يعتقدون بأنها مرت على المجتمع اليمني مرور الكرام.. وبأن ضجيج وأصوات صواريخهم وقذائفهم وأسلحتهم المحرمة دولياٍ التي يلقونها على اليمنيين, سيعلو على أصوات الموسيقى والفرح والانتصار وسيمنع صانعي الانتصارات من الاحتفال بذكرى قيام الوحدة اليمنية.. ويظنون أن توغل أوتحليق طائراتهم, سيحد من رفرفة الراية في سماء الوطن.. غير مدركين أو متناسيين أنهِ ليس هناك ما يمكن أن يمنع الشعب اليمني من إحياء ذكرى الـ 22 من مايو المجيد.. وربما الموت لم يخبرهم بأنه عاجز عن منعنا نحن -اليمنيين- من الاستماع للأغنية التي نطرب لها منذ نعومة أحلامنا “دعيني أعانق فيك الأمل” للفنان الوحدوي الراحل “مرسال كرامة”.
تحل على الشعب اليمني ذكرى قيام الوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو كل عام, كذكرى ميلاد شعب بأكمله, كذكرى توحيد شخصين في قلبُ واحد.. إذ يتبادل اليمنيون “شماليين وجنوبيين” التهاني والزيارات وغيرها من طقوس الأعياد, لما لهذه المناسبة من مكانة عظيمة في قلوبهم وكونها منجزاٍ كبيراٍ في تاريخهم.. يرفعون راية الوطن على منازلهم وشوارعهم ومحلاتهم التجارية.. ليرفرف عالياٍ شامخاٍ مفتخراٍ منتصراٍ غير منكسر أو منهزم.
وتأتي الذكرى الـ 25 لقيام الوحدة اليمنية والوطن يواجه أشد عدوان يسجله التاريخ ضد البشرية والجوار والسلم والاستقرار, ونحن نمر بظروف استثنائية لم نشهدها عبر الزمن المنصرم.. بالإضافة إلى تمرد بعض من أبنائه ومحاولتهم الجاهلة إغراق وطن الوحدة في صراعات وحروب أهليه وقبلية تشتت العقلاء وتقسم الأرض وتنصب براميل الانقسام والانفصال.
ما زلت أتذكر وأنا صغير, في مسقط رأسي بمديرية الشغادرة, محافظة حجة, كيف كنا نحيي هذه الذكرى العظيمة, صغيرنا قبل كبيرنا.. رجالاٍ ونساء.. كنا نخيط الأعلام الوطنية وندخل في مسابقات ومنافسات على من يضعها أعلى منزله قبل الآخر.. وكنا نحتفظ بقطعة القماش المصبوغة بألون الراية اليمنية من عام إلى آخر.. ومن مناسبة وطنية إلى أخرى.. كنا أيضاٍ نجتمع في أحد منازل القرية لنشاهد عبر التلفاز الأوبريتات والاحتفالات الوطنية التي تحييها قيادة البلاد.. كان يداهمنا ونحن دون سن الرشد الشعور الوطني والإحساس الوحدوي وحب والوطن من خلال أغنية تشدو بنا أبياتها وموسيقاها نحو السماء رافعين هاماتنا بانتصاراتنا ومعجزاتنا, دون النظر أوالالتفات إلى ملفات ماضي الشتات والانفصال.. الماضي الممتلئ كتابة بالنقاط والأسطر السوداء.
لن نخفي على العالم أجمع.. الشعور بالغصة التي تخنقنا والألم الذي يعصرنا ويكاد أن يقتلنا اليوم وفي حلول هذه الذكرى العظيمة.. لما كان لنا من أمل كبير وحلم وطني عظيم لا تحتضنه أرض ولا تتسع له سماء.. باليوبيل الفضي لذكرى قيام الوحدة, ووطنا يسكنه الأمن والاستقرار ويشهد تقدماٍ وازدهاراٍ.. كان ـ وما زال ـ الحلم فينا ومنا ولن يفارقنا.. حلم نتمنى أن يقترب تحقيقه على أرض الواقع.. الحلم الذي يصر اليمنيون على ترجمته من خلال اجتثاث كل بؤر الفساد والعمالة وأيادي التدخلات الخارجية.. أن يجسدوا ذلك الحلم على أرض وحدها أبناؤها وحكامها رغم كل المعوقات والصعوبات الداخلية والخارجية التي كانت, قبل ربع قرن من الزمن تشكل عائقاٍ صلباٍ أمامهم.. لكن الإرادة الوطنية الوحدوية انتصرت ودحرت كل العوائق التي في طريقها, حتى وحدت الإنسان قبل الأرض ورفعت علم الوحدة في سماء صنعاء وعدن ليرفف عالياٍ.
وتأتينا الذكرى الخامسة والعشرون لقيام الوحدة وسط تكهنات واعتقادات الحاقدين على اليمن أرضاٍ وشعباٍ.. بأن وطن الوحدة لم يعد موحداٍ.. وذلك عبر افتعال وإشعال وتغذية مليشيات في جنوب وشمال الوطن.. وعبر تدخل خارجي سافر استهدف النسل والحرث وجرف البشر والحجر.. إلا أنه وبفضل إرادة أبناء القوات المسلحة وإيمان الشعب المساند له, تمكنا من إسقاط المشروع التـآمري في أسرع وقت ودحر المخربين والعملاء إلى خارج حدود الوطن.. في صورة تؤكد وتعكس مدى تمسك اليمنيين بوحدتهم وعزيمتهم وإصرارهم على قطع أيادُ قد تحاول التطاول على وحدتهم.
ورغم أن اليوبيل الفضي لقيام الوحدة حل علينا ونحن نمر بفراغ رئاسي وحكومي دون افتتاح أو وضع حجر أساس لمشاريع وطنية عملاقة بهذه المناسبة, كما كان يحدث على مدى العشرين عاماٍ المنصرمة.. إلا أننا وبفضل الإرادة الجبارة والعزيمة الصلبة لدى المخلصين والشرفاء, نجد إعلان شعبنا اليمني العظيم وخلال مرور هذه الذكرى العظيمة عن إسقاط المؤامرات الخارجية التي كانت تحاك لتدمير مشروع الوحدة.
نعم.. سنكتفي هذا العام وفي هذه الذكرى بالإعلان عن إسقاط مخططات وبرامج العملاء والحاقدين على وحدة اليمن.. لنتأهب ونستعد لافتتاح, إن لم يكن استكمال مشاريع عملاقة إنتاجية إيرادية ومصانع تنهض بالبلد اقتصادياٍ وتنموياٍ وغيرها من مشاريع التعليم والاستثمار وكافة ما يمكن أن ينتشل وطننا ويحلق به في سماء العالم, خلال ذكرى قيام الوحدة من العام القادم.
ومهما حدث ـوسيحدث- من مؤامرات وتحركات يدفع ثمنها مليارات الدولارات ضد منجز الوحدة العظيم.. إلا أن أياٍ من ذلك الأمر.. سيكون مصيره الفشل والاندحار والتواري عن الواقع الوحدوي.. فالشعب الذي بذل أغلى ما لديه للم الشمل والتوحد.. لا يمكن أن يقبل أو يفكر بالانفصال مهما حدث له.. ومهما كان الثمن باهظ الثمن من الأرواح والممتلكات في سبيل بقاء الوحدة.
وفي هذه الذكرى العظيمة.. هناك هامات وطنية وحدوية كان لها فضل كبير وبارز في تحقيق الوحدة اليمنية.. منهم من لا يزال على قيد الحياة.. ومنهم من قد فارق الحياة وخسرنا برحيلهم أشياء كثيرة.. لذا الرحمة على من رحل تاركاٍ خلفه تاريخاٍ مشرفاٍ لاسمه ولأسرته ولشعبه ووطنه.. ومن أبرز أولئك الرئيسان الشهيدان إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي.
وحقاٍ علينا أن نشكر من ساهم في تحقيق الوحدة.. مهما اختلفنا معه سياسياٍ ومهما كانت لنا من وجهات النظر ضدهم.. إلا أن الاعتراف بجميلهم علينا حق.. كما هي أيضاٍ من شيم العرب.. فما بالكم باليمنيين أصل العروبة ومصدريها ومنبعها.. ومن الشخصيات البارزة والقيادية الصانعة للوحدة الرئيسان السابقان على عبدالله صالح, وعلي سالم البيض.. وهناك العديد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية والعسكرية والقبلية التي بذلت جهوداٍ جبارة ومساعُ حثيثة وكبيرة في تحقيق الوحدة.. وقد رصدهم التاريخ.. لتظل أسماؤهم منقوشة في جبين اليمن.. لا تتلفها الأيام ولا الأعوام.. ولا تتأثر بتقلب وتغيرات المناخ والطقوس.. ولن تتوارى مهما كثرت أخطاؤها وسلبياتها في مجالات أخرى.
22 مايو 1990م.. ذكرى خالدة في ذكريات وتاريخ اليمنيين وفي أذهان وعقول العالم أجمع.. سيظل مايو على مدى الأزمان والقرون الشعلة المتقدة والقمر الساطع في سماء الوطن والمصباح المنار في كل دار ومنزل بصنعاء وعدن ومارب وإب ولحج وشبوة والضالع والمكلا والجوف.. وفي كل شبر من وطن الوحدة.
ولقد جرف 22 مايو 1990م ما قبله من مآسي التشطير والتشتت.. من مآسُ ومعاناة الفراق والاشتياق للوحدة والتوحد ولم العائلة.. وهو المطلب الوحيد الذي كان ينشده اليمنيون كافه, دون استثناء.. وإن وجد من يرى غير ذلك.. فهم قلة من الحمقى والمرجفين وعملاء الخارج.. أولئك الذين باعوا عرضهم بتنازلهم وبيعهم لوطنهم مقابل دراهم وريالات أجبرتهم على أن يتحدثوا بما لا تمليه عليهم إرادتهم وضمائرهم.. إن كانت لم تمت بعد.
في نهاية الأمر لن يكف الحاقدون المرجفون عن محاولاتهم التي تبوء بالفشل كل مرة.. عن إسقاط منجزنا ومعجزتنا العظيمة.. بأموالهم وعبر عملائهم وكل ما لديهم من وسائل وإمكانيات.. لكن وفي المقابل يظل الشعب اليمني متمسكاٍ بمعجزته العظيمة التاريخية المنفردة وبتجربته الرائعة والمثالية والتي عجزت شعوب عدة عن تجربتها وتحقيقها في شعوبهم.. ولن يسمح الشعب المناضل الماضي في العصر الحديث بأبسط مقومات العيش والحياة دون الاستهتار أو الانكسار أو الخضوع.. نعم هذا الشعب الصلب لن يسمح لأي كان, المساس بوحدته وأرضه أو تلويثها أو محاولة إسقاطها وحذفها من على أرض الواقع ومن مجلدات التاريخ.. وهو الأمر الذي سيدحر كل من تسول له نفسه باغتيال الوحدة.. وليس هناك أكبر دليل على هذا من احتفال الشعب اليمني بذكرى الوحدة في النكبة.. وأنا أقصد نكبة العدوان والوضع الراهن.