خطابات تاريخية

هناك مواقف تاريخية لا تنسى. وهناك شخصيات تاريخية في العديد من المجالات لعبت دورا في توجيه مسار الإنسانية. وهناك أيضا خطابات تاريخية تترك بصماتها على حقبتها كما على التاريخ كله.
و«الخطابات التاريخية» هو عنوان الكتاب الذي تقدمه «ناتالي رونو ــ روديه» أستاذة التاريخ والجغرافيا والحاملة لشهادة التأهيل العليا ــ أغريغاسيون ــ في هذين المشربين العلميين. وهي تعود فيه إلى عشرات الخطابات التي عرفها القرن الماضي العشرون «المضطرب» حيث شهد حربين عالميتين اعتبارا من نشوب الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية القرن.
تقوم المؤلفة بمحاولة تفسير مدلول الخطابات التي اختارتها ووضعتها في خانة «الخطابات التاريخية» وبتحديد موقعها في سياقها التاريخي والسياسي والمنظور الذي قالها أصحابها فيه والمشاكل والمسائل التي كانت مناسبة إلقائها والرهانات التي ارتبطت فيها والإرث الذي ترتب عليها.
ومن الخطابات التي تدرسها المؤلفة من زوايا مختلفة تلك التي غدت كلها أو بعض ما جاء فيها بمثابة مرجعيات في ميدانها مثل خطاب ونستون تشرشل للبريطانيين قبل الحرب العالمية الثانية. وبالتحديد بتاريخ 13 مايو من عام 1940 عندما قال لشعبه البريطاني أمام تجربة خوض غمار الحرب ما مفاده «ليس لدي ما أقدمه لكم سوى الدم والألم والعرق والدموع».
والخطاب ــ النداء الذي أطلقه الجنرال شارل ديغول بتاريخ 18 يونيو من عام 1940 عبر إذاعة لندن حيث كان قد لجأ ووجهه لمواطنيه الفرنسيين. وأعلن فيه عن بداية المقاومة ضد الاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. لقد قال كلمته الشهيرة: «إن فرنسا خسرت معركة لكنها لم تخسر الحرب».
وتشير المؤلفة في معرض تحليلها لذلك الخطاب أن الجنرال كرر فيه ضمير المتكلم بصيغة الجمع «نحن» عدة مرات في الخطاب. ذلك كي يؤكد أن نداءه يعني جميع الفرنسيين ومؤكدا بالوقت نفسه أنه في الصف الأول من المقاومين ومرددا «أنا الجنرال ديغول».. وكانت رسالته القوية التي سمعها الفرنسيون وتفاعلوا معها هي:«مهما حصل ينبغي أن لا تنطفئ شعلة المقاومة الفرنسية… ولن تنطفئ».
ومن الخطابات التاريخية التي تتوقف عندها المؤلفة طويلا ذلك الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي الأسبق الراحل جون فيتزجيرالد كينيدي في برلين الغربية بتاريخ 26 يونيو من عام 1963 اي بعد عامين من إشادة «جدار برلين» وفي سياق ما بعد نهاية أزمة الصواريخ السوفييتية التي كانت منصوبة في كوبا وكادت أن تؤدي إلى حرب نووية لو لم يرضخ خروشوف ويقبل تفكيكها وإعادتها إلى مرابضها في روسيا.
ومن الخطابات التي تركت أثرا كبيرا في القرن العشرين ذلك الذي ألقاه المناضل الإفريقي ضد الاستعمار باتريس لومومبا الذي «ترك بصماته على التاريخ». كان ذلك يوم إعلان استقلال الكونغو عن السلطة الاستعمارية البلجيكية ولم يكن مقررا أن يكون في عداد الخطباء.
وخطابات كثيرة أخرى للمهاتما غاندي الذي قاد الهند إلى استقلالها ولنلسون مانديلا الذي أمضى 27 سنة من حياته في السجن ثم أصبح أول رئيس جمهورية لبلاده «جنوب إفريقيا» بعد إنهاء نظام التمييز العنصري. ومانديلا الذي تحتل صورته الغلاف الأول للكتاب هو صاحب الخطاب الشهير الذي ألقاه يوم تنصيبه رئيسا للجمهورية بتاريخ 10 مايو من عام 1994 وكرر فيه «لقد جاء الزمن الذي علينا أن نضمد فيه جراحنا». كان ذلك بمثابة برنامج لسلوكه في السلطة.

قد يعجبك ايضا