قرأت في وقت سابق قصة تناولتها عدد من المواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي تحكي عن توقف خليجي اضطراريا على كتف أحدى طرق دول الخليج نتيجة حدوث عطل فني أو إصابة أحد إطارات السيارة بثقب, ما أجبر صاحبها على التوقف عن مواصلة السير, وبقي هو وأسرته وأطفاله نتيجة ذلك العطل ـ الذي لم أعد أذكره بالتحديد ـ لوقت طويل تحت أشعة الشمس وحرارتها ووسط صحراء تربط بين دولتين من دول الخليج العربي, دون أن يجد من يساعده أو يتعاون معه رغم استنجاده بالمارة عبر التلويح والإشارة لهم, وبعد أن كادت أن تتقطع أنفاسه وآماله في تلك الصحراء الخصبة, توقف جواره أحد السائقين وبعد معرفته بالسبب الذي أوقف الرجل وأسرته لساعات على الطريق ولم يلتفت إليه أحد, أدلى إليه بنصيحة أو مقترح متضمن “أن ينتزع عقاله ويلف شاله على رأسه كما يعمل اليمنيين “القبع” ويقف بجوار السيارة وسيجد من يساعده”.
وبحسب القصة, التي لم أعد أذكر تفاصيلها الدقيقة, كالموقع والعطل وجنسية المتورط على الطريق.. قام السائق الباحث عن منقذ بتنفيذ المقترح وربط “الشال” على رأسه بطريقة تعتبر من التراث الشعبي اليمني والمتعارف عليه منذ الزمن.. وخلال دقائق معدودة وجد خلف عربته العاطلة والخارجة عن الخدمة, عدد من السيارات التي يقودها اليمنيون الذين تولوا مهمة إصلاح الخلل وربطهم بعلاقة اجتماعية مع كل من توقف ذلك الوقت.
الخليجي الذي روى القصة لأحد المواقع الإخبارية, كان مستغربا من تنافر الخليج عن بعضهم وتكافل وتكاتف اليمنيين مع بعضهم.. كان يشعر بالنقص لأنه لم ينتم لليمن.. يشعر بالذل والجبن من أن يقف أمام عروبة أبناء سبأ وحمير وذي يزن.
حين قرأت القصة شعرت بفخر الانتماء إلى وطن يتوحد ابناؤه في أحلك الظروف مهما كبرت أو تفاقمت اختلافاتهم السياسية أو تقاليدهم وقوانينهم الاجتماعية.. لكن حين تكرر نفس المشهد الأسبوع الماضي عرفت حجم الغصة التي كانت تسكن ذلك الخليجي والغيرة والحقد على هذا الشعب المحافظ على وحدته وأخوته أين ما ذهب وأين ما وجد.
المشهد الذي عشته في الثاني من إبريل الجاري 2015م وأثناء عودتي من محافظة حجة تعرض أحد إطارات السيارة التي كنت استقلها لثقب أدى إلى إفراغ الهواء وإيقاف حركة سير الصالون.. كان ذلك في الخط العام الذي يربط حجة بالعاصمة صنعاء ومحافظة عمران.. وتحديدا بمنطقة الإشمور التابعة لعمران.. وما إن تمكن السائق من إيقاف الصالون على كتف الطريق وباشر برفع يديه والضرب على رأسه لعدم امتلاكه إطار استبني “احتياط” أو “العفريتة” التي تستخدم في رفع السيارة أثناء تبديل أي إطار لها.
لحظات توقف فيها نبض قلوبنا وتصدعت رؤوسنا.. كانت مؤلمة ومحيرة.. عشتها أنا ومن معي على متن الصالون.. لا ندري آنذاك من نحمل المسؤولية السائق المهمل لعدم إحضارة الأدوات اللازم توفرها وتواجدها في العربة أثناء السفر.. كنا قلقون أيضا لبعدنا عن أي محل تغيير وإصلاح الإطارات, ولعدم وجود شرطة دوريات تقدم لنا المساعدة في ظرف كهذا.. وتناسينا بأننا في أرض يعيش عليها أناس يشهد لهم العالم أجمع بتكافلهم وتعاونهم وعروبتهم وتساندهم مع بعضهم ومع العرب عامة.
دقائق وإذا بسيارة هيلكس يقودها شخص, عرفنا لا حقا بأنه أحد مشايخ الأشمور.. توقف خلفنا وهرول من سيارته ومن عليها ليرى ما المشكلة التي وقعنا فيها, وحين عرف بادر بإحضار إطار سيارته الدبل وأدوات الفك والتركيب.. ومساعدتنا.. وبعد ذلك وقف بجوارنا شيخ مشايخ المنطقة ولم يتركنا إلا بعد الاطمئنان علينا.
ولم يكتف الشيخ إبراهيم الأشموري عند ذلك الأمر في مساعدتنا فحسب.. وإنما قام بأخذ إطار السيارة المتعطل الخاص بنا, والانتقال به إلى المدينة لإصلاحه وصيانته ومرافقتنا حتى انهينا من صيانته.. وحين أردنا أن ننزع إطاره.. أصر الأشموري ,خاصة بعد معرفته بأننا سنعود من منطقته اليوم التالي, على أن نبقي إطاره معنا ونتركه خلال عودتنا من العاصمة في أحد محلات المنطقة مع أدوات الفك والتركيب الخاصة به.
ورغم انعدام مادة البنزيل نتيجة الظروف التي يمر بها الوطن حاليا.. قدم لنا الشيخ الأشموري استعداده للمساعدة والبحث عن مادة البترول إن لم يكن معنا ما يوصلنا إلى العاصمة صنعاء.. هنا كانت لساني عاجزة عن الشكر والتقدير.. عاجزة عن الحديث والامتنان للأشموري الذي قدم المساعدة وبذل ما لم يبذله غيره لأناس لم يعرفهم, وإنما وجدهم على قارعة الطريق عاجزين عن مواصلة الحركة.
هذا الموقف يؤكد ويثبت للعالم بأن اليمن أصل العروبة وأصل الوحدة والتعاون والتكاتف.. فنحن اليمنيين متوحدون ومتساعدون رغم الظروف ورغم الألم ورغم كل ما نمر به.. فلن يثنينا عن الوقوف بجوار وجانب بعضنا أي شيء سوى الموت.. كل ذلك يؤكد أن اليمن أصل العروبة رغم أنف الجميع ورغم أنف العالم.
قد يعجبك ايضا