مستودع الأعمال المثمرة

الإخلاص هو إفراد القصد في العمل لله وحده , وقيل هو التجرد عن مشاهدة غير الحق سبحانه وابتغاء رضوانه والمثوبة منه في الأعمال والأقوال.
وله معان متعددة من معانيه , الإتقان والإحسان , ووفق هذا المعنى نفهم أنه لا يقوم عمل ناجح في أي مجتمع أو أمة مالم تقوم على هذا الأساس الأخلاقي  º ولأن ما تسمى بالحضارة المادية اليوم قائمة على المصالح المادية فقط. فالأعمال تنجز على هذا الأساس الذي يكون الدافع له مادي بحت , فيه , هذا النوع سرعان مايفشل وإن تحقق نجاح , يكون نجاحاٍ مؤقتاٍ , لا يتم له الخلود والتأثير , سرعان ما يرتد على صاحبه بالوبال والخسران ºلأنه ليس للبعد الأخلاقي فيه نصيب , ومن ثم فهذا النوع لا يحقق الهدف من الإخلاص المنشود في ديننا الحنيف الذي يستوعب الحياة الدنيا من خلال الإخلاص للآخرة , وهذا النوع من الإخلاص مرتبط ارتباطا كلياٍ بالقيم والأخلاق , فهو لا ينفك عنها فالأخلاق باعثة على الإخلاص والإخلاص جزء منهاº ولأن القيم والأخلاق تشريع اقتضت شمولية مفهوم الإخلاص أن يشمل الحياة برمتها في تعبيدها لله فلا تكون وجهة العبد إلا إليه , نفهم ذلك من خلال هذا التعريف الشمولي الذي يقول: الإخلاص هو:إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.ولأن حياة المسلم وكل أعماله تعد طاعة مع وجد الإخلاص , وتنتفي بغيره جاء هذا التعريف شاملاٍ مستوعبا للحياة.حيث يردده المسلم في كل صلواته بقوله: إن صلاتي ونسكي ومحيي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرة وأنا أول المسلمين[1]  ,
من هنا تحقق معنى من معاني الإخلاص العظيمة الذي هو: الإحسان والإتقان  بحيث يستوعب كافة الأعمال الدنيوية والأخروية,فهو النجاح الكامل  بمفهومه الواسع للحياة , فلا نجاح في أي عمل لايصحبه الإخلاص,وهو المقوم الأول للنهوض,سواءٍ الفردي أو الجماعي,الدنيوي أو الأخروي. إن سر نهضة الدول إخلاص شعوبها وقيادتها, فالإخلاص من معانيه طهارة النفس وسمو الهدف والتفاني لتحقيقهºولذلك أقام المصطفى صلى الله  عليه وسلم دولة خلال عشرون عاماٍ فقط,وذلك لقوة الإخلاص الذي أثمر العمل وبورك فيه , فالإخلاص :هو الباب العظيم الذي تبنى عليه الأعمال والأقوال والأفعال والحركات والسكنات,وهو المحور الذي يبنى عليه الثواب والعقاب , من رب العلمين ولأن المؤمن مستخلف في هذه الأرض لعمارتها , كان لابد عليه من التسلح بالإخلاص لكي ينجح في تحقق المهمة من وجوده , على ظهر الأرض, فلا نجاح بغير إخلاص , وحاجة المؤمن للإخلاص أشد من حاجته للطعام والشراب فصلاح دنياه وأخرته مرهون به.إذن وجب علينا تربية أنفسنا لتصبغ حياتنابه فلنسافر معاٍ في أغواره كي نعرف مسار هذا الإخلاص وحدوده وعظمته وفاعليته من خلال الاستعراض له.
ربِ عمل عظيم صغرته النية وربِ عمل صغيرُ عظِمته النية.
فالنية هي المعراج الذي يرفع العبد أعلى الدرجات أو يضعه في أسفل الدركات.وقد يرتفع المسلم بنية صغيرة قدرها لحظة أو أقل  أعلى المقامات إن صدق فيها فيْكتب له أعظم الأجر حتى لو لم يوفق لتحقيق ما عزم عليه,ما دام قد بذل وسعه.
عن كبشة الأنماري : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول …………..إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرها سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقى في ربه ولا يصل في رحمه ولا يعلم الله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء [2]
وقد تكون النية ضمنية إذا تكرر فعل العمل وأصبح صاحبه مداوماٍ عليه وإن لم يسترجع.
من تعددت نياته زاد ثوابه وإن كان العمل واحداٍ .
.أخبر الرسول صحابته بأن أقواماٍ في المدينة يؤجرون مثل المجاهدين بنياتهم صحيح عِنú أِنِس بúن مِالكُ – رضى الله عنه – أِنِ رِسْولِ اللِه – صلى الله عليه وسلم – رِجِعِ منú غِزúوِة تِبْوكِ فِدِنِا منِ الúمِدينِة فِقِالِ « إنِ بالúمِدينِة أِقúوِامٍا مِا سرúتْمú مِسيرٍا وِلاِ قِطِعúتْمú وِاديٍا إلاِ كِانْوا مِعِكْمú » . قِالْوا يِا رِسْولِ اللِه وِهْمú بالúمِدينِة قِالِ « وِهْمú بالúمِدينِة حِبِسِهْمْ الúعْذúرْ »[3]
والنية قد تهبط بصاحبها وقد ترفعه , وهي المحور الذي يدور عليه الثواب والعقاب,فعن أبي بكر نافع بن الحارث الثقفي -رضي الله عنه- أن النبي قال: ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فقلت : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ¿ قال : إنه كان حريصاٍ على قتل صاحبه ) [4]
وعن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه – عن رسول الله r فيما يروي عن ربه -تبارك وتعالى- قال : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك : فمن همِ بحسنة فلم يعملها كتبها الله – تبارك وتعالى – عنده حسنة كاملة وإن همِ بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافُ كثيرة وإن همِ بسيئةُ فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة وإن همِ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدةٍ ) [5] 
وعن أبي يزيد معن بن يزيد الأخنس –رضي الله عنهم – وهو وأبوه وجده   صحابيون  قال : كان أبي (يزيد) أخرج دنانير يتصدق بها فقال : والله ما إياك أردت! فخاصمته إلى رسول الله r فقال : ( لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن ) [6]  فأطلق لنيتك عنانها فيما يرضي الله فبها تجازى.
عِنú ابúن شهِابُ عِنú عِامر بúن سِعúد بúن أِبي وِقِاصُ عِنú أِبيه أِنِهْ قِالِ:جِاءِني رِسْولْ اللِه صِلِى اللِهْ عِلِيúه وِسِلِمِ يِعْودْني عِامِ حِجِة الúوِدِاع منú وِجِعُ اشúتِدِ بي فِقْلúتْ:يِا رِسْولِ اللِه,قِدú بِلِغِ بي منú الúوِجِع مِا تِرِى وِأِنِا ذْو مِالُ وِلِا يِرثْني إلِا ابúنِةَ لي أِفِأِتِصِدِقْ بثْلْثِيú مِالي قِالِ رِسْولْ اللِه صِلِى اللِهْ عِلِيúه وِسِلِمِ لِا.فِقْلúتْ فِالشِطúرْ قِالِ:لِا,ثْمِ قِالِ رِسْولْ اللِه صِلِى اللِهْ عِلِيúه وِسِلِمِ:الثْلْثْ وِالثْلْثْ كِثيرَ.إنِكِ أِنú تِذِرِ وِرِثِتِكِ أِغúنيِاءِ خِيúرَ منú أِنú تِذِرِهْمú عِالِةٍ يِتِكِفِفْونِ النِاسِ, وِإنِكِ لِنú تْنúفقِ نِفِقِةٍ تِبúتِغي بهِا وِجúهِ اللِه إلِا أْجرúتِ حِتِى مِا تِجúعِلْه في في امرأتك.قِالِ:فِقْلúتْ:يِا رِسْولِ اللِه,أِأْخِلِفْ بِعúدِ أِصúحِابي¿فِقِالِ رِسْولْ اللِه صِلِى اللِهْ عِلِيúه وِسِلِمِ:إنِكِ لِنú تْخِلِفِ فِتِعúمِلِ عِمِلٍا صِالحٍا إلِا ازúدِدúتِ به دِرِجِةٍ وِرفúعِةٍ,وِلِعِلِكِ أِنú تْخِلِفِ حِتِى يِنúتِفعِ بكِ أِقúوِامَ وِيْضِرِ بكِ آخِرْونِ.اللِهْمِ أِمúض لأِصúحِابي هجúرِتِهْمú,وِلِا تِرْدِهْمú عِلِى أِعúقِابهمú لِكنú الúبِائسْ سِعúدْ بúنْ خِوúلِةِ يِرúثي لِهْ رِسْولْ اللِه صِلِى اللِهْ عِلِيúه وِسِلِمِ أِنú مِاتِ بمِكِةِ[7] 
والشاهد أن النية هي محور الأجر والثواب في العمل فالحديث يشير إلى أن المرء بنيته ينال الأجر حتى فيما يطعمْ أهله.
كل عمل لابد أن تسبقه نية ولا عمل بغير نية
قسم العلماء العمل الإرادة إلى قسمين:إما عمل سلبي أو إيجابي .فالإيجابي كل ما يصدر عن الإنسان من أعمال وأخلاق في البر والخير , والسلبي عكس ذلك. 
النية قد تكون مْجúمِلة وقد تكون مفصِلة
فتكون مجملة مثل من خرج من بيته قاصداٍ الحج أو الجهاد أو غيره لا يكون قصده إلا الله – عز وجل – أي:يريد وجهه سبحانه فتصبح كل أعماله وحركاته ونفقاته وتصرفاته وعنائه وهمه ونصبه وحزنه وسروره وأكله وشربه وخطواته في سبيل الله وإن لم يستحضر النية عند كل عمل من هذه الأعمال شريطة أن يحرس قلبه من الدواخل الشيطانية .
وهذا يتوافق مع قول العلماء بضرورة استحضار النية قبل كل عمل غير أن النية هنا مجملة بمقصود الحج جملةٍ , وتفاصيل المسير تحتاج إلى نوايا بقدرها وما لا يحصل منها تغني عنه النية المجملة ما اجتنب ما ينقضها من الرياء وغيره. فالمجمل ما استحضر وقصد قبل الخروج للحج أو الجهاد أو ماشابه ذلك ولو ظل عاماٍ كاملاٍ لكانت نية خروجه في سبيل الله كافية لعامه كله º لأنها سبقت العمل لقوله عز وجل:(مِا كِانِ لأِهúل الúمِدينِة وِمِنú حِوúلِهْم منِ الأِعúرِاب أِن يِتِخِلِفْواú عِن رِسْول الله وِلاِ يِرúغِبْواú بأِنفْسهمú عِن نِفúسه ذِلكِ بأِنِهْمú لاِ يْصيبْهْمú ظِمِأَ وِلاِ نِصِبَ وِلاِ مِخúمِصِةَ في سِبيل الله وِلاِ يِطِؤْونِ مِوúطئٍا يِغيظْ الúكْفِارِ وِلاِ يِنِالْونِ منú عِدْوُ نِيúلاٍ إلاِ كْتبِ لِهْم به عِمِلَ صِالحَ إنِ اللهِ لاِ يْضيعْ أِجúرِ الúمْحúسنينِ} (120) سورة التوبة إذ لا يعقل أن المسلم يستحضر النية عند وضع قدمه في كل خطوة أو شربة أو نفِس ولا يعني هذا أن المسلم يهمل النيات التفصيلية فهي تزيده أجراٍ فوق  أجره المكفول بالنية المجملة .ولكن هذه الآية تبشره بأنه في عبادة يحسب له كل شيء حتى ينتهي منها ,أو يدخل في عبادة جديدة بنية مجملة أخرى.
وهكذا المؤمن لا تنقطع عبادته يْقلب من خيرُ إلى خير ومن عبادةُ إلى عبادة بنياته المجملة والتفصيلية حتى تكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته كلها لله .لذلك فهو يردد هذه النية المجملة في كل صلواته لأنه يقول في بداية كل صلاة (إن صلاتي ونسكي ومحيايِ ومماتي لله رب العالمين لا شريك له) ليكون على صلة بالله من خلال تذكره لأكبر النوايا المجملة, وفي طياتها نوايا مفصلة. والنوايا محلها القلب, فالقلوب محل نظر الله. 
فعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله r :
 ( إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ) [8] 
العلم باعث على النوايا
العلم هو الباعث على النية الصالحة . فكل آية أو حديث عن رسول الله يأمر بفضيلة أو ينهى عن رذيلة تتحقق من خلال معرفته وعلمه, نية تبعث على العمل . فمن العلم تتولد الخشية لله تعالى قال تعالى : (إنما يخشى الله من عباده العلماء .. ) فاطر آية(28). فكل فعل أو ترك مبنى على نية ولدِها علم ولا نية بغير علم . ونضرب مثلاٍ بهذا الحديث. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بعشرين درجة وإن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد كتب له بكل خطوة يخطوها حسنة وحْطِت عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه  وإن الملائكة ليصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون : ( اللهم أرحمه اللهم أغفر له ما لم يؤذ فيه وما لم يحدث فيه ) [9] 
انظر إلى هذا الحديث العظيم الذي يولد عند المسلم أكثر من نية بعد علمه به . إنه يجعله يحتسب خْطاه ويحتسب بقاءه في المسجد ويجعله يحرص على صلاة الجماعة دون صلاة الفرد ويجعله يحرص على البقاء في مقامه الذي صلى فيه على وضوء دون أن يؤذي أحداٍ حتى يحظى بصلوات الملائكة عليه ويجعله أيضاٍ حريصاٍ على إتقان الوضوءº لتصلح بها الصلاة .لأن النوايا النابعة من العلم والمعرفة تنعقد بالرجاء والاحتساب الإخلاص ولاشيء معه.
عن أبى أمامة t قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال : أرأيت رجلاٍ غزا يلتمس الأجرِ والذكúر ماله ¿ فقال رسول الله : ( لا شيء له ) أعادها ثلاث مرات ويقول رسول الله r : (لاشيء له) ثم قال: ( إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاٍ , وابتغى به وجهه ) [10] 
وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري – رضي الله عنه- قال : ( سْئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله¿ فقال : رسول اللهr : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) [11] 
والمؤمن لا يدع عمله للشيطان أبداٍ. فقد ثبت عن النبي فيما يرويه عن ربه في الحديث الذي يرويه أبو هريرة  قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) [12] 
عن زيد بن ثابت خرج من عند مروان نحوا من نصف النهار فقلنا ما بعث إليه الساعة إلا لشيء سأله عنه فقمت إليه فسألته فقال أجل سألنا عن أشياء سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : نضر الله أمرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم وقال من كان همه الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له وسألنا عن الصلاة الوسطى وهى الظهر[13]

قد يعجبك ايضا