واقــــــع الــرواية العــــربية ومسيرة إنجازاتها

حققت الرواية العربية خلال العقود الأخيرة انجازات فنية مبهرة وحضوراٍ كبيراٍ ومكانة بارزة جعلتها في صدارة المشهد الإبداعي العربي وهو ما جعل الناقد الدكتور/ جابر عصفور يطلق على هذا العصر بـ ” عصر الرواية” وذلك من خلال كتابه النقدي الموسوم بهذا العنوان والذي صدر قبل عدة سنوات ومع ما شهدته الرواية العربية من تطورات وتجارب  فنية مذهلة أقيمت العديد من المؤتمرات والملتقيات العربية والدولية عن الرواية العربية وقضاياها المختلفة..
ومن آخر هذه الملتقيات ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية والذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة الدورة السادسة والذي أقيم تحت عنوان  “تحولات وجماليات الشكل الروائي” وذلك بمشاركة أكثر من200 من الروائيين والنقاد المصريين والعرب وقدمت خلال أيام فعالياته العديد من أوراق العمل والدراسات والمداخلات النقدية والشهادات الإبداعية المختلفة  من  قبل المشاركين في الملتقى وقد تم نشرها في كتاب صدر عن الملتقى وفيما يلى ننشر ملخصات لهذه الأوراق والمداخلات:

تقنيات الشكل الروائي في رواية ” إنه البحر” للروائي اليمني صالح باعامر

• د/ إبراهيم أبوطالب:
مما هو واضح أن الرواية صارت النوع الأدبي الأكثر حضوراٍ وتأثيراٍ في المشهد الإبداعي العربي بوجه عام واليمني بوجه خاص لما تمتلكه من أدوات تجريبية وإمكانات تقنية عالية في رصد المجتمع ومتغيرات الواقع المعيش بما يشهده من أحداث وقضايا مختلفة ومتنوعة وهي لذلك تعد الفن الأوسع انتشاراٍ بين الفنون الكتابية والأجناس الأدبية لدى شباب الكتاب وكذلك كبارهم ممن لهم قدم راسخة في هذا الميدان الإبداعي الكبير.
وللشكل الروائي العديد من العناصر التي ينبني عليها والتقنيات التي يستند إليها ويقوم بها في توصيله لمحمولاته وفنيته  بما يكسبه خصوصيته النوعية والتجنيسية الفارقة والمميزة ويظل قابلا لتوليد التقنيات وتجديدها بما يمنحه الديمومة والمرونة والتجاوز ويظل الروائي بدوره في كل عمل يبحث عن روح مختلفة يبثها في نصه تضمن له كينونة متفردة ووجوداٍ متجدداٍ وهذه هي طبيعة كل فن حي في أنه لا يتوقف عن التطور والسعي إلى البحث عن المختلف والمفارق والمدهش.
 ولعل تقنيات الرواية هي ما يشغل الكتاب والنقاد على حد سواء في البحث عن تقديم وتقويم المضامين الاجتماعية والإنسانية المتعددة في أشكال متجددة على مستوى الأسلوب والعرض والخطاب والمتخيل الروائي.
ولسنا في هذه المقاربة بصدد تقديم قراءة تنظيرية في تقنيات الشكل الروائي ولا نرمي إليه لأن هناك من الدراسات ما يغني عن ذلك ولكننا نسعى إلى تقديم قراءة تطبيعية لواحد من النصوص الروائية اليمنية الحديثة وفق خطوات تحليلية إجرائية لعناصر الرواية وتقنياتها بما يقوله النص وما يرويه .
حيث سنجد أن الرواية واضحة البناء تنفتح على عوالم من الدهشة في منطقة جغرافية من اليمن السعيد تشتم منها رائحة البحر وألوان أصدافه وقواقعه وتستمع إلى أهازيجه الخاصة كما ترى فيه إنسانه البسيط الأصيل بكل اقتدار وبمنتهى الفن والخصوصية إنها تمنح القارئ انتعاش المعرفة ولذة التوقع  وأفق الإمساك بجذوة المعنى في أقل عبارة وأقصر طريق لأنها رواية تشبه قواقع البحر صغيرة الحجم لكنها تحتوي على أسرار البحر جميعها وشفرته وآفاقه الممتدة.

من المويلحي حتى الشرقاوي الرواية كوسيلة للمقاومة

• إقبال بركة:
تتناول الدراسة روايات البداية للرواية العربية مثل ” حديث عيسى بن هشام” للكاتب المصري محمد المويلحي ورواية ” زينب” لمحمد حسين هيكل وكتاب ” الأيام” للدكتور طه حسين ورواية ” الأرض” لعبد الرحمن الشرقاوي وغيرها للتدليل على أنه ليس من المصادفة أن بدايات الرواية العربية جاءت مع انفجار المقاومة العربية ضد الاحتلال الأوروبي في بداية القرن العشرين وأن جيل الكتاب الصاعد في ذلك الوقت اكتشف إمكانية استخدام العمل الروائي كوسيلة للتوعية إلى جانب المنشورات والمقالات والخطب التي لعبت دوراٍ كبيراٍ في إذكاء الروح الوطنية وعلى يدي ذلك الجيل تطورت الرواية من وسيلة للتوعية إلى عمل أدبي وطني.
لقد بدأت الرواية العربية بالدعوة إلى إحياء التراث العربي القديم كمقاومة للمظاهر الاجتماعية الغريبة التي بدأت تنتشر في مصر بعد الاحتلال البريطاني ولاقت رد فعل عنيفاٍ في نفوس المصريين عامة والمسلمين بشكل خاص فعاد بعض الشعراء إلى فن المقامة واتجه الكتاب إلى فن القصة ولعل هذه البداية ما زال تأثيرها القوي ينفح الأدب العربي بموجات جديدة من الرواية التي تجمع ما بين التعليم والتوعية الوطنية وتتوغل في التاريخ للتديل على ضرورة الصمود في وجه التيارات العاتية التي تهدف  إلى ذوبان المجتمع العربي المسلم في عالم يختلف عنه في الأهداف ويتفق معه في الشكل.
وقد مرت الرواية بأطوار عديدة منذ بداياتها كوسيلة للتسلية ثم التعليمية ثم الترجمة الذاتية ثم الرواية التحليلية وقد تطورت الرواية التعليمية في القرن العشرين وأصبح هدفها تنقية الزائف من الصحيح في المظاهر الاجتماعية الغربية كما يتضح في الحوار بين الشاب والكهل في فصل العرس في حديث عيسى بن هشام وبث الروح الوطنية التي فجرها مصطفى كامل بين المواطنين وتواصلت في كتابات أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل.

أدب الاعتراف والسيرة الروائية

• آمال الديب:
انتشر مؤخراٍ مصطلح “السيرة الروائية” بشكل لافت وبالأكثر أطلق على بعض الروايات النسائية لكنني أميل إلى استخدام مصطلح آخر هو “أدب الاعتراف” حيث يعد هذا المصطلح أكثر رحابة واتساعاٍ كما يحتمل التصرْف في إعمال خيال المبدع في كثيرُ من تفاصيل العمل الروائي. ربما السيرة الروائية بأحداثه وشخوصه وإن جمِل أو غيِر بعض الملامح أو حتى يكتب عن شخصية أخرى بأحداثها وشخوصها الواقعية أيضاٍ ولكن مصطلح أدب الاعتراف يحرر الكاتب من وطأة ومسؤوليته الأخلاقية في مجتمعنا الذي ما زال منغلقاٍ على ما يجب وما ينبغي وكيف تتحول الحياة المعيشة إلى مادة للحكي!
على الرغم من أدب الاعتراف في الغرب هو أيضاٍ مادة قابلة للحكي عن شخص الكاتب أو أحداثه فإنه يستطيع أن يعترف بشكل غير مباشر أو بخلط الواقع مع الخيال مع التجريب ناسجاْ عمله بمهارة راقص باليه لا يتعثِر بتقاليد بالية ولا تشغله مردودات سلبية علة كتابته ولا يشعر بالحيرة حيال مجتمعه الذي سينعته بالجرأة الشديدة وربما الانفلات في بعض الأحيان إن كانت الكاتبة أنثى ويا للكارثة لو كانت من الجنوب أو من الريف!
نحن في حاجة إلى تعميق هذا الخيط الرفيع والاعتناء بدراسة ذلك الحقل البكر – ما زال – من حقول الرواية عربياٍ ومحلياٍ والتركيز على الشفافية الإبداعية في التناول.
وهناك نقط أساسية سأركز عليها في تلك الورقة أهمها:
– التأصيل للمصطلح.
– لماذا أدب الاعتراف لا سيرة روائية¿
– مميزات أدب الاعتراف في خدمة المجتمع.
– تدريب المجتمع على تقبِل أدب الاعتراف وامتصاصه بمرونة أكثر.

رواية الفضاء المعرفي الرواية هي نص مواز للحياة

• إبراهيم عيسى:
ليست قائمة على السرد والقص والحكاية الوجدانية وقراءة النفس الإنسانية بعلاقاتها وتعقيداتها فقط بل هي موسوعة البشر بعلمهم وتاريخهم وطقوسهم وفلسفتهم ودياناتهم.
من هنا تأتي رواية الفضاء المعرفي التي تستند على تحقيق وبحث ودراسة في العلوم أو التاريخ أو الدين أو الفنون أو أيا ما كان مجال وحقل حدث الرواية من هنا تقرأ في الرواية وخلالها أبعد من السرد وأبعد من القص.
إنها الرواية التي لا تأتي إملاء من خيال كاتبها ( المستمد حتما من واقعه) لكنها الرواية التي تمثل موسوعة الحياة بأطروحة بحثية.
رواية الفضاء المعرفي تتجاوز الرواية السردية والمغلقة على عالم أبطالها ( وكاتبها) بل تذهب لفضاء معرفي قدرة ومهارة وبراعة المبدع في أن يكون مؤلفاٍ للحقيقي وللعلمي وللتاريخي.
لا تقدم للقارئ حكياٍ وسرداٍ فقط وإن كان مشمولاٍ كل شيء بالحكي والسرد بداهة ولكنها تقدم أيضاٍ العلم ( وكل العوالم علم الحب علم) والمعارف سواء كانت رواية تدور في مجتمع الطب ( في الرواية السردية الطبيب يجري جراحة ويخرج من غرفة العمليات في رواية الفضاء المعرفى يهتم الكاتب ونرى في المكتوب دقائق العملية وتفاصيلها وطريقة إجرائها ومخاطرها) أو في مجال  التكنولوجيا فلا يمكن لمبدع بمثابة مستخدم للتكنولوجيا يصبح روائيا عنها وفيها وحولها دونها الذهاب بقوة وبعمق إلى رواية الفضاء المعرفي وهذا ينطبق على عالم اللسانيات واللغويات أو رواية دينية عن تاريخ الدين مثلاٍ  أو سياسية عن  خفايا وألاعيب السياسة وكواليس الحدث الحقيقي وتاريخه و” رواية الفضاء المعرفي” تقوم على احتشاد الروائي لجمع مادته من حقول مختلفة ومتباينة وينسج خطوطها الروائية من فضاءات معرفية  متعددة. الروائي هنا عالم بروايته.. أو لروايته.

قد يعجبك ايضا