حين كانت السعودية تخطط منذ شهور مضت للاعتداء على اليمن والقضاء على خيرات الشعب اليمني كانت فكرة تدمير اقتصاده ومقدراته البشرية والعسكرية تحتل رأس الأولويات العدوانية لها ولتحالفها الظالم مع الغير وهو ما يتم بالفعل على مدى 60 يوما مضت ضمن أكبر عدوان همجي عرفه العصر الحديث إذ لم يراع الحقوق الاقتصادية لمجتمع يزيد سكانه عن 25 مليون نسمة واليوم وبعد العدوان المتواصل بالقصف والتدمير والحصار البحري والبري والجوي على اليمن يجد المواطن اليمني نفسه مذهولا من سكوت العالم وتغاضيه عن جرائم ترتكب في حقه وباتت تشكل تهديدا على حياته ومستقبله الاقتصادي .. وها هو يخشى من أن يكون الموت مصيره طالما لم يفك الحصار عنه.
الحصار جَرم
يذكر التاريخ أن أول حصار اقتصادي فرض على شعب كان في القرن الثالث عشر قبل الميلاد حين أراد ملك آشوري إخضاع مناطق في وسط بابل لحكمه واستمر الحصار شهورا أودت بحياة الآلاف من سكان تلك المنطقة قبل أن يدخلها عنوة وفي العصر الجاهلي تعرض العرب لعدة حملات من الفرس والروم وأودت بهم نحو الهلاك بعد حصار اقتصادي استمر شهوراٍ.
وفي عصر النبوة كان كفار قريش سباقين للأخذ بنظام الحصار الاقتصادي على الغير وفي تلك المرة استعملوه ضد الرسول الأعظم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله فضربوا حصاراٍ عليه وعلى من أسلم معه ومن والاه من أسرته من بني هاشم وتضمن الحصار منع البيع والشراء منهم ومبادلة أو تسليم أي مواد غذائية أو سلعية منهم واليهم ومنع الزواج منهم وأخيراٍ منع الحديث معهم وكل ذلك استمر لمدة ثلاث سنوات ذاق المحاصرون في شعب بني هاشم مرارة الجوع والمرض وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعصب على بطنه ويضع حجرا فيها لتقيه مرارة الجوع لكن الله أفشل حصارهم واضطروا مجبرين على فكه إذ لم يحقق أي هدف لكفار قريش بل ازداد عدد المسلمين وقويت شوكتهم فانقلبوا خاسئين.
اليمنيون محاصرون
يستنكر خبراء القانون الدولي وخبراء الاقتصاد كيف أن شعب اليمن الذي يزيد عدد سكانه عن 25 مليون نسمة تعرض لحصار اقتصادي ظالم من دولة مجاورة لها نفس ما لليمن من حقوق وواجبات دولية وكيف تمنع عنه الواردات الغذائية ومشتقات النفط والسلع الضرورية والأدوية ومستلزمات الأطفال والمواد الخام الخاصة بالصناعة والزراعة والنقل فهذا إجراء لم يتم من قبل سوى من دول منفردة ضد دول بمقدار أن تمنع عنها منتجاتها فقط كما تفعل الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وإيران أما أن تقوم دولة بتحالف عدة دول بفرض حصار على دولة أخرى فلم يتم في العصر الحديث بهذا المستوى الظالم وغير الإنساني والقانوني.
آثار
الحصار الاقتصادي المفروض على اليمن أثر بشدة على الشعب اليمني وحسب دراسة ميدانية لمركز الاقتصاد والناس بصنعاء فقد تأثرت الأوضاع الاقتصادية بشدة إذ انعكس بصورة مباشرة في الأسعار على السلع نتيجة لانعدام المشتقات النفطية وعدم السماح بدخولها إلى السوق ويقول التقرير إن انعدام المشتقات النفطية والانطفاءات الكهربائية المستمر أدى الى فقدان قطاع النقل نشاطه بنسبة 70% وهذا جعل الإمدادات للسوق اليمنية غير منتظمة مما أدى لارتفاع الأسعار في المواد الغذائية بنسبة تصل الى 50% خلال الشهرين الماضيين.
كما أسهم الحصار في توقف نشاط النقل الجوي لليمن وتقدر الخسارة في هذا القطاع بحوالي نصف مليار دولار ويمكن أن ترتفع الخسارة لنحو ملياري دولار مع حصار أضرار البنية التحتية التي تعرضت لها المطارات والشركات الناقلة والأساطيل اليمنية وشركة السعيدة حين قصفت منشآتها في المطارات اليمنية في صنعاء والحديدة وعدن وتعز.
الغاز
تسبب الحصار الاقتصادي والعدوان الهمجي من قبل طيران العدوان السعودي الأمريكي على اليمن لتوقف إمدادات الغاز المنزلي من مارب بصورة مخجلة فالقبائل المتحالفة مع العدوان السعودي تمنع وصول قاطرات الغاز الى صنعاء وهذا جعل السوق اليمني يعاني من شحة المعروض من أسطوانات الغاز المنزلي حتى ارتفعت الأسعار إلى 5000 ريال اليوم في السوق السوداء وهي غير متوفرة بعد أن كانت بـ2000 ريال ووجد المواطنون أنفسهم في موقف محرج من هذا الارتفاع الجنوني كما تسبب الحصار الاقتصادي البحري في عدم السماح لشحنات الغاز المستوردة من الدخول إلى اليمن وتسبب الدمار لمنشآت مصافي عدن في توقف الإمدادات منها.
الشعب صابر
يلجأ الشعب اليمني إلى الدعاء للمولى عز وجل أن يفرج عنه ما أصابه من حصار ظالم من العدوان السعودي ويؤكد مواطنون أن الحصار عمل غير أخلاقي ويتنافى مع أبسط مقومات الدين والأخلاق العربية والدوليةلكن الاستغراب الأكبر يبقى في سؤال مطروح حول موقف تلك الدول التي تنادي بحقوق الإنسان والديمقراطية وكيف أن شعاراتها وأدبياتها منذ قرون اختفت حين تعرض الشعب اليمني لهذا الظلم والعدوان.
مشاهد
يتحدث التجار عن نفاد كميات كبيرة من المخزون الاستراتيجي من السلع والبضائع المخزنة ويقولون إن الامدادات من الواردات اليمنية متوقفة منذ أكثر من شهرين نتيجة الحصار البحري المفروض من قبل دول العدوان ويضيفون إن كميات من السلع الغذائية والضرورية متوقفة في البحر وفي موانئ جيبوتي وجدة لم يسمح لها بالمرور وبالتالي تعاني السوق شحة في توفر تلك البضائع وعلى رأس تلك السلع البقوليات والالبان المجففة والزيوت النباتية والسكر ويخشى أن ينفد المخزون منها من السوق قبل وصول الإمدادات إلى المواني خصوصا وأن رمضان على الأبواب.
ويحكي أحد التجار أن له بضائع متوقفة في ميناء جيبوتي منذ 45 يوما وهي عبارة عن زيوت نباتية ومستلزمات رمضان كما يحكي آخر عن توقف وصول بضائعه من البقوليات والزبدة والحلويات وهناك السلع الخاصة بالمواد الخام والأدوية فهذه حكايتها حكاية ويقول أحد الصيادلة إن نحو 45 صنفا من الأدوية نفدت من السوق منها أدوية خاصة بالسكري والصرع والضغط والكبد والفشل الكلوي كما أن مخزونات المستشفيات التي كانت تصرف العلاج بالمجان للأمراض المستعصية هي الأخرى لم تعد موجودة ويلجأ المرضى للسوق فلا يجدونها لارتفاع أسعارها.
المجاعة
خلال حديثه في ندوة عن الحصار الاقتصادي الظالم على اليمن قال الخبير واستاذ الاجتماع الدكتور أحمد الجماعي: إن المخاوف من ظهور مجاعة تضرب المدن اليمنية أمر وارد وحين قيل له إن المخزون من القمح وإمدادات القمح والغذاء مستمر قال إن المجاعة حين تظهر لا يعنى بها عدم توفر الغذاء بل هي مرض يصيب الناس فلا تعد الوجبة والوجبتان والثلاث تكفيهم بل يريدون أضعاف الوجبات مما يؤدي لاستنزاف أي مخزون غذائي في وقت سريع ويؤكد أن الهلع الذي أصاب الناس ومشاهد تعدد الوجبات في غير وقتها قد بدأ في الظهور بين الناس وهذا مؤشر خطير.
وبالتحليل لهكذا مشاهد أخبرني العديد من الأصدقاء عن تزايد استهلاكهم للطعام بصورة ملفته فلم تعد الوجبات الثلاث تكفيهم إذ غالبا ما يتناولون وجبات بينها ويشترون المزيد من الخبز من السوق ضعف ما كانوا يشترونه إضافة لما يتم عمله في المنزل .
خطر
ليس من مصلحة دول العدوان أن تستمر في حصارها لليمن فالخبراء يؤكدون أن الجوع كافر وفي حالة تعرض الشعب اليمني للجوع فلن يوقفه أي طرف وسيقاتل الأعداء في كل حدب وصوب وسيكون التدفق بالملايين نحو بلد العدوان .