اشتدت الضربات الجوية فوق رؤوسنا ..حتى أن طائراتها كاد يخترق طبلة أذني رغم أني وضعت كفي على صيوانها ..سقطت صوايخ (عاصفة الحزم) على المعسكر بالقرب منا حتى فر غالبية سكان الحي ونحن منهم .. نزوح جماعي إلى مكان فسيح تغزوه الخيام يفتقد إلى أبسط مقومات الحياة .. لا ماء ولا كهرباء ولا محال لبيع المواد الأساسية .. كل يستخدم ما بحوزته من بدائل سبل المعيشة حتى طريقة النوم دون فراش ..خصوصيات كثيرة تلاشت فلم يعد العيب عيبا ولا مؤشرا لقياس الأمور ..شعرت بأني أحيا مغامرة حياة البداوة كما تخيلتها في طفولتي ..مع وجود بعض الصعوبات لم تكن عالقة بذهني آنذاك ..أردت أن أعيش قصة حب فأنا لا زلت في التاسعة عشر من عمري ويحق لي أن أعيش تلك اللحظات البريئة .. نتناسى بها لحظات الحرب العصيبة .. لفت انتباهي شاب فتي بنظراته الساحرة تبعد خيمتهم عنا بعشر خيام .. في منتصف النهار تأتي سيارة تحمل على ظهرها خزان ماء كبير .. يفرغ محتواه في القناني والبراميل التي يحضرها النازحون لتسيير أمور حياتهم لهذا اليوم حتى يأتيهم في اليوم الذي يليه .. أخذت دبة بلاستيكية سعة عشرة لترات وتعمدت الاقتراب منه .. احتك جسده بي – عن قصد – ربما يفكر بنفس ما أفكر به ..وطبقنا القول : نظرة فابتسامة فموعد فابتسامة فموعد فلقاء .تعددت لقاءاتنا في وضح النهار ..لقاءات إعجاب لم تتجاوز خطوطها الحمراء .. أحببته حتى أني خلت أن الوجود خلا من الشباب دونه .. تمنيت أن تطول هذه المعاناة وأن لا تنتهي حتى لا افقد وجوده .
بمرور الأيام ازددت قربا منه وتعلق قلبي به أكثر فأكثر .. أتخيله في كل لحظة كأننا روح واحدة بجسدين ..لم أصدق كلام صديقتي وما تناقلته من أخبار بأنه على علاقة بأخريات ,,حتى جاء ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه زيف مشاعره … رأيته بأم عيني يغازل أخرى ممسكا بكفها مبتسما .. شعرت بأن الأرض تدور بي حتى أغمي علي ..أفقت وأنا على سرير طبي في خيمة (الهلال الأحمر), الطبيب وسيم وجذاب ..جاد ومخلص في عمله ..مرت ساعة وهو بالقرب مني يحدثني باحثا عن السبب ..بأن لا شيء يستحق أن نفقد قوتنا لأجله ..وأن ظروف الحرب ستنتهي .. وما نحن فيه ظرف طارئ .. وأن هذا الوضع سيزول ..حتما سننتصر على العدوان الغاشم وتنتصر بلادي ونعود أفضل مما كنا ..رغم الحرب لازالت القلوب تؤمن بالإرادة وبالنصر ..ودعني بكلماته التي أسرت قلبي وانصرف صوب مريض آخر يتفقد حاله ..نسيت ما أصابني من ذلك المعتوه وتعلق قلبي بالطبيب المعالج .