز وحبوب العدس.
وذات يوم شاهد ديوجين بعض الكهنة وهم يقبضون على لص سرق أشياء بسيطة فصاح: “انظروا إلى اللصوص الكبار الذين يقتادون لصا صغيرا”. وذات يوم أيضا طالب برؤية إنسان. وقال بصوت عاليا “أريد أن أرى إنسانا وليس بقايا بشر”. ما يؤكده المؤلف في هذا السياق هو أن ديوجين لم يكن يخشى أحدا. وعندما سمع به الإسكندر الأكبر الذي كان على رأس إمبراطورية مترامية الأطراف أراد أن يلتقي به.
وذهب إليه حيث كان في كورنته. وجد الفيلسوف يتمتع بـ”حمام شمسي”. وعندما استمع إليه الاسكندر نال إعجابه الشديد لما يمتلكه من شجاعة وحكمة. فقال له: ما الذي يمكن أن يجلب له بعض المتعة والسعادة أجاب ديوجين بجفاء: “أن تبتعد قليلا فإنك تحجب الشمس عني”.