العلماء: الأغنياء مستخلفون في مال الله وعليهم مواساة الفقراء

في هذا العصر عصر الثروات الهائلة والبؤس المزري نجد أناساٍ يعيشون في ترف حياتي يلعبون بالملايين وتقتلهم التخمة ونجد آخرين لا يكادون يجدون لقمة العيش وإن وجدوها كانت بشق الأنفس يعيشون في بيوت الإيجار بل وفي العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء يمزق أحشاءهم الجوع ويهدْهم المرض يتجرعون مرارة الحاجة وتغص حلوقهم بذلة المسكنة.
إن للفقر أبناءٍ كثيرين .. وإن له صوتاٍ يعلو ويرتفع .. وهناك أذن لا تسمع وعين لا تبصر ..فما أثر الفقر على الفرد والأسرة والمجتمع وما واجب الأغنياء نحو الفقراء وكم هي معدلات الفقر في اليمن وما أسبابه وكيف نواجهه.
* هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على عدد من علماء الإسلام ودعاته وفي ما يلي نعرض ما أفادونا به عن هذا الخطر الذي يهلك الحرث والنسل..

في البدء تحدث إلينا الشيخ معاذ أحمد الخميسي إمام وخطيب مسجد عمر قائلاٍ: بعد أن كان عبر التاريخ يْعرف باليمن السعيد وأرض الرخاء والسعادة أصبح اليمن اليوم أفقر دولة عربية يعاني سكانه من الفقر والبطالة والحروب الداخلية فمنذ اندلاع الأزمة السياسية مطلع فبراير الماضي سجلت معدلات الفقر والبطالة بحسب التقارير نمواٍ كبيراٍ وصل إلى أكثر من 65٪ وذلك نتيجة للأوضاع الأمنية وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية إضافة إلى انتشار البطالة بين المواطنين بعد تسريح الشركات والمؤسسات التجارية والاقتصادية والخدمية لآلاف من الموظفين حتى وصل عدد العاطلين بسبب الأزمة السياسية إلى أكثر من مليون عاطل معظمهم من العاملين في قطاع البناء والسياحة , وقد ساهم تدهور الوضع الاقتصادي في اليمن في دخول مئات الآلاف من الأسر مرحلة الجوع مما دفع بالكثير من أرباب الأسر المحتاجة إلى التسول لسد حاجة عائلاتهم للغذاء وهي أزمة كان بالإمكان تفاديها لو تم الاهتمام بالتحذيرات التي أطلقتها المنظمات الدولية حول تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن , فقبل سنوات حذرت الأمم المتحدة وكذلك العديد من الخبراء , والمختصين في الشأن السياسي والاقتصادي من تدهور الأوضاع في اليمن , ومن اتساع رقعة الفقر ومن حدوث كارثة غذائية بسبب تصاعد وتيرة الأزمة الاقتصادية والارتفاع المخيف لأسعار السلع والخدمات ولكن بقيت تلك التحذيرات بلا آذان صاغية سواء من قبل الحكومة أو الدول المانحة للمساعدات.
وكشف تقرير برلماني يمني عن ارتفاع معدلات الفقر في اليمن إلى 42,8٪ في العام 2010 م مقارنة بمعدل 33,8٪ عام 2009 م وقد نشر البنك الدولي عام 2010م تقريرا عن معدلات الفقر في اليمن, وأن الاستهداف النموذجي للفقراء في اليمن يتطلب فقط 124,4 مليار ريال سنوياٍ نحو 4٪ من إجمالي الناتج المحلي لسد الفجوة بين الإنفاق الفعلي للأسر الفقيرة وخط الفقر, وتتوقع المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن أن يسوء الوضع خلال العام الجاري إلا إذا تلقت تمويلا مناسبا يساعد في مواجهة الأزمة اليمنيون الآن أمام تحد صعب يستلزم منهم توحيد الصف ونبذ الخلافات جانباٍ وتعاون جميع الأحزاب السياسية مع الحكومة لمواجهة الأزمة السياسية والإنسانية, ويجب على أصحاب الأموال والتجار أن يعرفوا آلام ومعاناة وتوجع الفقراء, فالفرح لحسن حال المسلمين والتوجع لآلامهم ومعاناتهم ترجمة صادقة لمعنى الجسد الواحد الوارد في حديث النبي: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” وكم تكون سعادتنا غامرة حين يكون حب الخير هم الجميع.
يقول ابن عباس: “إني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمينº فأفرح ومالي به سائمة” .
إخراج الزكاة
أما الدكتور خالد الحداء أستاذ اللغة العربية بجامعة عمران فيؤكد أن الزكاة في شريعتنا أكبر ضمانة للقضاء على الفقر والحاجة في المجتمع والزكاة حق والصدقة فضل وكلاهما دين وخلق ولا مفر من وجود فقراء في المجتمع وقد فرض الله تعالى في أموال الأغنياء القدر الذي يسع الفقراء ولن يجهد الفقراء إلا إذا بخل الأغنياء كما نطقت بذلك الآثار وما اليد المعطية واليد الآخذة إلا يدان لشخصية واحدة كلتاهما تعمل لخدمة تلك الشخصية ولا خادم ولا مخدوم وإنما خادمان لشخصية واحدة هي “شخصية المجتمع” الذي لا قوام له ولا بقاء إلا بتكامل هاتين اليدين على خيره وبقائه. والقرآن الكريم يذكر الأغنياء بحقيقة لا ينبغي أن ينساها أو يتناساها كل من ابتلي بنعمة المال والسعة فالمال مال الله وهو عطاء الله للأغنياء وهم مأمورون بالعطاء منه للفقراء يقول تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ويقول أيضٍا: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه).

ويضيف الحداء: إن الزكاة على وجه الخصوص في هذا الباب ما هي إلا صرف بعض أموال الأمة ممثلة في أغنيائها إلى الأمة نفسها ممثلة في فقرائها أو هي نقل الأمة بعض مالها من إحدى يديها إلى اليد الأخرى ومن المقرر فقهٍا أن من مات جوعٍا بعلم جيرانه فِديِتْه على أهل الحي وكذا من مات عطشٍا. وروى الحسن أن رجلاٍ أتى أهل ماء فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات فأغرمهم عمر الديِة فكيف يستطيب الأغنياء التلذذ بالنعم وفي مجتمعاتهم آلاف الجوعى – إن لم نقل الملايين – يبيتون على الطوى وفيها المريض الذي لا يجد ثمن الدواء أو الفحص والأرملة التي تتوجع لصغارها ضيقٍا لا تستطيع حيلة ولا تهتدي سبيلاٍ والعاري الذي لا يجد ما يستر بدنه والذي يفترش الأرض ويلتحف السماء في العراء بلا مأوى ولا مسكن وغيرهم. وقد صح عن النبي قوله: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) ومن ترك أخاه يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد أسلمه.
وصح عنه أنه قال: (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له) ثم قال الراوي أبو سعيد الخدري: (حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في فضله)
ولما دهمت المجاعة الجزيرة العربية في عهد عمر بن الخطاب قال: (لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على أهل كل بيت عدتهم – مثل عددهم – فيقاسموهم أنصاف بطونهم لفعلت فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم), يقول علي بن أبي طالب : (ليس الخير أن يكثر مالك ولكن الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك ولا خير في الدنيا إلا أحد رجلين: رجل أذنب ذنوبٍا فهو يتدارك ذلك بتوبة أو رجل يسارع في الخيرات ولا يقل عمل في تقوى وكيف يقل ما يتقبل).
ليس من الخير أن يكثر مالك دون أن تستعمله في الخير بل الخير أن تسارع به في الخير تضرب في كل فضل بسهم وتعود من كل برُ بغنيمة لا يفوتك مشهد من مشاهد العطاء ولا تفتقدك مواطن البر والوفاء.

أيها الغني إن لم تكن من الذين يْسِخرون النعم لمنافع العبادº فما أتعسك! وإن لم تبذل في حاجات المحتاجينº فاحذر زوال النعم واعلم أن في مالك حقٍا للسائل والمحروم إن لم تقم به قام به غيرك وآلت أموالك إلى البوار وتعامل مع المال وفق رؤية القرآن فهو وإن كان باسمك ظاهرٍا فإن حقيقة ملكيته لله.

الإيمان والنفقة قرينان
وليعلم الغني أن الإيمان مقرون بالنفقة حتى أنك لا تكاد تجد ذكرٍا للإيمان في القرآن الكريم إلا مقرونٍا بالإنفاق في سبيل الله ومن ذلك على سبيل المثال: قول الله عز وجل: )الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون), وكذلك قوله سبحانه : (الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون), وفي سورة الحجرات يرتبط ذكر الإيمان بالنفقة في سبيل الله في قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) ليعلم الأغنياء أن سعادتهم مرهونة باجتياز العقبة وتأمل معي قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيمٍا ذا مقربة أو مسكينٍا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة) وقوله تعالى: (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون)
وينوه إلى أن هذا الأسلوب يضع الإنفاق في سبيل الله وإطعام الفقير المحتاج موضع العقبة والحاجز الذي لابد من اقتحامه ليصل الإنسان إلى سعادته إن لم يكن بنفسه فبحض القادرين عليه وإرشادهم إليه وقد وردت عشرات الآيات في القرآن الكريم ترغب في الإنفاق في سبيل الله وتعد عليه الأجر الجزيل والثواب العظيم من ذلك: قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضٍا حسنٍا فيضاعفه له أضعافٍا كثيرة} وقوله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم), وقوله تعالى: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتٍا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير).

إدخال السرور على المسلم
من العادات الاجتماعية المهمة التي يتعدى نفعها ويمتد أثرها نفع الناس ومن أحب الأعمال التي يْتقرب بها إلى الله إدخال السرور على القلوب بأية وسيلة وبأية صورة وبأي لون من ألوان القربات وهذا هو جوهر رسالة الإسلام.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : “أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن تكشف عنه كربٍا أو تقضي عنه دينٍا أو تطرد عنه جوعٍا”. وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبي قال: “من نِفِس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلمٍا ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” وقد نذر الصالحون أعمارهم لفعل الخير وتمنوا لو طالت بهم الآجال في قضاء حوائج الناس.
قال المرداس بن حدير: (يا ليت لي نفسين: نفسٍا تجاهد في سبيل الله ونفسٍا تسعى للمسلمين في حوائجهم) ولقد طرق سلفنا الصالح أبواب الخير كلها وكان لهم في كل ميدان من ميادينه أثر كريم حتى لا تكاد تجد بابٍا من أبوابه..

قد يعجبك ايضا