هي المرةْ الأْولى التي أزور بها جبل صِبر رغم ما قرأتْ عنه وما شاهدتْ من صورُ له على شاشات الفضائيات وصفحات المجلات والجرائد,إلا أنني لم أكن أتصور أنهْ بذلك الجمال,فقد اكتستني الدهشةْ وأنا أقف ملياٍ أمام ذلك الجمال الرباني الذي يْشعْ من جنبات ذلك الجبل المهيب الذي يحتضن مدينة تعز بحنوُ جعلِ منها مدينةٍ فريدة ومزاراٍ لمئات الآلاف من السياح فضلاٍ عن اليمنيين الذين يتقاطرون عليها من كل حِدِبُ وصوب,ما يعني أن عدد زوار هذا المكان الفريد وحسب بعض المهتمين بالسياحة يصل إلى المليون وأكثر على مدار العام,لأن المكان فريدَ في موقعه وساحرَ بطبيعته,ومن غير الممكن لمن يزوره مرةٍ واحدة ألا يزوره مرةٍ ثانية.
من عتبة قلعة القاهرة كانت بداية التسلْق لهذا الجبل الضخم الذي يختزل في طياته قروناٍ من الحضارة ومساحات شاسعة من الجمال الطبيعي الفريد,الذي لا يجد المرءْ له مثيلاٍ مهما شرقِ وغرب,فجبل صِبر لوحده تْحفة فنية طبيعية تزري بجمال جبل لبنان ذاته وجبال الألب الشهيرة التي دوتú شهرتْها في كل أرجاء العالم بسبب الترويج الإعلامي الكثيف,والذي ينقص جبل صبر فقط ليفوق تلك المعالم الطبيعية السياحية الساحرة التي لا تصل إلى نصف ما حبا الله به جبل صبر من روعة وجمالُ ومزايا تسحر كل مِن يزور هذا الجبل فيجد نفسه مرتبطاٍ بوشائجُ غريبة مع هذا الجبل وأنهْ لا فكاك عنه أبداٍ,الأمر الذي يضطر المرء لمعاودة زيارته كْلما سنحتú له الفرصة.
حين بدأتْ أتسلق جبل صبر لم أكن أعرف أني سأشاهد كل ذلك الجمال المختبئ في ثناياهْ وفي طيات شعابه وأوديته وقْراهْ التي تنتثر في أرجائه كحبات اللؤلؤ,كنتْ أظن كما شاهدته من بعيد أنه جبل قفرَ إلى حدُ ما وأن ليس فيه أودية بذلك القدر الذي رأيتْها عليه,فقد بدا من بعيدُ ضيقاٍ وليس فيه من العمار مثلما تبدى لنا ونحن
نصعدْهْ رويداٍ رويداٍ متملين بجماله وبالمنظر البديع الذي بدتú عليه مدينة تعز من صدر هذا الجبل المهيب.
كانت هذه هي الدهشة الأولى التي أتلقى بها رؤية الكنوز الطبيعية التي يحتويها جبل صبر,وهي الرشفة الأولى التي أرتشفْ بها من رحيق أفيائه التي تتوزع يميناٍ وشمالاٍ وتجبر كل زائرُ على التوقْف عندها للتأمْل ملياٍ بهذه الطبيعة التي حازها هذا الجبل وانفرد بها من دون كل الأماكن على امتداد العالم الفسيح.
إذاٍ هو جبل صِبر الذي تختلف الروايات كثيراٍ عن سبب تسميته,لكنها تتفق في أنهْ المكان الأكثر روعةٍ ودهشةٍ وسحراٍ في بلاد العربية السعيدة وعموم شبه الجزيرة العربية.
ونحن نتسلق جبل صبر أدهشنا الانتشار الكثيف للاستراحات التي تمتد على طوال الخط الإسفلتي وتحتضن كل يوم الآلاف من الزائرين والباحثين عن متعة الجلوس في مواجهة الطبية البكر وهواة المكوث على مشارف مدينة تعز الساحرة.
لم أصدق نفسي وأنا أشاهد كل تلك السيارات التي تنتشر على جنبات الخط الإسفلتي الضيق الذي يربط مدينة تعز بجبل صبر,فلا يكاد المرء يجد حتى متراٍ واحداٍ يفصل بين السيارات المنتشرة على سفوح قرى وشعاب جبل صبر يْطلْ من خلالها أصحابها على مدينة تعز ويجولون بأبصارهم في الأْفق الفسيح الذي يبدو للرائي من أعالي جبل صبر أنهْ الأوسع من أي أْفقُ يْرى من مكانُ آخر.
مررنا بقرية ذي مرين وقرية الكريفة وقرية قراضة وقرية العقد وقرية القفعة وقرية الدمغة وقرية مراغة,وكلها قْرى تأسرْ الألباب بتكويناتها على سفوح الجبل وفي المنحدرات وبين ثنايا الشعاب التي تزيدها بهاءٍ على بهاء.
لكن أول ما يشدْ الزائر ولا يجد له مثيلاٍ في مكانُ آخر هو ظهور الأطفال والبراعم الصغيرة من الفتيات الذين يحملون بأيديهم الورود المختلفة والمتنوعة التي لا يمكن أن يجد المرء مثلها إلا في جبل صبر.
وهذه الورود التي يبيعها الأطفال وتلقى رواجاٍ وإقبالاٍ من قبل السياح والزوار لا يقتصر بيعها على الأطفال فقط,بل يوجد بعض النساء اللائي يبعنها وهْن يرتدين الزي الصبري المميز الذي يجعل المرأة تبدو تحفةٍ بحد ذاتها.. لكن يبقى لمنظر الأطفال وهم يحملون تلك الورود والأزهار مذاقَ آخر مختلف عن كل ما سواه,وليس بوسع مِن يزور جبل صبر أنú ينسى تلك اللوحة البديعة التي تْمثل مع
أصوات العصافير وتغريد البلابل في سفوح قرى وأودية وشعاب وروابي جبل صبر سيمفونية نادرة لا يمكن لإنسانُ أنú يختزلها ويستوعبها بزيارةُ واحدة.
لقد تركنا أعلى صبر وعدنا نجوب أرجاء جبل صبر لنغوص عميقاٍ في ذاكرة ووجدان المكان الذي وهبِ لنا كل سْبل الراحة والاستمتاع,خاصة وقد كان الطريق الإسفلتي يمتد من أدنى نقطةُ منه إلى أعلى نقطةُ في شماريخه الباسقات.
وهذا الطريق الإسفلتي الذي بْنيِتú على جوانبها وفي منحدراته الأرصفة الحجرية التي تحمي التربة من الانزلاق قد زاده جمالاٍ أخاذاٍ يْشعر مِن يزوره فعلاٍ أنه في جبل لبنان,اللهْم إن جبل صبر يفوقه بطبيعته الوادعة وعدم تلطخه بالمدنية الصارخة التي تحيل كل شيءُ جميلُ وهادئُ إلى لوحةُ صاخبةُ بالألوان والضجيج.
وقبل أنú نودع جبل صبر قافلين إلى مدينة تعز كان لزاماٍ علينا أنú نزور منتزه الشيخ زائد الذي يْجبر كل مِن يزور جبل صبر على التعريج نحوه والاستمتاع برؤية مدينة تعز من استراحاته التي فتنِتú الوزير اللبناني عبدالرحيم مراد وزوجته التي كانت مأخوذةٍ بجمال تعز وهي تراها من منتزه الشيخ زائد,الأمر الذي أكد لي فعلاٍ أن جبل صبر يزري بجمال جبل لبنان ويفوقه كثيراٍ.
حين ودعتْ جبل صبر لم اصدق أن الوقت قد مر بهذه السرعة,لكني تركته مجبراٍ على أمل اللقاء به بوقتُ قريبُ إن شاء الله.