الصبر.. هذا الكنـز العظيم

ينادي الرحمن الرحيم – سبحانه وتعالى – أهل الإيمان بقوله: ((يِا أِيْهِا الِذينِ آِمِنْوا اصúبرْوا وِصِابرْوا وِرِابطْوا وِاتِقْوا اللهِ لِعِلِكْمú تْفúلحْونِ)), ووعد الصابرين بالفضل العظيم بقوله: ((أْولِئكِ يْجúزِوúنِ الغْرúفِةِ بمِا صِبِرْوا وِيْلِقِوúنِ فيهِا تِحيِةٍ وِسِلِامٍا)), وجعل ملائكته الكرام يستقبلون الصابرين بالتحية والسلام بقوله: ((وِالمِلِائكِةْ يِدúخْلْونِ عِلِيúهمú منú كْل بِابُ * سِلِامَ عِلِيúكْمú بمِا صِبِرúتْمú فِنعúمِ عْقúبِى الدِار)).

فمنزلة الصبر في الدين بمكان الرأس من البدن, ومن يتصبِر يْصبره الله, وما أْعطي أحدَ عطاءٍ خيراٍ وأوسع من الصبر, وقد جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا جمع اللهْ الخلائق نادي منادُ: أين أهل الصبر ¿ قال: فيقوم ناسَ وهم يسير فينطلقون سراعاٍ إلى الجنة فيلقاهم الملائكة فيقولون: إنا نراكم سراعاٍ إلى الجنة فمن أنتم ¿ فيقولون: نحن أهل الصبر فيقولون: وما كان صبركم¿ فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله وكنا نصبر عن معاصي الله فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجرْ العاملين)), وعن أبي ثعلبة الخشني – رضي الله تعالى عنه – أن النبي صلى الله عليه آله وسلم عندما ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: ((فإن من ورائكم أيام الصبر فيه مثل القبض على الجمر للعامل فيهم أجر خمسين رجلاٍ يعملون مثل عمله)) قالوا: يا رسول الله أجر خمسين منهم قال: ((أجر خمسين منكم)), وجاء في الخبر كما صح عن سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((الصبر ضياء)) وهذا التشبيه البليغ جعل الصبر كالسراج يحترق من داخله ويضيء من خارجه, والصبر في حقيقته كالدواء لكل داء, والعلاج طعمهْ لا يْقبل ولكن نهايته شفاء بإذن الله تعالى.
والمصائب والبلايا تحل على الناس – خاصة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام – ليمحص الله – تعالى – إيمانهم فعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله تعالى عنه – قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشدْ بلاءٍ ¿ قال: ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل الرجلْ على حسب دينه فإن كان في دينه صْلباٍ اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)).
إذاٍ البلايا على مقادير الرجال, ومن تأمل أحوال الأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام – وشدة ما مرِ بهم من بلاء ازداد يقيناٍ وإيماناٍ.
فهذا نوح – عليه السلام – ابتلي بابن كافر وزوجة كافرة وابتلي بقوم في غاية الكفر معاندين ومستهزئين وساخرين يدعوهم نوح – عليه السلام – ليلاٍ ونهاراٍ سراٍ وجهاراٍ وما آمن معه إلا قليل في دعوة بلغت ألف سنة إلا خمسين عاماٍ.
وهذا إبراهيم – عليه السلام – أْمر بذبح ولده وفلذة كبده بعدما كبْر سنه وشاب شعر رأسه ودق ظهره فأجاب أمر خالقه ففداه ربه بذبح عظيم.
وهذا يعقوب – عليه السلام – ابتلي بفقد ابنه يوسف – عليه السلام – الذي امتلأ قلبه حباٍ له فعندما طال الفراق بينهما قال: ((فِصِبúرَ جِميلَ وِاللهْ المْسúتِعِانْ عِلِى مِا تِصفْونِ)).
وهذا يوسف – عليه السلام – أْلقي في الجب وهو صغير وبيع كبيع الرقيق بثمن بخس بدراهم معدودة وابتلي بامرأة العزيز وسْجن فلبث في السجن بضع سنين وخرج فأصبح أميناٍ على خزائن الأرض وجاءه أهله من فلسطين.
وهذا أيوب – عليه السلام – ابتلي بفقد ماله وأولاده وأصحابه ثم ابتلي بفقد العافية في بدنه حتى تضرع إلى ربه فأجاب دعاءه فقال: ((أِني مِسِنيِ الضْرْ وِأِنúتِ أِرúحِمْ الرِاحمينِ)).
وهذا يونس – عليه السلام – دعا قومه وخالفوه وعاندوه فركب البحر غضبان فمضى قدر الله – تبارك وتعالى – فوقعت القرعة عليه ورمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت فأصبح في ثلاث ظلمات فنادى رب الأرض والسموات فنجاه ونبذه على شاطىء البحر بعدما قال: ((لِا إلِهِ إلِا أِنúتِ سْبúحِانِكِ إني كْنúتْ منِ الظِالمينِ)).
وهذا خير الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله  وسلم إمام المتقين والصابرين نْشهد الله أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في سبيله حق جهاده وتركنا على محجِة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها والله إلا هالك, فكم لقي من الأذى, وكم لقي من الاستهزاء, وكم لقي من السخرية, وكم لقي من شتى صنوف الأذية, فصبر فكان إمام الصابرين ولنا فيه قدوة حسنة فأعطاه ربه – سبحانه وتعالى – على جهده وجهاده ودعوته وطاعته فقرِبه منه وأعطاه الحوض والمقام المحمود والشفاعة ورفع ذكره وشرح صدره ووضع عنه وزره وقطع شأن من نال منه في حياته وبعد مماته.
فينبغي على كل مكلف أن يبحث عن هذا الكنز العظيم ويأخذ منه مقدار ما يمتلأ قلبه من الإيمان ويتذكر دائماٍ الخطاب من الله – تعالى – لكل مبتلى: ((فِاصúبرú كِمِا صِبِرِ أْولْو العِزúم منِ الرْسْل)).

قد يعجبك ايضا