-1-
ساحرة بمناظرها الرائعة جميلة برونقها وطبيعتها الخلابة إنها سقطرى جزيرة الأساطير والدهشة كأنما تتنزل من السماء فلا شيء يشبهها زيارتها حلم والعيش فيها لا يضاهيه أي مكان على هذه البسيطة تنوع في التضاريس وتفرد في ما تحتويه من حياة برية وبحرية وثروة ثقافية ولغوية وإنسانية وكذلك بساطة في الحياة.
الجزيرة التي تم إعلانها محافظة جديدة في أكتوبر من العام 2013م تقع في المحيط الهندي وتبعد 480 كم عن رأس فرتك في محافظة المهرة كأقرب نقطة على السواحل الجنوبية من الوطن الغالي كما تبـعـد عـن محافظة عدن بحـوالـي 885 كم صنفت كأحد مواقع التراث العالمي في عام 2008م ولقبت “بأكثر المناطق غرابة في العالم” وصنفتها صحيفة النيويورك تايمز كأجمل جزيرة في العالم لعام 2010م نظراٍ للتنوع الحيوي الفريد والأهمية البيئية لهذه الجزيرة وانعكاسها على العالم.
تسنى لي زيارتها نهاية ديسمبر من العام 2012م بصحبة عدد من الأصدقاء فكان وصولنا مطار سقطرى عند الساعة الحادية عشرة ظهراٍ ومع استعداد الطائرة للهبوط أطلنا من النافذة على منظر رائع تتداخل فيه جبال الجزيرة الراسخة بسهولها وشواطئها مع مياه البحر العربي في منظر بديع زاد من جمال الجزيرة الجذاب وكأنها ترحب بزائريها بطريقة فريدة..
أثناء خروجنا من بوابة المطار لم تكن درجة الحرارة مرتفعة وكان الجو لطيفاٍ كان في استقبالنا أحد المرشدين السياحيين يدعى “محمد عامر” وهو شخص لطيف ومثقف ولديه الكثير من المعلومات السياحية عن الجزيرة اكتسبها كونه يمارس عمل المرشد السياحي للسياح الأجانب الذين يأتون إلى الجزيرة.
-2-
أخذتنا السيارة باتجاه الشرق حيث عاصمة المحافظة حديبو قطعنا خلالها مايقارب الـ20 كم استمتعنا خلالها بمشاهدة مزارع النخيل التي ترتفع على بساط من مياه الوديان التي تأتي من الجبال المجاورة لها وذلك على يمين الطريق أما على الجهة الأخرى فقد استمتعنا أكثر برؤية الشواطئ التي تكسوها الرمال الناصعة البياض حتى أوصلنا إلى فندق “تاج سقطرى” أخذنا وجبة الغداء قرابة الواحدة ظهراٍ في المطعم الذي اتخذ جزءاٍ من الدور الأرضي للفندق وعند دخولنا الفندق وجدنا على الجدار عند جناح الاستقبال خريطة تفصيلية للجزيرة توضح المحميات البيئية والطبيعية وأسماء المدن والقرى والمحميات وبقية جزر أرخبيل سقطرى والذي يتكون من جزر سمحة ودرسة وعبدالكوري.
لم يكن عصر ذلك اليوم جيداٍ للتجول في المدينة الصغيرة أو زيارة المحميات الطبيعية الموجودة في الجزيرة وهي كثيرة بحسب ما تحدث إلينا مرافقنا بل اكتفينا بالجلوس في أحد المتنزهات التي تقع على تبة صغيرة تعلو منحدر شديد تغازلها أمواج البحر الهائجة وهي تصطدم بسفح ذلك المنحدر لم نعد إلى الفندق إلا في التاسعة مساءٍ كانت الجلسة ممتعة تعرفنا خلالها على بعض سكان الجزيرة الموجودين في ذاك المتنزه.
-3-
في صباح اليوم التالي كان مرشدنا السياحي “محمد عامر” قد أعد لنا برنامجاٍ رائعاٍ لزيارة عدد من المحميات الطبيعية حيث أخذنا الطريق محاذياٍ للساحل الشمالي للجزيرة باتجاه الغرب من العاصمة حديبو مررنا بعدة مناطق منها قرية “قاضب” التي تعرضت لكارثة سيول في بداية السبعينيات نتيجة منخفض جوي استمرت هطول الأمطار 12 يوماٍ أدى ذلك إلى تهدم المنازل ومررنا أيضاٍ على قرية “ديحمظ مزاغبهن زنوبان قشل” حتى وصلنا قرية علامة ومنها اتجهنا جنوباٍ داخل الجزيرة باتجاه محمية “دكسم” وهي أشهر المناطق في الجزيرة وأهمها كونها تحتوي على أشجار “دم الأخوين” ارتفعت بنا السيارة إلى أعلى هضبة في الجزيرة حيث تقع عليها هذه المحمية شاهدنا أشجار دم الأخوين وقد أخذت من الزمن عتياٍ تجولنا بين تلك المساحات التي تقطنها هذه الشجرة الفريدة حتى وصلنا إلى إحدى المزارع المحاطة بالسياج والتي قام فيها أحد الأساتذة الأكاديميين من إحدى الجامعات التشيكية مع فريق من طلابه بزراعة هذه الشجرة حيث لاحظ أثناء زياراته المتكررة لجزيرة سقطرى بأن معظم أشجار دم الأخوين متقدمة في العمر ولم يلاحظ أي شجرة في طور النمو فقام برحلة مع طلابه إلى الجزيرة وقام بإنشاء مزرعة تم إحاطتها بسور من الأسلاك وقام بزراعة شتلات صغيرة من هذه الشجرة.
شاهدنا خلال تجولنا على تلك الهضبة تجمعات سكانية متناثرة على قرى تقبع على مناطق مختلفة يعيشون على الرعي واستخلاص المواد من شجرة دم الأخوين لبيعها لمن يحتاجها للتطبيب سواء من سكان الجزيرة أو من زوارها حيث تستخدم لأعمال التجميل وغيرها من الاستخدامات الأخرى.
-4-
بعد استمتاعنا بالمناظر الرائعة عدنا من هناك لنواصل مسيرنا نحو مديرية قلنسية وهي المديرية الثانية في جزيرة سقطرى بعد مديرية حديبو وتمتاز هذه المديرية باحتوائها على عدد من المحميات الطبيعية والشواطئ الجميلة والرائعة التي تكسوها الرمال البيضاء الناعمة وقد تتجاوز هذه الرمال أماكن على الشواطئ لتكسو التلال الجبلية الرابضة بالقرب منها تجعل الزائر يتمتع بأرقى وأجمل أنواع المناظر الطبيعية الخلابة.
قبل أن نصل إلى هذه المديرية مررنا بمزارع لشجرة اللبان ويقول مرافقنا “محمد عامر” إن جزيرة سقطرى تحوي سبعة أنواع من اللبان من أصل 27 نوعاٍ في العالم وهناك دراسة حول النوع الثامن عند وصولنا إلى مدينة قلنسية كانت أصوات المآذن قد تعالت في الأجواء معلنة دخول وقت صلاة الظهر فتناولنا طعام الغداء في أحد المنازل تعرفنا خلال ذلك على عدد من الشخصيات في سقطرى ومن ثم ذهبنا إلى “محمية ديطواح” القريبة من قلنسية وهذه المحمية تحوي أجمل الشواطئ في سقطرى وفي إحدى العشش المصنوعة من جذوع النخيل ومغطاة بقصب وهي مغلقة من ثلاث جهات ومفتوحة من جهة البحر حيث جلسنا فيها حتى مغيب الشمس تحادثنا مع عدد من أبناء الجزيرة وتعرفنا على عدد من الشعراء الذين يجيدون الشعر باللغة العربية وباللغة السقطرية التي تميز الجزيرة فأبناء سقطرى يتفاخرون بهذه اللغة ويهتمون بها وقد أنشأوا “جمعية سقطرى للتراث والتاريخ” تقوم برعاية التراث السقطري من شعر وفلكلور وتاريخ وغير ذلك فالجزيرة غنية بكل شيء وخلال الجلسة ألقى بعض الشعراء الشباب عدداٍ من القصائد باللغة السقطرية.. صحيح أننا لم نفهمها إلا أننا استمتعنا بنظمها الرائع.. غادرنا مديرية قلنسية عند الغروب لنعود إلى محل إقامتنا في حديبو لنستعد في المساء لحضور مهرجان الشعر السقطري الذي يتم فيه اختيار شاعر سقطرى والذي تنظمه جمعية سقطرى للتراث والتاريخ كل عام.
-5-
إن الجزيرة بأبنائها يرحبون بالقادمين إليها, فالأمن والأمان والاستقرار هو شعار الجزيرة على مدى الزمن لهذا فالسياح يقبلون عليها دون غيرها من المناطق وإن كانوا خلال الفترة الماضية قد انخفض عددهم لعدة أسباب ومنها ارتفاع أسعار تذاكر الطيران كما أفادنا بذلك العاملون في السياحة في الجزيرة.
فالكل يشعر بالأمان حتى الحيوانات التي تتجول في الطرقات وعلى حواف المدن وداخلها ترتعي دون راعُ يحميها من السرقة وحتى على الطرقات بين المناطق.
وما يمكننا أن نقوله إلاٍ أن هذه الجزيرة إنما هي جوهرة لابد من الاهتمام الكامل بها في كل الجوانب التنموية والحياتية وإيجاد بنية تحتية متكاملة من طرقات وصحة واتصالات وتعليم وثقافة ورفع مستوى السكان معيشياٍ لتظل سقطرى الجوهرة المضيئة في المحيط الهندي على مدار السنون والأعوام.
في صباح اليوم الثالث كان علينا أن نستغل فترة الصباح لمشاهدة أماكن أخرى في الجزيرة خاصة بعد أن تحدد موعد رحلة العودة في الرابعة عصراٍ فأخذنا “محمد عامر” صديقنا ومرشدنا في الجزيرة إلى أحد أفضل الشواطئ الموجودة في الجزيرة باتجاه الشرق من مدينة حديبو فكان أفضل ما اختاره لنا قضينا أمتع الأوقات في ممارسة السباحة مستمتعين بماء البحر الصافي ورمال الشاطئ البيضاء وأمواج البحر الخفيفة بعد ذلك عدنا إلى الفندق كي نجهز أنفسنا للعودة إلى صنعاء.