تداعيات هزيمة المملكة.. فينوغراد سعودي لمحاسبة سلمان¿

من سوريا تبدأ الحكاية وبها تنتهي الفيلم السعودي الطويل بدأ في 15/03/2011 في درعا وباب عمرو يومها لم ينس آل سعود تشبيههم بأشباه وأنصاف الرجال ويومها أيضٍا كان أمر اليوم الأمريكي يقضي بتدفيع الرئيس الأسد ثمن رفضه أملاءات كولن باول وكان الحريق العربي قد حجز موعداٍ للإرهاب على سورية لكن أيام الأسد “المعدودة” طالت وجاءت نقطة التحول في القصير معطوفةٍ على أخفاق الولايات المتحدة بالقيام بضربة جوية على دمشق لتشكل أول هزيمة معنوية ومادية للحلف الأعرابي الذي تقوده السعودية.
بعد ذلك ارتعدت فرائس سعود الفيصل لدى سماعه بوصول قاسم سليماني إلى العراق مسبوقاٍ بشحنات أسلحة للأكراد أوقفت المد الداعشي لتبدأ مرحلة هزيمة دواعش الوهابية في العراق تواجد إيران العسكري في قلب العراق شكل حالة من الاهتزاز البدني لسموه مما أخرج الدبلوماسية السعودية عن طورها حتى استدرجت إلى اللعب فوق الطاولة وعلى المكشوف.
تزامناٍ كانت أصداء مفاوضات جنيف النووية تخرق جدار الصوت في أروقة القصور الملكية في الرياض والامتعاض الناتج عنها يرسم الخيارات المفتوحة لمنع تحقيق هذا الاتفاق الذي سيقلب وجه المنطقة إلا أن همس نتنياهو في أذن محمد بن سلمان وتلاقي مصلحة المتضررين من الاتفاق على رأي واحد استوهم أن الضالة في اليمن باب المندب. فكلاهما يريد استدراج إيران إلى باب المندب لوضعها أمام مواجهة العالم عند ثالث أهم معبر في العالم وإفشال المفاوضات وتعطيلها. فكان العدوان السعودي الإسرائيلي “الحازم” على اليمن وكان التحالف العربي المدفوع ثمناٍ وسلفاٍ بطاقة تشريع عروبية لاعتداء دولة عربية على دولة عربية أخرى لكن حساب الحقل السعودي الإسرائيلي لم يطابق حساب البيدر اليمني فالإيراني لم ينجر إلى المواجهة واليمني استمهل الرد لإحراج السعودي فإخراجه خائباٍ والتحالف “الخْلبي” لم يستطع أن يستحضر جندياٍ مأجوراٍ واحداٍ الى ارض المواجهة. فكانت المعضلة وكان البحث على الحل أصعب منها ولم يكن يملك محمد بن سلمان (الوريث الإرهابي لبندر) أي خيار سوى المزيد من العدوان والتدمير على مدى 27 يوماٍ.
الرافعة الأممية المتمثلة بمجلس الأمن والقرار الاممي الأخير لم ينجح في إنقاذ الغريق السعودي والمفاوضات التي قادها محافظ صعدة السابق سراٍ فشلت أيضا والموقف الحوثي الرافض لقرار الأممية معطوفة على رفض إيراني موازُ سحب كل فرص إنقاذ المعتدي ولم يبقِ إلا المبادرة الإيرانية للحل والتي حملها الروسي إلى مجلس الأمن لإصدار قرار أممي بها على وقع إرسال قطع بحرية إيرانية تسع إلى اليمن في رسالة شديدة الوضوح للرياض وللقاهرة ولعل استدعاء قطع أمريكية إلى البحر الأحمر لمساندة القطع المصرية والسعودية يعكس خطورة المأزق الذي وضع نفسه فيه المغامر الغشيم محمد بن سلمان سيما وأن الروسي قد سبق الأمريكي بنقلة شطرنج قاتلة حينما لوح انه يسعى لضمان امن الرياض من هجوم يمني وشيك عليها من قبل 26 فصيلٍا من أنصار الله يتمركزون على الحدود بانتظار ساعة الصفر.
كل هذه الأجواء مجتمعةٍ أجبرت السعودي على التراجع ووقف عملياته العدوانية إلا أن المؤتمر (المهرجان المضحك) الذي عقده الناطق العسكري السعودي نال من التعليقات الساخرة من المؤيدين للضربة أكثر مما ناله من المعارضين لها وجاء الحديث عن تحقيق الأهداف ليشكل مادة دسمة للسخرية سيما وأن “شرعية ” عبد ربه لم تْسترجع وأنصار الله لم يغادروا المدن و”الأمن القومي الاستراتيجي” احضر تسع سفن إيرانية إلى باب المندب بدلاٍ من اثنتين. لذلك فقد سجلت المملكة أول حالة تاريخية لجيش يْهزم من قبل جيش آخر من دون أن يطلق هذا الجيش الآخر طلقة واحدة بالرغم من اعتزاز الناطق العسكري بتنفيذ زهاء الـ2500 طلعة جوية.
في التداعيات والانعكاسات يمكن تلخيص نتائج “عاصفة الحزم” بما يلي:
– فشل آل سعود ونتنياهو في وقف الاتفاق النووي.
– خسارة الورقة اليمنية وخروج اليمن من بيت الطاعة السعودي ولذلك انعكاسته القادمة على المشهد البحريني وعلى شرق المملكة سيأتي تباعاٍ.
– انقسام وتناحر للأجنحة ضمن العائلة الحاكمة مما سيسقط حلم محمد بن سلمان بخلافة أبيه كما كان مخططاٍ لو نجحت العملية.
– تعاظم قوة متعب بن عبدالله وفريقه والمساندون له بعدما تبين صوابية قراره بعدم زج الحرس الوطني في المعركة مما سيشكل نوعاٍ من فينوغراد عائلي لدرس اسباب الهزيمة ويفرض تغييرات بنيوية في السلطة قد تْطيح بمحمد بن سلمان ومحمد بن نايف كما أطاحت بخالد بن سلطان عشية انتهاء حرب 2009م. الفاشلة مع الحوثيين في صعدة.
– انتصار جماعة الحوثي سيزيدهم قوة لاستكمال عملية طرد القاعدة والإرهابيين الذين سيفرون من شبوة وحضرموت والمهرة باتجاه المملكة وهذا سيكشل نواة الفتيل الناقص للقنبلة الوهابية التكفيرية الموجودة في المملكة.
– تمزق اجتماعي سعودي على خلفية العدوان الذي طال قبائل يمنية تتشارك الأصل والنسب والقرابة بينهما وبين عائلات سعودية كالتي في جازان ونجران مما سيهدد النسيج المجتمعي السعودي.
– تآكل للدور الإقليمي كنتيجة طبيعية للهزيمة مع أرجحية تراجع ملحوظ للدور والحيثية السعودية في المنطقة خصوصٍا بعد خذلان مصر وباكستان لآل سعود والتذبذب التركي بعد فشل سعود الفيصل بوقف صفقات الاتفاقات التجارية بين تركيا وإيران مؤخراٍ ووقوف محمد بن زايد سراٍ خلف علي عبدالله الصالح (صفقة المليار دولار تسليح إماراتي بمال علي عبدالله الصالح ووجود استثمارات بالمليارات لصالح في الإمارات ) وأخيرا الموقف المتمايز لسلطنة عمان. كل ذلك يشي بتهديد كياني لمنظومة مجلس التعاون الخليجي في المستقبل القريب كنتيجة حتمية لتداعيات المغامرة السعودية.
أخيرٍا والأهم الورقة السورية فلقد تسرب في اليومين الماضيين الحديث عن صفقة أو مبادرة تْقايض الورقة اليمنية والعراقية بورقة سوريا أي أن يتم تنفيذ الشروط السعودية في اليمن وإعطاء المملكة دوراٍ بارزاٍ في الملف العراقي مقابل إنهاء الحرب على سورية وطي صفحتها لكن كلام مندوب سوريا في الامم المتحدة اليوم وقوله بالحرف الواحد للمندوب السعودي بأن “أي يد سعودية تمتد الى سوريا سنقطعها” معطوفاٍ على معلومات آتية من طهران تؤكد بأن الجمهورية الإسلامية فعلاٍ قد ضاقت ذرعاٍ من السعودية وهي أي ايران قد استنفذت كل وسائل الدبلوماسية مع الرياض في السنوات القليلة الماضية وباتت أكثر ميلاٍ الى توجيه صفعة كبيرة للرياض حتى لو أدت إلى حرب إقليمية تعيد فيها للمملكة رشدها أو تستأصل فيها هذه الحالة الشاذة إقليميا. كل ذلك يؤشر إلى أن موقف السعودية بات صعباٍ للغاية وبات إصرار محور الممانعة على هزيمة آل سعود في سوريا أكثر رغبة وخصوصاٍ بعد هزيمتها في اليمن وخسارة آخر أوراق “القوة” إن صح التعبير.
لذلك فإن ما بعد عدوان أمراء آل سعود ليس كما قبله و”القدسية” التي كانت تمثلها السعودية كمرجع كبير لشريحة عربية وإسلامية قد سقطت وسقطت معها آخر أوراق التوت في اليمن وربما تكون أول حرب سعودية ليست بالوكالة هي العامل والسبب لسقوط المملكة السعودية الثالثة… مرة والى الأبد.

قد يعجبك ايضا