تمثل المدرسة ودورها التعليمي والتربوي والمناهج الدراسية في عصر العولمة والثورة الرقمية أحد أهم المواضيع المطروحة للنقاش العام في الغرب عموما وفي فرنسا بشكل خاص منذ سنوات. ذلك على أساس أن الرهان التعليمي هو أحد أهم الاستثمارات في المستقبل.
وبعد أن شغل « جان ميشيل لانكيه» منصب المدير العام للتعليم الثانوي في فرنسا يعمل الآن مديرا لمؤسسة تعليمية عريقة هي «المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية والتجارية» في باريس التي يعود تاريخها لقرن من الزمن تقريبا. وهو يساهم في النقاش الدائر حول المدرسة والتعليم عموما بكتاب تحت عنوان «مدرسة الحياة».
في هذا الكتاب يؤكد «جان ميشيل لانكيه» بناء على تجربته الخاصة في المواقع التعليمية المتعددة التي شغلها أن للمدرسة دورا هائلا «عليها أن تلعبه» وهو يبحث فيه بمختلف المسائل المتعلقة بالتعليم من قراءة وكتابة وتربية مع دراسة العلاقات بين الأهل الجهاز التعليمي.
وهو يولي أهمية خاصة لدور المدرسة في سياق «الثورة الرقمية»: الراهن. وهو يبني تحليلاته في هذا الكتاب على عدة مبادئ أساسية يرى أنها غدت بمثابة ضرورة ملحة. في مقدمة تلك المبادئ أنه «لا ينبغي في السياق الراهن التضحية بما هو إنساني على مذبح التكنولوجيا».
يحدد المؤلف في مقدمة هذا الكتاب القول ان التربية هي «صاحبة المكانة بين ما يمكن الحصول عليه». والتأكيد أنه إذا كانت هذه المكانة دائما في الصدارة فهي اليوم في عصر التكنولوجيا التي أنتجتها الثورة الرقمية «الزاحفة» على حياة الناس تغدو أكبر مكانة. وبالتالي على المنظومة التربوية أن تواكب هذه «الثورة» وتقوم من ناحيتها بـ «ثورتها». والتأكيد أنه على المدرسة اليوم أن تقوم بـ «ثورتها الثقافية» على مختلف المستويات.
ويشرح «لانكيه» أن التكنولوجيا الرقمية مثل أية تكنولوجيا جديدة يمكنها أن تعطي أفضل النتائج ولكن أيضا أسوأها. ذلك أنها تفعل وتتفاعل مع «الظاهرة الإنسانية» نفسها.
ويرى المؤلف أن «الأداة الرقمية» تؤدي بالدرجة الأولى إلى إهمال «البعد الإنساني» بمحدداته التاريخية التي تؤمن للفرد الانتماء إلى مجموعة بشرية لها خصوصياتها التي اكتسبتها عبر عملية تكدس طويلة. وفي هذا العصر الرقمي غدا البشر عبر« تداخل الروابط» من خلال شبكات الانترنت وغيرها من ثمرات التكنولوجيا الرقمية بمثابة «جزيئات من كل معولم».
ويشير المؤلف أن «المدرسة» و« مناهج التعليم» تأثرت تاريخيا بمختلف المنعطفات الكبرى على صعيد الفكر والتكنولوجيا. هذا ما حدث بعد الثورة الصناعية الكبرى في أوروبا خلال القرن الثامن عشر وما عرفه القرن العشرون على صعيد التحليل النفسي. وهذا ما تواجهه المدرسة اليوم حيث عليها أن تتأقلم مع «العالم الرقمي» الذي يجعل من الأفراد ــ البشر مجرد أرقام. ولكنه يؤمن لهم بالوقت نفسه قدرا كبيرا من «التسهيلات على صعيد الحياة اليومية».
وبالإجمال يؤكد مؤلف هذا الكتاب على ضرورة التعامل بكثير من الجدية والمسؤولية مع الحضارة الرقمية. فمن جهة لا يمكن تجاهلها ومن جهة أخرى لا يمكن تركها «تتجاهل» الحقيقة الإنسانية.
والتأكيد بأشكال مختلفة أن التحديات التي تواجهها المجتمعات اليوم هي ذات طبيعة «تربوية» قبل كل شيء. ومن هنا ينبغي الاهتمام بالبعد التربوي بحيث يتم دفع طلبة المدارس نحو ولوج مسالكها «بالتدريج» وعلى أساس «جرعات» مدروسة تتزايد تبعا لتقدم المستوى العلمي الذي يتبعونه.
وفي المحصلة يرى المؤلف أن الدور الأساسي لمدرسة هو أن تنقل للطلبة ما هو ضروري وأساسي من المعارف من أجل مساعدتهم للعيش بحرية.