البروفيسور غانم ابن عدن الذي تماهى في حب مدينة صنعاء
أخي القارئ الكريم..يسرني في هذه الحلقة وهي الرابعة عن محافظة عدن ثغر اليمن الباسم أن أكتب عن علم من أعلامها علمَ له شموح كشموخ جبل شمسان وهو البروفيسور الدكتور محمد عبده غانم الذي أحب مدينة عدن وتماهى في عشق مدينة صنعاء فتغنى في حبها بأجمل القصائد ومن قصائده التي وصف فيها مدينة صنعاء قصيدة عصماء وردت في الأعمال الكاملة له والتي أصدرته وزارة الثقافة والسياحة ضمن إصدارات صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م أورد منها هذه الأبيات:
صنعاء يا مهد المباهج في السهول وفي الجبال
يا روعة السفح الوريف يمده ثبج الأعالي
(نْقْمَ) تتوجه الغمائم بالمهابة والجلال
لما أطل بحاجبيه على المشارف والتلال
والجدول الثرِارْ صفق بالبرود من الزلال
والروضة الغناء ترقص بالخميل وبالدوالي
والزهر يفهق بالعبير على الأماليد الطوال
والطير يهتف في البكور وفي الأصائل بالأمالي
و(المفرج) الريان يخفق بالندي من الغوالي
والمزهر الرنان من أيام زلزل أو دلال
واللحن (للعنسي) في كلماته آي المقال
و(الأنسي) وقد أجاب فجاء بالسحر الحلال
وأعاد ما قد كان (للمِزِاح) من سبق المجال
و(الكوكباني) الكبير بفنه الفذ النوال
فن (الحميني) و(الموشح) حين يخطر في إختيال
فتميس لليمن الكريمة فيه آيات الكمال
د. محمد عبده غانم (1912م –1993م)
ولد محمدعبده غانمفي عدن عام 1912م وتوفي في صنعاء عام 1994م. وقد تخرج من الجامعة الأميركية ببيروت في مجال الآداب بمرتبة الشرف الأولى عام 1936م واحتل المرتبة الأولى على دفعتهوهو أول خريج جامعي يمنيكما يقال أنه أول خريج جامعي من جامعة متخصصة فيالجزيرة العربية. وفي عام 1937م حصل على شهادة في التعليم من الجامعة نفسها ثم حصل على دبلوم المعلمين من لندن عام 1948م وحصل على الدكتوراهفي فلسفة الآداب من جامعة لندنعام 1963م عن أطروحته عن شعر الغناءالصنعاني. ثم عمل في حقل التربية والتعليم وتدرج في سلم التعليمحتى صار مديراٍ للمعارف في عدنثم عمل مدرساٍ (بروفيسور) في جامعة الخرطوم وجامعةصنعاء التي أنهى خدماته فيها عميداٍ للدراسات العليا ومستشاراٍ لرئيس جامعة صنعاء.. وعميداٍ لكلية التربية في جامعة صنعاء له العديد من الإصدارات من الدواوين الشعرية والنثرية إضافة إلى أعماله المسرحية ومن أعماله: “على الشاطىء المسحور” 1946م ويعتبر هو أول دواوينه “موج وصخر” 1962 “حتى يطلع الفجر” 1970 “الموجة السادسة” 1985 وصدرت له : “الأعمال الكاملة”.
أشاد به الكثير من الأدباء والمفكرين اليمنيين والعرب فقد قال عنه د. عبدالعزيز المقالح في إضاءة كتبها في الأعمال الكاملة للدكتور/ محمد عبده غانم: (اعترف – منذ البداية – أنني أغدو ضعيفاٍ وقلمي يغدو أضعف مني وذلك كلما اقتربت من أي انتاج أدبي لأحد شاعرين أحس نحوهما أكثر من غيرهما من شعراء اليمن بتقدير خاص واحترام نابع من أعماق النفس. والشاعران هما الأستاذ الشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ الدكتور محمد عبده غانم. أما الأول فلنضاله الكبير ولظله الوارف على حياتنا الثقافية وعلى حياتنا الوطنية وأما الثاني فلنضاله الواضح على حياتنا الثقافية أيضاٍ ولجهده الواسع في مجال التربية حيث أن يكون جهاده في أن يصنع رعيلاٍ من المجاهدين في كل مجال…) ويعتبر الدكتور غانم أول جامعي في الجزيرة العربية فقد تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1936م. وكان قد بدأ في هذه الجامعة بدراسة الطب ثم تحول إلى الدراسات الأدبية..
ونلاحظ أن الدكتور محمد ممتلئاٍ بأحاسيس ملتهبة ونلاحظ هذه الأحاسيس في ثنايا سطور كتاباته الشعرية والنثرية المختلفة فنراه يفتتن ويْسحر بالشاطئ فتْولد أحاسيسه واهاجيسه الشعري أبياتاٍ وقصائد تتغنى وتتغزل بالشاطئ ويذكر أصدقائه أنه كان يعشق شاطئ صيرة وشاطئجولدمور الذي كان كثير التردد عليه هو وأصدقائه ولا أخفيكم سراٍ أن الدكتور محمد كان يهوى الرسم ورسم ما يهواه ويعشقه فكان يرسم جبل صيرةبالألوان المائية بل أنه كان ينتمي إلى نادُ للرسم..
من حبه لمدينة صنعاءحقق مؤلفات عن الشعر الغنائي الصنعاني
كان الأديب الكبير والشاعر المبدع الدكتور/ محمد عيده غانم متذوقاٍ للشعر اليمني ككل متغلغلاٍ في أنواعه بمختلف تسمياته وأنواعه وأصنافه فلم يأخذه تأليفه للشعر أو النثر أو المسرحيات الشعرية عن متعة قراءة شعر غيره من الشعراء وأدبهم ولأنه أحب اليمن وطنه وأحب صنعاء وشعرها وأهلها وكل شيء فيها فقد تذوق الشعر الصنعاني وتمتع وهام به فتجاوز كل درجات العشق التي وصل إليها أكبر العشاق فلم يكتف بالتغني بها في قصائده بل ذهب إلى تحقيق كل ما يتعلق بها من أدب وشعر ومن تحقيقاته ديوان (صنعاء حوت كل فن) للشاعر الكبير/ أحمد بن حسين المفتي.. ولابد لأي محقق أن يعجب بما سيحققه من مصنف أدبي أو تاريخي وعند الإطلاع على قصائد هذا الديوان نجده يحتوي على الكثير من القصائد الرائعة التي جذبت وسبت المحقق د. محمد عبده غانم نورد من هذه القصائد القصيدة الرابعة في الديوان والتي تتكون من (35) بيتاٍ منها:
يقرب الله لي بالعافية والسلامة
وصل الحبيب الأغن
من حاز كل المحاسن والحلا والوسامة
وكل معنى حسن
ونسأله الله تعالى عودنا من تهامة
إلى سفح صنعا اليمن
لأن صنعاء سقاها الله فيض الغمامه
منزل حوى كل فن
وكذا القصيدة الثامنة.. تتكون من (20) بيتاٍ منها:
حب صنعاء لقلبي قد سحر
وأراني الدجى فيها سنى
الصغير من كواكبها قمر
وهديل الحمام فيها غْنا
إنما الطل فيها كالمطر
والقناعه بها رأس الغنى
لا أقول أن لي فيها وطر
ما حوى سور صنعا لي منى
والقصيدة الخامسة عشرة من الديوان تتكون من (23)بيتاٍ منها:
وذل له واحتكم
ومن تولِع بحب الناهدات النواعم
صيِر وجوده عدم
كيف الخلاص من عيون العين والحب حاكم
والقلب لحمه ودم
لكن ذل الهوى عزه وذا شيء لازم
ادخل إذا لك قِسم
وكذا القصيدة السادسة عشرة.. تتكون من (26) بيتاٍ منها:
الله لا غيبك يا قاسي القلب عنِا
ولا عرفت البعاد
ولا امتحن طرفك الساجي بما امتحنِا
من البكا والسهاد
وما دعينا لكم إلا بما قد عرفنا
في الحب حكم الفساد
وإلا فما أحِد حِمِلú في حبِكم ما حملنا
وهام في كل واد
وحقق الدكتور محمد عبده غانم ديوان القاضي أحمد بن عبدالرحمن الآنسي المسمى (زمان الصبا) وبه قصائد تفتن القارئ البسيط من أول وهلة فما بالك بأستاذ الشعر ودكتور الأدب/ غانم ونورد منه بعض القصائد وعدد من أبياتها على النحو التالي:
القصيدة الأولى في الديوان وتتكون من (24) بيتاٍ منها:
الدهر بالقرب قد أسفر
وطالما قد مضى حالك
وكل من في الوجود أنور
بوجه محبوبي المالك
والكون بالاجتماع أزهر
والحمد لله على ذلك
وكذا القصيدة السابعة تتكون من (17) بيت.. منها:
قال المعنى لمه يا خل روحي فدا لِك
شاروح في عشقتك
والحال أني مْولِع بك وعاشق جمالك
والروح في قبضتك
لمِه لمِه شاتحاربني بهذا مطالك
والهجر يا عِيúبِتِك
وكذا القصيدة الثامنة.. تتكون من (24) بيتاٍ منها:
أهلاٍ بسيدي وسيد الناس
أهلاٍ بسيدي وسيد أهلي
اهلين يا منتهى الأنفاس
اهلين يا منتهى سؤلي
شرفتني يا قْضيب الآس
يا راعي القلشةِ المِجلي
جي فوق عيني وفوق الراس
ما هْو على القاع يا خلي
د. محمد عبده غانم شاعراٍ مبدعاٍ
أصدر الدكتور محمد عبده غانم ديوانه الأول بعنوان “على الشاطئ المسحور” عام 1946م وكان يقصد بالشاطئ المسحور هي شواطئ عدن الجميلة فشاعرنا تغنى في كثير من قصائده بعدن وبشواطئها الجميلة سواءٍ في هذا الديوان أو في دواوينه الأخرى كما أن مسرحياته لم تخلو من ذكر عدن والأحداث التاريخية التي جرت فيها..
كما أن أشعار الدكتور غانم يشهد لها الجميع أنها مليئة بالرومانسية وقد شهد له الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح أنه كان أول من أدخل الرومانسية في الشعر اليمني..
ولم يقتصر شعر الشاعر الكبير د. محمد عبده غانم التغزل والهيام والمدح للحيبب وللأماكن بل أنه في قصيدة بعنوان (القلم العدني) وهذا العنوان هو اسم صحيفة تصدر من عدن.. وعدد أبياتها (23)بيتاٍ نورد منها:
انفث السحرِ يا قلم
وانثر النورِ في الظلم
فيكِ سرَ مقدسَ
ينفخ الروح في الرمم
لك فينا رسالةَ
تبلغ الأخرس الأصم
هات حدث عن العلا
وعن النبل والشمِم
وعن الصدق والحجى
وعن الفضل والكرم
عالم الحق والفضا
ئل كم فيه من نعِم
وهنا قصيدة أخرى بعنوان (في رحاب أروى) وأروى هنا المقصود بها السيدة بنت أحمد الصليحي وهذه قصيدة كبيرة تتكون من (45)بيتاٍ نورد منها الأبيات التالية:
هنا كنت في جبلة تحكمين
وفي صولةُ تبهر العالمين
تعيدين بلقيس في مجدها
ومن مثلها بالمعالي قمين
أقامتْ على مأربُ جنتين
فذات الشمال وذات اليمين
تغنيهما الطير لحن النسيم
على نفحة الفل والياسمين
وتهديهما وارفات الكروم
روائع من عبقر الملهمين
تذوب العناقيد في كأسهم
فتضرمها شعلة لا تمين
وكانوا إذا أنشدوا قبلها
نشيد الهوى عن هداها عمين
وكان الشاعر الكبير د. محمد عبده غانم أحد الطامحين إلى الوحدة بين شطري اليمن والمنادين بضرورة عودة اليمن واحداٍ وهذه قصيدة بعنوان (في سبيل الوحدة اليمنية) ومن العنوان يتبين أن هذه القصيدة كتبها شاعرنا قبل قيام الوحدة عام 1990م وهذا نابع من رقة مشاعره وأحاسيسه الوطنية التي جعلته يتوق إلى الوحدة اليمنية وهذهالقصيدة تتكون من (28)بيتاٍ منها:
الأهل أهلي والبلادْ بلادي
يمنيِةَ في حاضرُ أو بادي
لا فرق بين “عبادل” و “عواذل”
و”بكيل” في التاريخ والميلاد
أو بين “شمسان” الأشم وصنوه
ردفان أو ضوران في الأطواد
أو بين واد سال من “ورزان” في
“تبن” وآخر في “بنا” ميِاد
حييت يا وطني الحبيب ولم تزل
وطن الكرام الصيد من شداد
ولأن شاعرنا من أبناء هذا الشعب وعاش بين أفراده يتألم كما يتألمون ويفرح لفرحهم ويحزن لأبسط سوء يمسهم فقد أرخ ليومُ مشؤوم في تاريخ اليمن عامة وتاريخ عدن خاصة وهو تاريخ دخول البريطانيين واحتلالهم لعدن.. فكتب قصيدته وعنونها بتاريخ هذا اليوم (19 يناير 1839م) وقد أسهب وزاد في أبياتها حتى وصلت إلى (50) بيتاٍ ونحن هنا لضيق المجال المحدد لنا نورد منها الأبيات التالية:
في عصر هذا اليوم حل بداري
جيشْ الطغاة وطغمةْ الأشرار
زعموا بأن لهم لدينا مركباٍ
نهبتهْ أيدي البدو ذات نهار
قد سار في عرض البحار محملاٍ
بنفائس الأعلاق من “ملبار”
حتى رمتهْ على سواحل “أبين”
أمواجْ يمُ صاخبُ فوار
وكذلك شأنْ الظالمين فإنهم
يستمرئون الظلمِ بالأعذار
ولم يخلْ أدب وشعر الدكتور محمد عبده غانم من الأناشيد الحماسيةوالثورية والوطنية ونورد بعضاٍ منها والتي وردت في أعماله الكاملة ومنها (نشيد سل بنا الميدان) نورد منه الأتي:
سِلú بنا الميدانِ فالميدانْ أدرى بالرجالú
نِحúن أبطالْ الحسيني قد خرجنا للنزالú
كالسيول الجارفات
والرعود القاصفات
لا نبالي إن ألمِ الخِطúبْ أو ضاق المجالú
سِل بنا الميدانِ يْنúبئúكِ بصوتُ رائعú
بهجوم الصاعقات
ودفاع الراسيات
ونشيد أخر بعنوان (نشيد ديار اليمن) يتكون من (12) بيتاٍ نورد منه الأبيات التالية:
دياري دياري ديار اليمن
ومن سفح صنعاء حتى عدن
وهبنا لك الروحِ قبل البدن
وقلِت لك الروحْ منا ثمن
دياري دياري ديار اليمن
وهنا نشيد أخر عن حبه الآزلي (عدن) التي قل أن ينساها في قصيدة من قصائده بعنوان (نشيد عدن) نورد منها الأبيات التالية:
عدن قد وهبتنا
للعلا والمكرمات
وثباتاٍ منحتنا
كالجبال الراسخات
رجعنا عند إعدادنا هذا المقال إلى العديد من المراجع منها: (الأعمال الشعرية الكاملة.. محمد عبده غانم / من إصدارات صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004/ من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة) زمان الصبا/ ديوان القاضي أحمد بن عبدالرحمن الأنسي/ تحقيق د. محمد عبده غانم/ من إصدارات صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م وزارة الثقافة والسياحة) (صنعاء حوت كل فن/ ديوان شعر أحمد بن حسين المفتي/ تحقيق د. محمد عبده غانم/ من إصدارات صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م وزارة الثقافة والسياحة) (أغنيات الشاعر اليمني الدكتور محمد عبده غانم/ إعداد نزار محمد عبده غانم/ مطبوعات مركز عبادي للدراسات والنشر الطبعة الثانية 2010م) (من بواكيرحركة التنويرفي اليمنالمجموعة الأدبية والصحفية للقاضي أحمد محمد مْداعس/جمع وتحقيق وتقديم الأستاذ محمد محمدعبدالله العرشي/ شارك في الإعداد القاضي العلامة محمد إسماعيل العمراني)…
alarachi2012@yahoo.com