ضـحــايـا الـحـقـيـقـة !!

للحوادث والقضايا الأمنية ضحايا دائماٍ ولمصادر معلوماتها وأخبارها أيضاٍ ضحايا .. ذلك ما لا يعلمه كثيرون أن صحافة الأخبار والقضايا الأمنية تخلف من دون قصد أو نية ضحايا يتجاوزون من يتعرضون للحوادث أو يكونون أطرافاٍ في القضايا وتتخطى الصحافيين والمحررين إلى المصادر الأمنية والقضائية نفسها.
حدث هذا مراراٍ طوال 10 سنوات كاد خلالها ملحق”قضايا وناس” يخسر كوادره كما خسر كثيرا من مصادره المختصة الموثوقة والشريفة على ندرتها وخسرتهم مرافقهم وهيئاتهم التي كانوا يعملون فيها بصدق وإخلاص. فكان كثير ممن  أمدوا الملحق بالمعلومات “ضحايا للحقيقة” .

كثيرون لا يعرفون شيئا عن “ضحايا الحقيقة” هؤلاء لكنهم يستحقون أن يعرف الجميع ما دفعوه ثمنا لاعتمادهم الشفافية في إدارة أعمالهم والنزاهة في أداء واجباتهم الوظيفية وما لحق بهم جراء تعاونهم مع الملحق بالمعلومات انحيازاٍ منهم إلى الحقيقة وإيماناٍ منهم بأهمية كشفها ونشرها.
لم يقتل هؤلاء الضحايا أو يعتقلوا – والحمد لله – لكن بعضهم كاد يقتل وهدد بذلك والبعض عوقبوا على إتاحة المعلومات للملحق ودفعوا ثمناٍ باهظاٍ لكشف الحقيقة ما بين خسارة وظائفهم توقيفا أو عزلاٍ منها أو إقصاء ونقلاٍ وربما خسروا أيضاٍ ترقياتهم الوظيفية التي يستحقونها.
فعلياٍ لم يكن هذا استغلالاٍ لعلاقات شخصية مع المصادر أو انتهازاٍ لتعاونها الكريم. فالملحق يؤمن يقيناٍ بحرية الصحافة وسيادة القانون الذي ينص أن “الصحافة حرة فيما تنشره وحرة في استقاء الأنباء والمعلومات من مصادرها وهي مسؤولة عما تنشره في حدود القانون”.
سعى”قضايا وناس” للتعامل مع المصادر المختصة والمخولة ولأنه بحسب القائمين عليه “تأسس ليكون معنيا أكثر من غيره بمساندة أجهزة الأمن والقضاء وسيادة القانون” كان طبيعيا أن يختار التحقيق ولغة المعلومات واليقين على التلفيق ولغة التكهنات والتخمين.
المعلومات حقاٍ
نظرياٍ قانون الصحافة اليمني يكفل “للصحفي حق الاطلاع على التقارير الرسمية والحقائق والمعلومات والبيانات وتْلزِم الجهة المتوفرة لديها بتمكينه من الاطلاع عليها والاستفادة منها” (16). ويكفل أيضاٍ ” للصحفي الحق في تغطية أي حدث محلي أو عربي أو عالمي” 17) .
لكن الواقع ظل مختلفاٍ فليس متاحاٍ ولا سهلاٍ الحصول على المعلومات بشأن مختلف الأحداث والقضايا ويزداد الأمر تعقيداٍ وصعوبة محليا مع الأحداث والقضايا ذات الطابع الأمني أو القضائي يقابل السائل عنها بتكتم مطبق يستوجب أن يجاهد حتى يحصل على اليسير من مرامه.
تلك هي العادة السائدة محلياٍ جراء تحفظات ذاتية من جانب المختصين وتعقيدات قانونية من جانب المشرعين. قانون الصحافة والمطبوعات اليمني رغم كونه الأكثر كفلاٍ لحرية الصحافة والتعبير إقليمياٍ إلا أنه يضع حواجز عدة لا تسعف صحافة الحوادث والقضايا.
الاطلاع فقط على مواد الباب الخامس من قانون الصحافة يكشف كم أن العمل في جمع ونشر الأخبار ذات العلاقة بالأمن والقضاء محفوف بالأخطار و”المحظورات” لدرجة تبدو معها القضايا الأمنية ساحة محاطة بالأسوار ومغلولة بالسلاسل ومزروعة بالأشواك لا بالورود!.
تضحيات وضحايا
ومع أن القانون نفسه يلزم “الصحفي بالحصول على المعلومات والحقائق من مصادرها الموثوقة ونقلها إلى الجماهير نقلاٍ صادقاٍ وأميناٍ وإيصالها السريع وعدم حجبها” (23) إلا أن الالتزام بذلك ارتد عكسيا على “قضايا وناس” وعلى كثير من هذه “المصادر الموثوقة”!.
لم يخل الأمر من تضحيات وضحايا وقوبل التزام “قضايا وناس” باستقاء المعلومات من الجهات المعنية والمصادر المخولة  باستهداف كادره ومصادره لنشرها المعلومات وخسرت المرافق المختصة والملحق كثيراٍ من المصادر المسؤولة وتحديدا أكثرها شفافية ونزاهة!.
حدث ذلك رغم أن قانون الصحافة يكفل “للصحفي الحق في الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات من مصادرها وله حق نشرها أو عدم نشرها والاحتفاظ بسرية مصادر معلوماته ولا يجوز إجباره على إفشاء مصادره طبقاٍ لأحكام هذا القانون” (14 .
نماذج مشرفة
كثيرة هي النماذج لكن أبرزها بحسب القائمين على “قضايا وناس” ربما كان رئيس مصلحة السجون والإصلاحيات اللواء محمد علي الزلب. بدا الرجل جادا في نية الإصلاح وشفافا في كشف نواحي التقصير ومواطن الخلل. إيمانا بأن “المكاشفة الخطوة الأولى للمعالجة والتغيير” حد تأكيده.
وحين تعرض السجن المركزي في العاصمة صنعاء لهجوم واقتحام إرهابي من تنظيم القاعدة لتهريب عناصره كشف الزلب للملحق رسائل إبلاغ مبكر لقيادة وزارة الداخلية بارتفاع التهديدات وطلب تعزيز الحماية والحواجز الاسمنتية فعوقب بإقالته وليس قيادة الوزارة المهملة!!.
كذلك يأتي بين أبرز ضحايا الحقيقة من “المصادر المخولة” التي عوقبت على نشرها المعلومات مدير أمن العاصمة صنعاء السابق العميد عصام جمعان على خلفية تصريحه لمحرر الملحق وائل شرحة ببيانات سيارة مشتبهة في استخدامها لتنفيذ عملية اغتيال أمام وزارة العدل.
نشر “شرحه” خبراٍ بمواصفات السيارة المشتبهة فيها وبياناتها وأثار النشر امتعاض نافذين في وزارة الداخلية حينها أرغموا قيادة الصحيفة على نشر تكذيب وسعوا في إقالة مدير الأمن وتعيينه في إدارة المرور قبل أن يأتي شاهد أكد الاشتباه وصحة المعلومات بعد أشهر على النشر.
كان هذا الشاهد أمنياٍ أيضاٍ ولكن على مستوى أرفع من المسؤولية هذه المرة فتضمن تقرير صادر عن اللجنة الأمنية العليا تأكيداٍ لمواصفات السيارة المشتبهة فيها نفسها وبياناتها وأنها استخدمت في تنفيذ عملية تفجير إرهابي في منطقة الرحبة شمال العاصمة صنعاء!.
استهداف الكادر
كادر “قضايا وناس” هو الآخر لم ينج من الأخطار والعقوبات التعسفية على نشره الحقيقة حتى بعد تثبته منها واستقائه لها من مصادرها المعنية والموثوقة فتعرض عدد من محرريه مراراٍ للتهديدات والاعتداءات والتوقيف التعسفي عن العمل ومحاولات الاعتداء والقتل أيضاٍ.
نماذج هذا الاستهداف “أكثر من حصرها” حسب تأكيد فريق   “قضايا وناس”. لعل أبرزها تعرض الزميل محمد العزيزي لمحاولة اغتيال في جولة الحباري بالعاصمة صنعاء على خلفية كشفه عن سجون غير قانونية في مديريتي الثورة ومعين وإحالة مديريها إلى نيابة شمال الأمانة.
ورغم أنه “لا تجوز مساءلة الصحفي عن الرأي الذي يصدر عنه أو المعلومات الصحفية التي ينشرها وأن لا يكون ذلك سبباٍ للإضرار به ما لم يكن فعله مخالفاٍ للقانون” (13). إلا أن “ضغوط النافذين” ظلت تترصد بكادر “قضايا وناس” أمام قوة مصداقية أخبارهم ومصادرها.
آخر ذلك توقيف قيادة الصحيفة المحرر في الملحق وائل شرحه عن العمل أمام ضغط نافذين في وزارة الداخلية قبل عام على خلفية انفراده بنشر خبر استقى معلوماته من مدير أمن العاصمة السابق العميد عصام جمعان تضمن بيانات سيارة مشتبه باستخدامها في عملية اغتيال!.
الحقيقة تستحق
يؤكد الزملاء في ملحق “قضايا وناس” أن الحقيقة تستحق المثابرة والتضحية لكشفها أمام الرأي العام مهما كانت العواقب. ما يستدعي قول الشاعر أحمد شوقي “وللحرية الحمراء باب .. بكل يد مضرجة يدق” باعتبار أن الحقيقة هي جناحا الحرية المسؤولة وإطارها الناظم.

قد يعجبك ايضا