مآسي التشطير

* ذات مرة كنت في مهمة صحفية لرصد انطباعات أبناء مناطق التماس لدولتي ما قبل الوحدة المباركة .. ومن خلال تلك الجولة أحسست فعلا أن المواطنين الذين كانوا يعيشون على حدود الشمال والجنوب مناطق التماس هم من ينعمون ويشعرون بفضائل وخيرات الوحدة اليمنية بحق وحقيقة .. هذه الملامح تلمحها منذ الوهلة الأولى للقائك بهم وسؤالك لهم عن التشطير وحياتهم التي عاشوها لفترة ما قبل تاريخ 22 مايو 1990م ..
ردودهم كانت بسيطة لكن ابتساماتهم عندما يتذكرون تلك الأيام تجدها مثقلة بالمآسي والأحزان .. ووجوههم ترمدت ملامحها بفعل أحداث ومآسي الأمس وسياسة المصالح الآنية والشخصية وصراع نظامي تلك المرحلة من تاريخ اليمنيين .. هؤلاء الناس من أبناء الوطن الغالي عاشوا سنوات من الخوف والقلق والفزع على خط التماس لم يكونوا يستلقون يوما أو ليلة من ليالي الخالق عز وجل إلا بعد أن يكونوا قد دونوا وصاياهم ووضعوها تحت الوسادة أو الفراش أو الحصير قبل أن تخلد أعينهم للنوم أو الراحة من شقاء نهار لا يعرف الرحمة .
استمعت من بعض أولئك الإخوة قصصا ومآسي لا يتخيلها شباب اليوم وحتى منهم في سني . خصوصا عندما يصف لك أحدهم أنه لم يحلم كل يوم بأكثر من فجر يطل عليه دون خوف أو تهديد وأنه وأبناء جلدته من سكان حزام أو حدود الدولتين لم تكن غاية أمانيهم إلا العيش دون منغصات التخابر وتهم الخيانة والعمالة للشطر (ش )أو الشطر (ج) ..
كان حلم مزارعي تلك المناطق لا يزيد عن أمنية الذهاب إلى حقولهم دون تفتيش أو مطاردة لهوام الليل وتقارير زوار الفجر .. واعتقد من خلال ما تلمسته من أحاديثهم أنهم من أسعد اليمنيين وأكثرهم فرحة بأعياد اليمن الواحد .. ورغم أن أبناء الشعب على أعتاب الاحتفال بالعيد الوطني بل يعيش اليوم احتفالات اليوبيل الفضي لقيام الوحد اليمنية المجيدة إلا أن أبناء خطوط التماس لا يحتفلون بتلك الحماسة التي تظهر عند غيرهم من أبناء الوطن .. لأن ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر تذكرهم بالألم والمآسي التي كابدوها طوال فترة الفرقة والشتات .. خاصة وأن رعب وأهوال تلك المرحلة ما تزال عالقة في أذهانهم وعقولهم .. مع ذلك دعونا نلتمس لهم العذر وندعوهم لنسيان الماضي ليشاركونا أفراحنا والشعب اليمني عامة الاحتفال بالعيد الوطني عيد الأعياد وما قدمه أبناء الوطن من تضحيات عظيمة من أجل التحرر من الاستبداد والاستعمار .. كل عام والجميع واليمن بألف خير .

قد يعجبك ايضا