قل لي كيف ترتب مكتبتك أقل لك من أنت. كانت تلك إحدى المقولات التي تتردد كثيرا في «الصالونات الأدبية» في فرنسا منذ القرن الثامن عشر المعروف بـ «قرن التنوير» أو «عصر التنوير». لكن العالم يعيش اليوم عصر الثورة الرقمية.
الكاتب والباحث والمؤرخ دانييل ميناجيه يقدم في كتابه الذي يحمل عنوان «قصة المكتبة» تاريخ المكتبة كما يشير عنوانه. وهو لا يتحدث عنها بوصفها مجموعة من الرفوف التي تحتوى عشرات وربما مئات بل آلاف الكتب «الجامدة». بل هو بالأحرى يؤرخ لها على اعتبار أنها «مكان للأحلام» و«للأسرار» هذا إلى جانب ما تولده من «مشاعر وأحاسيس تكاد تكون ملموسة».
ولا يولي المؤلف اهتمامه الأساسي للحديث عن مكتبات العالم الكبرى الشهيرة في الماضي. ولا للحديث عن المآسي التي عرفتها بعض المكتبات مثل مكتبة الإسكندرية لكن اهتمامه الرئيسي هو تلك المكتبات التي وصفها الروائيون والمبدعون في أعمالهم خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ويعود المؤلف في تأريخه للمكتبة إلى عدة قرون.
وينقل الكثير مما قاله وكتبه الأدباء منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم عن المكتبة وعالمها.. وفي عودة سريعة إلى مطلع القرن السادس عشر يجد القارئ نفسه برفقة الفيلسوف «ميشيل مونتين» الذي رأى في المكتبة «مكانا مظلما مكرسا لتكديس الكتب وللأفكار وللمعارف الحبيسة بين جلود سميكة».
ويكرس المؤلف الكثير من صفحات هذا الكتاب التي يفوق عددها الثلاثمئة صفحة للحديث عن المكتبات بمعنى مختلف عن رؤية المكتبة كـ «مكان مظلم وسري» ليقدم كيف ظهرت صورتها كـ «مكان للحياة» في الأعمال الأدبية الشهيرة خلال القرون المنصرمة.
ومن القراءات التي يقدمها المؤلف للمكتبة تلك التي تمثل فيها مؤشرا للتعبير عن مزاج صاحبها وعن علاقته بالعالم الخارجي من خلال «ما يدخلها من النور» في الخارج. الكاتب الكبير «اناتول فرانس» اختار لمكتبته حجرة فيها «ست نوافذ» بينما تعمد «هنري جيمس» أن لا يكون في حجرة مكتبته سوى «نافذة» في الزاوية حيث يمكن للضوء أن «يكسر العزلة الكاملة» ويشجع بالوقت نفسه «العودة إلى أعماق الذات».
أما الشاعر والروائي الكبير فكتور هوغو فقد «أبقى على الهوية التي أعطاها لمكتبته سرا».