الهوية الوطنية والعولمة

يعيش العالم اليوم في زمن العولمة. وهذا ما يطرح الكثير من الأسئلة حول مفاهيم «المواطنة» و«الوطنية» و«الهوية». وهناك نقاش واسع حول مفاهيم تتعلق بـ«الأمم» وبـ«النزعات القومية». لكن هذا لا يمنع واقع أن ما كتب عن هذه المسائل قليل جدا بالقياس إلى ما اثارته من نقاشات.
وتحت عنوان «فهم الهوية الوطنية» يدرس «دافيد ماكرون» أستاذ علم الاجتماع في جامعة «ادنبرة» في اسكتلندا و«فرانك بيشوفر» الأستاذ في نفس الجامعة مختلف المسائل المتعلقة بـ«الهوية الوطنية» من خلال دراسة أحد أكثر النماذج تعبيرا عنها في العصر الحديث ويقصدان «المملكة المتحدة» التي تتألف واقعيا من اندماج أربعة «أمم» هي إنجلترا واسكتلندا وبلاد الغال وأيرلندا الشمالية.
ويعتبر المؤلفان أن الحالة البريطانية تمثل نموذجا هاما لدراسة «الهوية الوطنية» التي تشكل أحد المفاهيم الأساسية في دستور هذه البلاد. ذلك أن كل من يحملون جنسية المملكة المتحدة يتم تعريفهم قانونيا كـ«مواطنين بريطانيين» وهم يحملون جواز سفر بريطانيا.
لكن من جهة أخرى هم «ينتمون» إلى أحد الأمم الأربع التي تتألف منها حاليا الدولة البريطانية. اي انجلترا واسكتلندا وأيرلندا الشمالية وبلاد الغال. والإشارة في هذا الإطار أن كلا من «الأمم الثلاث الأخيرة» تتمتع بـ«هامش سلطات» و«نوع من الاستقلال الذاتي» يختلف من حالة إلى أخرى.
وفي إطار مثل هذا التمييز بين أن يكون المرء «مواطنا» في دولة وأن يكون «وطني الانتماء لها» يرى المؤلفان أن هناك «تباينا» بين مفهوم «الأمة» وبين «الانتماء القومي». هذا خاصة أن كثرا من الإيرلنديين الشماليين على سبيل المثال يعتبرون أنفسهم «إيرلنديين» قبل أن يكونوا بريطانيين أو ربما يعتبرون أنفسهم ايرلنديين تحديدا وحصرا.
ويولي المؤلفان اهتماما كبيرا لدراسة التباين بالنسبة للاسكتلنديين في علاقتهم مع الأمة الإنجليزية. ويعود المؤلفان كثيرا إلى التاريخ ويشرحان أن الدولة البريطانية تشكلت في القرن الثامن عشر وأنها كانت واضحة المعالم إلى حد كبير من حيث مكوناتها الأساسية. لكن الحداثة بـ«نسختها» التي سادت في النصف الثاني من القرن العشرين عرفت تطورا كبيرا لما عرف تحت تسمية «التعددية الثقافية».
ويشرح المؤلفان على مدى العديد من الصفحات أنه غدا هناك عدد قليل من المجتمعات التي يمكن توصيفها بـ «الدول ــ الأمم». من هنا يطلقان على المملكة المتحدة أنها «متعددة الهويات الوطنية ومتعددة الثقافات.
وفي إطارها تتصالح بصعوبة الهويات الإثنية والقومية مع مفهوم المواطنة».
وفي المحصلة يدرس المؤلفان «الحالة البريطانية» كأحد النماذج البليغة لـ«تشظي» مفهوم «الهوية الوطنية» على قاعدة المسار التاريخي الخاص بكل حالة وتبعا لمكونات الانتماء الإنجليزي أو الاسكتلندي أو الأيرلندي أو الغالي ــ من بلاد الغال. لكن أيضا تبعا للون البشرة من بيضاء أو سوداء أو سمراء ــ ذوي الأصول الهندية والباكستانية وغيرهم من مختلف بلدان «الكومنولث».

قد يعجبك ايضا