العالقون داخل الوطن أضعاف من هم خارجه

في وقتُ ما يزال هناك قرابة الـ 9 آلاف يمني عالق بدول العالم غير قادرين على العودة إلى أرض الوطن بسبب الحصار المفروض من قبل العدوان.. هناك أضعاف هذا العدد من اليمنيين داخل الوطن يعانون من أمراض خطيرة لا يمكن علاجها واستئصالها إلا بالخارج بالإضافة إلى الإصابات البليغة التي تعرض لها الآلاف إزاء الغارات الجوية التي شنها العدوان منذ 26من مارس 2015 وحتى يومنا هذا.
 “محمد الشيخ” أصيب بسرطان في الأمعاء, انتقل لاستئصاله وعلاجه بدولة “مصر” التي أجري له فيها عملية وتلقى سبع جرعات, بينما أجل الطبيب المختص الجرعة الثامنة ونزع الدعامات التي زرعها له إلى موعد صادف مع حظر وحصار العدوان على اليمن.
يقول الشيخ “لم أترك مستشفى في العاصمة “صنعاء” دون أن أطرق أبوابه وأستغيث بأطبائه لمعالجتي بعد أن عجزت عن العودة إلى الطبيب المصري المختص, لكن دون أن أجد من يساعدني, ما يسهل للسرطان العودة في جسدي بشكل أكبر مما كان بالسابق”.

محمد الشيخ” ليس إلا واحدا من مئات اليمنيين العالقين بالداخل, والذين يعانون ويمرون بأصعب وأمر مراحل حياتهم, دون أن يرحم المعتدي أو يستشعر أو تتحرك الإنسانية في جوفه الذي يكاد أن يكون مظلماٍ.
هؤلاء العالقون بالداخل ليس لهم أمل للشفاء أو لتخفيف الألم الذي لحق بهم سوى السفر إلى الخارج بأسرع وقت لتلقي العلاج, ما لم ستتضاعف حالتهم وتزداد خطورة, وترتفع نسبة إصابتهم أكثر مما كانت في السابق يقابلها انخفاض في نسبة الشفاء.
“صالح فارع” هو الآخر أجرى عملية جراحية في إحدى ركبتيه بدولة “مصر” قبل سبعة أشهر.. رسوم العملية والعلاج والسفر وصلت إلى أكثر من 8 ملايين ريال يمني, حد قوله, ولديه الآن عودة إلى نفس الطبيب لانتزاع المسامير, وفي حال التأخر عن إزالة المسامير, وفي حال استمرار الحظر والحصار سيفقد “فارع” رجله وسيكون عاجزاٍ عن الحركة والمشي.
وكان اليمنيون ومنذ عشرات السنوات, ينتقلون إلى دول الخارج لمعالجة الأمراض والحالات المستعصية والخطيرة, إذ كانتا ـ وما يزالان ـ دولة “مصر” ومملكة “الأردن” قبلتا وواجهتا المرضى اليمنيين الذين كانوا ينتقلون بالمئات شهرياٍ بالإضافة إلى دول أخرى.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور تميم الشامي أكد على أن الجرحى جراء العدوان على اليمن حتى نهاية الأسبوع الفائت بلغو 4607 جرحى أغلبهم بإصابة بليغة وبحاجة لتلقى العلاج الفوري والسريع خارج الوطن.
وسبب انتقال المرضى اليمنيين إلى الخارج, غياب البنية التحتية الصحية بالوطن والتي لم تلتفت إليها وتهتم بها عشرات الحكومات المتعاقبة منذ عشرات السنوات, إذ أن المستشفيات والمنشآت الصحية تفتقر للإحداثيات والأجهزة الطبية الحديثة بالإضافة إلى الكوادر المتخصصة بالأمراض الخطيرة, وأن وجدت بعض المستشفيات الخاصة تكون التكاليف العلاجية فيها تفوق أضعاف تكاليف العلاج بالخارج.
 وزارة الصحة العامة والسكان في تقاريرها الأسبوعين الماضيين  أكدت أن المستشفيات الرئيسية ستعجز عن تقديم الخدمات الصحية والإنسانية الطارئة أو إجراء عمليات أو توفير خدمات الرعاية المركزة للمرضى المحتاجين.. مشيرة  إلى أن برامج إنقاذ الأرواح والحماية الصحية ستنهار تدريجياٍ بسبب شح أدوية الأمراض المزمنة مثل الغسيل الكلوي وأمراض القلب والأورام وتشهد بنوك الدم نقصاٍ خطيراٍ في الكواشف اللازمة لعمليات التبرع بالدم ونقله ويواجه مخزون الدم خطر التلف بسبب انقطاع التيار الكهربائي وسوف يؤثر نقص الإمدادات والوقود أيضاٍ على قدرة فرق الإسعاف على القيام بالتدخلات المنقذة للحياة.
منظمة الصحة العالمية حذرت في بيان لها, نهاية الأسبوع قبل المنصرم من انهيار وشيك لخدمات الرعاية الصحية في اليمن.. وقالت ” أن المرافق الصحية في اليمن تصارع لمواصلة تقديم الخدمات في ظل استمرار النقص في الأدوية المنقذة للحياة والإمدادات الصحية الحيوية والانقطاع المتكرر للكهرباء المستمر وشح الوقود اللازم لتشغيل مولدات الطاقة”.
تعاني المستشفيات الرسمية والخاصة من نقص حاد في المواد والمستلزمات الطبية والأدوية لمواجهة الحالات الطارئة البسيطة سواءُ الناتجة عن الطبيعة أو عن العدوان الجوي.
وما يزيد الطين بلة, هو الحظر والحصار القائم على الوطن, والذي لم يسمح بإدخال أي معونات إنسانية وصحية, رغم دعوات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية, إلا أن قيادة العدوان ما تزال مصرة على استمرار الحصار, وإن صرح إعلامها بوصول صائرات وسفن إلى مطارات وموانئ يمنية تحمل مساعدات طبية عاجلة, فهي بسيطة ولم تغط أقل وأبسط الاحتياج المطلوب.
وزارة المالية استأجرت طارئتين لإعادة اليمنيين العالقين في الخارج والمقدر عددهم بأكثر من 9 آلاف شخص عبر رحلتين يوميتين اعتباراٍ من الأربعاء الماضي وابتداء من نقل العالقين في مصر والأردن والهند ثم بقية الدول حسب ما أعلنه مدير عام النقل الجوي في الهيئة العامة للطيران المدني الدكتور مازن غانم.
إلا أن وزارة المالية لم تلتفت أو تبحث عن سبل أو طرق لنقل اليمنيين المرضى والمصابين بالداخل اللذين استصعب علاجهم بالمشافي والمراكز الطبية المحلية.
أطباء يؤكدون أن هناك المئات من الجرحى جراء العدوان بحاجة طارئة وعاجلة للنقل إلى خارج الوطن لتلقى العلاج قبل أن تتضاعف حالاتهم عما هي عليه حالياٍ.
وفي ظل استمرار العدوان والحصار, سيفارق الحياة مئات اليمنيين متأثرين بإصابات خطرة وبليغة ومصابين بأمراض مستعصية عجز الطب الداخلي والمحلي عن معالجاتها ومداواتها, لتبقى صرخات المرضى وأنينهم المثخنة بالآلام وحدها تدوي, دون أن تجد من يسمع أو يهتم أو يلتفت إليها لا من داخل الوطن ولا من خارجه.

قد يعجبك ايضا