رجل بين امرأتين

صدر رواية” سبع سنوات” للكاتب السويسري بيتر شتام ونقلها إلى العربية الدكتور خليل الشيخ .
تنطلق رواية “سبع سنوات” للكاتب السويسري بيتر شتام من موتيف قديم في الأدب العالمي يعرف بموتيف “رجل بين امرأتين” وهو موتيف يقوم على توزع الرجل بين امرأتين توزعا يدخله في صراع عنيف ويجعله يشعر بالتمزق والانشطار جراء ما يعيشه من مأزق حياتي وليس يخفى أن عنوان الرواية يحيل على السنوات السبع التي وردت في رؤيا ملك مصر كما أن الرواية تشير إلى ما تذكره التوراة عن النبي يعقوب وزواجه من راحيل ليعود بعد سبع سنوات ليتزوج من شقيقتها ليا.
لكن “سبع سنوات” تحاول أن ترسم حكاية تنفصل عن مرجعياتها وإن كانت تتحرك في ثناياها وتسعى كي تكون واحدة من الأعمال الأدبية في سياق الموتيف الذي سبقت الإشارة له. فـ”سبع سنوات” تتحرك في عالم تتوزع شخصياته بين الهندسة المعمارية والرسم وتتطور أحداثها في هذا العالم الذي يجمع بين الأضواء والظلال القادرة على حد تعبير لوكوربوزييه أحد المعماريين الفرنسيين الكبارعلى كشف الأشكال وفضح ملامحها.
لقد سبق للباحثة الألمانية المعروفة إليزابيث فرنتسل أن توقفت في معجمها المتخصص الذي صدر عام 1980تحت عنوان “موتيفات الأدب العالمي “عند هذا الموتيف وتتبعت تطوره في الأدب ابتداء من الأوديسة وانتهاء ببعض الأعمال الروائية التي صدرت في ستينات القرن الماضي. ويتبين من استعراض فرنتسل المكثف لهذا الموتيف أن توزع الرجل بين امرأتين كان متنوع الأبعاد والمستويات وأنه يتخذ في كل عمل من الأعمال بعدا متفردا.
تتوزع حركة السرد في “سبع سنوات”بين الاسترجاع الذي يتمثل في تذكر الكسندر بطل الرواية لعلاقته بالمرأة البولندية إيفونا وبين سرد اللحظة الحاضرة الذي يرسم حياته بجوانبها المتعددة وإن كان يتوقف على نحو رئيسي عند علاقة الكسندر بزوجته سونيا وبين هاتين الحركتين تتحرك الأحداث وتتنامى وتتشكل أجواء الرواية .
وإذا كانت العلاقة بين الكسندر وسونيا هي ثمرة لصلة ممتدة تعود إلى سنوات الدراسة الجامعية فإن علاقة الكسندر بإيفونا التي غيرت مجرى حياته هي ثمرة لقاء عابر في أحد مقاهي ميونيخ . وتكشف المقارنة بين هاتين العلاقتين عن فروق جوهرية تصب كلها لصالح سونيا. ففي حين كانت سونيا مهندسة معمارية متفوقة تتميز بالجمال وقوة الشخصية وطلاقة الحديث كانت إيفونا على العكس من ذلك تماما فهي بولندية تقيم في ألمانيا على نحو غير شرعي وتعمل في تنظيف الغرف. وقد ذكر الكسندر غير مرة أنها دميمة وغير أنيقة و ساذجة وبطيئة الاستيعاب.
يقدم سرد اللحظة الحاضرة الأبعاد التي تتشكل الأحداث والشخصيات في رحابها. فنحن أمام شخصيات تدرس الهندسة المعمارية وتسعى بعد تخرجها في الجامعة إلى تحقيق ذاتها. وتهتم الرواية بتتبع مصائر هذه الشخصيات وتبين ما طرأ عليها من تحولات بعد أن انتقلت إلى عالم الحياة وفارقت عالم النظريات. لذا كانت الرؤى المعمارية التي تصدر الشخصيات عنها تتوزع بين الكلاسيكية والحداثة والتفكيك وقد كثرت الإشارات إلى المعماريين الذين يمثلون تلك الرؤى.
تنتمي سونيا لتيار الحداثة وتدافع عن ممثليه وتبدو الأقدر على الإفادة من منظوره فرسوماتها المعمارية تقوم على جدل الاتصال والانفصال فبقدر إعجابها بالحداثة تسعى كي تستقل عن رسومات روادها وتشكيل لغة معمارية مستقلة. أما الكسندر الذي يبدو حريصا على التمرد على المواضعات الاجتماعية والدينية فيخضع على مستوى الرؤية المعمارية للأساتذة الكبار في هذا المجال ويكاد يكون تابعا لهم.
تبدأ الرواية من لحظات النهاية وتعود القهقرى إلى لحظات البداية من خلال استرجاع يقطع زمن السرد ويستدعي الماضي ويوظفه في مجرى اللحظة الحاضرة ليغدو جزءا من نسيجها فترتيب الوقائع في “سبع سنوات” يغاير ترتيبها في نظام الحكاية.
مؤلف الكتاب بيتر شتام أديب سويسري من مواليد عام 1963. درس بعض الفصول في اللغة الإنجليزية وعلم النفس. أقام في باريس وبرلين ونيويورك وتفرغ للكتابة والعمل الصحفي منذ عام 1990. وقد صدرت له روايتان وثلاث مجموعات قصصية.
مترجم الكتاب أ.د. خليل الشيخ وهو باحث وناقد أدبي ومترجم يعمل رئيس قسم اللغة العربية في جامعة اليرموك- الأردن حصل على الدكتوراة من جامعة فريدريش فيلهلم- بون- ألمانيا عام 1986. وعمل أستاذا زائرا في أكثر من جامعة أردنية وعربية. أصدر عددا من الدراسات من أبرزها: “الانتحار في الأدب العربي” “باريس في الأدب العربي” و”دوائر المقارنة”….وغيرها. كما أن له العديد من الكتب المترجمة عن الالمانية نذكر منها: “يوميات فرانتس كافكا 1910-1923” “آدم وإيفيلين” لإنجو شولتسه و”أوروبا والشرق من منظور واحد من الليبراليين المصريين” لبوبر يوهانزن.

قد يعجبك ايضا