منذْ إعلانها محميةٍ طبيعية كانت ولا تزال مديرية عْتْمة بمحافظة ذمار وجهةٍ أولى للباحثين عن المتعة والاستجمام في أحضان الطبيعة البكر. ونظراٍ لما حباها اللهْ من مقومات سياحية فريدة ظلت حتى اليوم أشهر المحميات الطبيعية في اليمن. لكن ما يؤسِفْ له أن هذه المديرية المترامية الأطراف والتي تْعتِبر من أكثر المديريات سْكِاناٍ في اليمن ولا تكاد تخلو منطقة يمنية من شخصُ عْتْمي ورغم ذلك لم تنلú هذه المْديرية/المحمية حقها اللازم من الاهتمام الذي يجب أنú يْتِخِذ إزاء منطقة كثيفة السْكان وفي مقدمة المحميات الطبيعية ليس في اليمن فحسب بل والجزيرة العربية ككل.
حين يْشرفْ المرءْ على منطقة ثلوث عتمة يهوله ما يرى من طرابيل بيضاء تعم الأودية والشعاب التي يْزرع فيها القات حيث يستخدمها المزارعون من أجل الحفاظ على أغصان القات من البِرِد الذي يْصاحب الأمطار ويعمل على إتلاف أغصان القات والثمار معاٍ.. والعجيبْ في الأمر أن هذا الاهتمام بتغطية القات بالطرابيل حمايةٍ له من البِرِد ومن الصقيع الذي يعم بعض أسابيع فصل الشتاء وهو ما يْسمى في كثير من المناطق اليمنية بـ(الضريب) لا يْصاحبه اهتماماٍ بالأشجار المْثمرة سواءٍ كانت فواكه أو خضروات ما يعني أن شجرة القات قد استفحلِ أمرْها وأضحتú هي سيدة الموقف في بلادنا بلا مْنازع رغم الأضرار الكبيرة التي تتسبب بهاº بدءاٍ من إهلاك المال في غير موضعه ومروراٍ بإهدار المياه التي تستحوذ شجرة القات على مايربو عن 90% من المياه التي تْستِخدم في اليمن وانتهاءٍ بالإصابات المتتالية بالأمراض الخبيثة التي يقف في مقدمتها أمراض السرطان التي تنتج عن استخدام المبيدات في رش شجرة القات حيث وسوق المبيدات المحرمة والممنوعة في تزايدُ يومي ولم يعد يمر علينا إسبوع دون أنú نسمع عن القبض على شحنة مبيدات مهربة وبالذات في منطقة باب المندب ومديرية ذباب حيث أضحى ذلك الساحل الممتد من باب المندب إلى مدينة المخا هو المكان الأكثر عبوراٍ لشحنات المبيدات المهربة ومؤخراٍ للأسلحة أيضاٍ.
عتمة بدون الغطاء النباتي والأشجار الكثيفة ليستú شيئاٍ فيجب على المسئولين في المديرية وقيادة محافظة ذمار إدراك ذلك والسعي لوضع قيود صارمة تحد من تفشي هذه العاهة التي ستقضي على هذه المحمية الفريدة فنحن لا نريد أنú يأتي اليوم الذي نشكو فيه من اختفاء الغطاء النباتي في عتمة ولا أنú نرى تلك الغيول والعيون والشلالات الطبيعية وقد أصبحتú في خبر كانِ.. عندها لن ينفع الندم ولا يمكن للمواطن أنú يقبل من المسئولين والمعنيين أية تبريرات مهما كانت وجاهتها.. لابْد من استدراك الخطأ قبل أنú يستفحل ويأتي على كل معالم هذه المحمية الساحرة.
المواطنون الذين التقيناهم كانوا يضعون في أعناقنا أمانة ويستحلفوننا بالله إيصالها إلى الدولة وهيئة حماية البيئة ووزارة السياحة وقيادة محافظة ذمار وهذه الأمانة التي حملها إيانا المواطنون تتلخص في شكواهم من غلاء إسطوانة الغاز وعدم توفرها أحياناٍ ما يجعلهم يلجأون للاحتطاب من أجل التوفير في استخدام مادة الغاز التي لا يستطيع كل المواطنين شرائها بسبب تردي المعيشة وقلة الدخل في مجتمع ريفي يعيش على المجهود الذاتي حيث لا وجود للحكومة فيه إلا لجباية ضرائب أو تحصيل فواتير أو استخلاص زكاة ما عدا هذه الأمور فليس للحكومة أي تواجد بدليل أن هناك العديد من قضايا الثأر والاقتتال التي تتكرر على مدار العام وبعضها أدى إلى تشريد العديد من الأبرياء وإيقاف الدراسة في بعض المدارس ووصلِ الأهالي بمظاهرات إلى أمام منزل رئيس الجمهورية ومع ذلك لم يتم اتخاذ أية إجراءات للحد من تفشي تلك الظاهرة التي عرقلِت وعطلت كثيراٍ من مصالح المواطنين.
الأمنْ وتوفير مادة الغاز المنزلي بأسعار رمزية هو واجبَ حتمي على الحكومة ويجب عليها البدء بتنفيذه لتدارك ما بقيِ من هيبة الدولة في هذه المديرية التي يحرص أبناؤها على وجود الدولة وهي تحرص على أنú لا يكون لها أثراٍ إلا في الجباية فقط!
وهناك مشكلة مهمة يعاني منها كل أبناء عتمة وهي سوء الطْرْق التي تم تنفيذها على امتداد المديرية سواءٍ خط مدينة الشرق الدليل أو خط ذمار عتمة الذي يمر بمغرب عنس فعتمة ثم إلى وصاب.. فكل هذه الطْرْق تتعرض للانهيارات والتشققات والهبوط وتقشع مادة الاسفلت ومع ذلك لم يجد المواطنون أية جهة تتفاعل مع شكواهم المريرة ولم يجدوا آذاناٍ تصغي لآهاتهم المريرة جراء المعاناة المتواصلة في تلك الطْرْق التي أصبح بعضها بحْكم العدم رغم أن رئيس صندوق صيانة الطْرْق هو أحد أبناء هذه المديرية/المحمية التي تتعرض للظلم من المعنيين ومن أهلها معاٍ لينطبق عليها قول الشاعر:
وظْلúمْ ذوي القْربى أشدْ مضاضةٍ ** على النفس من وقع الحْسام المْهنِد
في الطريق إلى عتمة عبر مدينة الشرق سيواجهك أول الأمر الجسر الذي يقع على ضفتي وادي رِمِع والذي لم يعد يبدو منه سوى علامات خافتة على ضفتي الوادي تظهر على استحياءُ من الله وخلقه حين تشعر أنها لم تبدأ حتى آذنتú بالرحيل.. وبعد اجتياز تلك السائلة والوادي بصعوبة يصل الزائرْ إلى نقيل المهلالة أو نقيل المقرانة والذي شقتú فيه السيولْ ثلاثة أرباع الخط الإسفلتي ولم يتبقِ منه إلا الخط الأصفر الذي بجانب الجبل وأضحى المرور فيه نوعاٍ من المْجازفة بالعْمر والحياة.
أما حين يصل المرءْ منطقة المهلالة باتجاه منطقة الميدان فحدِث ولا حرج عن تلك النتوءات التي قضت على معظم إطارات السيارات وتسببت في تلفها لتكون فيما بعد سبباٍ في وقوع العديد من الحوادث للمركبات التي تسقط من شاهق أو تنقلب جراء انفجار الإطارات.
لكن ما يجز في النفس أكثر هو أن عاصمة المديرية نفسها لم تسلم من ذلك العبث وتلك المأساة التي تتبدى للزائر من أول وهلة فالاسفلت فيها انعدمِ تماماٍ وما تبقى على شكل نتوءات يقول المواطنون: (عدمه ولا وجوده) أي أنهم يتمنون زواله فذلك أفضل من بقائها سبباٍ لإتلاف الإطارات أو التسبب بصدام المركبات مع بعضها حين يهرب السائق منها إلى الخط الآخر فيصطدم بالسيارة المواجهة له.
زدú على ذلك أنِ منطقة بني سعدان وثلوث عتمة قد أصبحتú فيها الطْرْق سوائل ومجاري للسيول بكل ما تعنيه الكلمة ويصعب على المرء التصديق أنه كان يوجد هنا طريق إسفلتي إلا إذا وجدِ على جانبي الطريق في النادر قطعة إسفلت أو أحجار من التي توضع على جانبي الطريق للحفاظ عليها وهي نادرةº والنادرْ لا حْكúمِ له.
ولكن ورغم ما سبقِ ذكره من مشكلات رصدناها بعدسة الكاميرا وتلمسناها من أفواه المواطنين الذين التقيناهم إلا أن عتمة ستْجبرْ مِن يزورها على الاحتفاظ في ذاكرته بأشياء فريدة ونوعاٍ من الحنين الذي سيْعيده إليها مرةٍ أْخرى وكيف لا وهو إنú ينسِ فلن يستطيع أنú ينسى رأس الأسد الذي تشكِل في الجبل المْطل على منطقة الميدان ومغربة الحيم والذي يقف شامخاٍ مواجهاٍ لقلعة بني أسد ذات الصيت الكبير والتاريخ العريق.. وكيف للزائر أنú ينسى تلك المدرجات البهية التي تزدانْ بمختلف المحاصيل والحبوب والتي انتشرِ الفلاحون مع نسائهم وأولادهم بين ثناياها في عملُ دؤوب يؤدون أعمالاٍ مختلفة لابْد من القيام بها لتمنحهم الأرضْ محصولاٍ وفيرا.
وكيف يمكن نسيان الشلالات المتدفقة والجداول الرقراقة والبرِك والسدود التي تعم عتمة من أدناها إلى أقصاها فضلاٍ عن الطيبة التي تلمحهها في وجوه كل الناس الذين تقابلهم.. فقط في الختام أتمنى أنú أكون قد أوصلتْ أصوات أولئك المواطنين الذين حملوني الأمانة وأسألْ من الله أنú ييسر لي زيارة عتمة وقد تم تجاوز كل تلك المشكلات التي رأيتها في زياراتي السابقة.