الإرهاب عدو يستنزف الاقتصاد

حين كان رجل الأعمال المستثمر باوزير يبني مصنعا للزجاج في منطقة قريبة من العاصمة صنعاء عام 2010م كانت أحلامه أن يكون أكبر مصنع للزجاج في منطقة الجزيرة العربية بأكملها لم يكن الحلم خاصاٍ بالمستثمر باوزير وحده فقد حلم معه حوالي 190 عاملا وفنيا ومهندسا تمكنوا من الحصول على فرصة عمل معه وبدأوا بالعمل لتأسيس المصنع بكل قوة.
منتصف العام 2011م كان باوزير قد أكمل بناء المصنع بتجهيزات تصل قيمتها إلى50 مليون دولار عندها كانت المفاجأة غير المتوقعة إذ هجم عليه إرهابيون من عدة جهات وقاموا بتدميره بالمفخخات وأحالوه لكومة من الرماد فكانت فاجعة قصمت ظهر 190 عاملا دون مبالاة باوزير خسر ما يصل إلى 52 مليون دولار وخسر معه الوطن ملايين الريالات كانت ستشغل أيادُ عاملة وتطعم الآلاف من الأفواه التي تعيلها تلك الأسر يومياٍ جراء الاستثمار لكن الإرهابيين القتلة لم يدركوا ذلك.

في دراسة اقتصادية لوزارة التخطيط والتعاون الدولي خلال العام 2013م قدرت خسارة اليمن جراء الأعمال التي قام بها الإرهابيون وحلفاؤهم من القبائل على المنشآت الاقتصادية العامة كأنابيب النفط والغاز وشبكات الكهرباء والهاتف وخطوط الألياف الضوئية بحوالي 1482 مليار ريال خلال عشر سنوات فيما قدر البنك الدولي خسارة اليمن خلال السنوات الثلاث الماضية بحوالي 5 مليارات دولار وهو ما يوازي عائد اليمن من النفط لخمس سنوات بمقياس 2014م .
توقف النشاط
لم يدرك الإرهابيون أنهم بأعمالهم الإجرامية يصنعون عالما خاليا من النشاط الاقتصادي وهذا يؤدي إلى توقف الأعمال والأنشطة الاقتصادية وبالتالي الأضرار تلحق بالشعب أولاٍ وأخيرا ولعل التجار خير من يحكي مخاطر هؤلاء الإرهابيون حيث يعرفون مدى المعاناة التي تلحق بالمجتمع حين تتوقف الأنشطة الاقتصادية التي توفر لهم فرص العمل وأيضاٍ توفر لهم المستلزمات السلعية والاستهلاكية اللازمة لحياتهم.
ووفقا لدراسة أجراها الباحث نبيل الطيري المتخصص بالاقتصاد الكلي فإن حوالي 33 شركة استثمارية أجنبية غادرت اليمن خلال 2013وحوالي 90 شركة في 2014م وهذا بسبب تفاقم الأعمال الإرهابية وليس بسبب الوضع السياسي فالشركات الأجنبية كانت مستهدفة بالأعمال الإجرامية والاختطافات التي تقوم بها الجماعات الإرهابية لتتاجر بها وتطلب فدية لتشغيل أعمالها.الباحث الطيري يؤكد أن الخسائر الاستثمارية ربما تفوق المليار دولار وهذا مؤشر خطير يؤثر على الاقتصاد سلبيا.
هجرة رؤوس الأموال
رجل الأعمال أنور جار الله يحكي كيف أن العمليات الإرهابية أثرت على نشاط التجار في 2013م و2014م جراء الاختطافات والنهب للمحلات والمصارف وكيف أن نفوساٍ راحت ضحايا اعتداءاتهم الإجرامية ويقول كان رجال الأعمال مستهدفين في شخصياتهم قبل العام 2015م وكانت الجماعات الإرهابية تحاول ابتزازهم مرة بخطف ونهب ناقلاتهم في الطرق والتقطع لها ومرة أخرى بمحاولة خطف أولادهم طلبا للمال أما سرقة السيارات وخصوصا تلك المخصصة للنقل الخفيف فكانت هدفا مباشرا لهم.
ويؤكد أن كثيراٍ من الصناعيين هاجروا إلى دول القرن الأفريقي حيث الأمن متوفر ولا توجد جماعات إرهابية كأثيوبيا والتي اجتذبت مليارات الدولار من التجار اليمنيين للاستثمار فيها.
نهب البنوك
يقول الخبير الاقتصادي عبد الولي الصبري الباحث في مركز دراسات المستقبل إن بلادنا اليوم باتت مرمى مستهدف من الإرهاب وأعماله الإجرامية المتكررة وهذا يمثل أكبر تحديات اليمن واليمنيين وأكثر خطورة في المرحلة الراهنة فقد تجاوزت الجماعات الضلالية باستهدافاتها العدائية للأرض والإنسان والاقتصاد اليمني كافة المحظورات والخطوط الحمراء للوطن والقيم الإنسانية والدينية فاندفعت إلى الموت والإرهاب تحصد بشكل شبه يومي أرواح خيرات أبنائنا.
ويضيف هناك خسائر اقتصادية يسببها الإرهاب ونشاطه على هذا الشعب الطيب ولعل الأكثر بروزاٍ ما تتعرض له حضرموت وشبوة ولهذا هاجم الإرهابيون خلال العام الماضي والربع الأول للعام الجاري 2015م حوالي 25 فرعا وأكثر للبنوك ومحلات الصرافة هناك بالإضافة إلى مكاتب البريد وسياراته وكانت النتيجة أنهم نهبوا وسرقوا بقوة السلاح أكثر من مليار ريال دون مبالاة أنها حق الناس ويحرم عليهم اخذ فلس وأحد منها لكنهم لم يكتفوا بذلك وقاموا بقتل النفس التي حرم الله في واحدة من اكبر الجرائم التي يمارسونها دون وازع يذكر.
تقارير
تنظيم القاعدة الإرهابي وحلفاؤه من المجموعات القبلية المسلحة نفذ أكثر من 1292 عملية إرهابية متنوعة عام 2014م ويعتقد أنهم نفذوا حوالي 200 عملية إجرامية خلال الربع الأول للعام الجاري اودت بحياة مايزيد عن 500 مواطن آخرهم ضحايا تفجير الإرهابيين لمسجدي الحشوش ومركز بدر بالعاصمة صنعاء والذي يصل إلى 150 شهيدا و400 جريح الأمر الذي جعل العام الماضي والربع الأول لهذا العام أكثر الأعوام دموية في بلادنا إذ بلغت الخسائر البشرية فيها ذروتها.
ويقول تقرير رسمي صادر عن وزارة الدفاع أن تنظيم القاعدة الإرهابي وحلفاءه قام بتنفيذ 70 عملية تفجير إرهابي ونفذ 728 عملية إطلاق النار على الأبرياء وأفراد القوات المسلحة والأمن والمواطنين ضمن عمليات إرهابية طالت أبرياء وأدت لاستشهاد مئات الأنفس البريئة من المواطنين.
الطرقات
وتؤكد وزارة الدفاع أن القضية الأمنية ومتابعة عناصر تنظيم القاعدة المجموعات الداعمة له ستظل هي صلب مهام القوات المسلحة والأمن على الدوام في حفظ وحماية سيادة الوطن ونتيجة للأعمال الإرهابية تشير التقارير والتوقعات إلى خسائر اليمن الاقتصادية الكبيرة المتزايدة ويرى الكثير أن الإرهاب سبب رئيسي في عرقلة مشاريع التنمية واستقرار اليمن وتنفيذ خطط التنمية في شتى المجالات.
ويشير التقرير إلى أن التنظيم الإرهابي نفذ 27 عملية اغتيال وقام بأعمال نهب للممتلكات العامة والخاصة في 35 عملية ونفذ 41 عملية كمائن إجرامية لأفراد القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية والمواطنين.
ولم تسلم من هذا التنظيم الإرهابي خطوط الطرق والمواصلات فقد نفذ فيها عمليات إجرامية وتقطعات بلغت 219 عملية أما السرقة فقد قام ب25 عملية سرقة تمخض عنها خسائر اقتصادية فادحة للبنوك والمصارف اليمنية في عدة محافظات.
كما قام التنظيم الإرهابي بعمليات إرهابية استهدفت المنشآت العامة والمصالح الحيوية للبلد حيث قام بتفجيرات أنبوب النفط والغاز 68 عملية إرهابية ونفذ اعتداءات على الكهرباء مستهدفا تخريبها بـ 79 اعتداء.
وتكشف الأرقام أن الجماعات الإرهابية من القاعدة والعناصر المتعاونة معها كبدت اليمن خسائر بشرية كبيرة بلغت 1761 شهيدا من القوات المسلحة والأمن والمواطنين وحوالي 6533 جريحا .
ويؤكد التقرير أن عدد الشهداء من القوات المسلحة الذين قضوا نتيجة للأعمال الإرهابية بلغ 1183 شهيدا أما قوات الأمن فقد سقط منها نتيجة تلك الأعمال الإرهابية 352 شهيدا ومن المواطنين 225 شهيدا.
أما الجرحى فقد بلغ عددهم من القوات المسلحة 4246 جريحا ومن قوات الأمن 1744 جريحا ومن المواطنين 543 جريحا.
تلازم مع الفساد
يدعو الخبراء لضرورة تطبيع الأوضاع الأمنية وفرض هيبة الدولة في عموم المحافظات من خلال تضافر الجهود الوطنية والعسكرية والأمنية والإستخباراتية نحو مواجهة الفساد والإرهاب والقضاء على عناصره الإجرامية والدموية وهنا ينبغي التأكيد على وجود التلازم والترابط الوثيق بين الإرهاب والفساد فكلاهما يشترط وجود الآخر مما يسبب الظلم والفقر والبؤس والبطالة والجهل وكل ذلك يشكل البيئة الخصبة لقوى الشر الظلامية المتمثلة بعناصر تنظيم القاعدة والعصابات التي تغطي أعمالها في بعض المحافظات.
عام دام
وخلال العام 2014م زاد نشاط العناصر الإرهابية في بعض المحافظات من خلال عملياتها الإجرامية ضد القوات المسلحة والأمن والمواطنين من خلال استهداف العناصر القيادية وقطع الطرقات ومهاجمة مواقع نقاط الجيش والأمن وقتل الأبرياء من المواطنين وكذا قيامهم بأعمال السلب والنهب للمصارف وتفجير المنشآت والمقرات الحكومية وغيرها من الأعمال التخريبية وإثارة الفوضى وجعل البلد يعيش في عدم الاستقرار.
نهاية العام 2014م صدرت توجيهات إلى قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة بإسناد المهام إلى الوحدات العسكرية المرابطة في محافظات (ابين شبوةمأرب البيضاء حضرموت إب الجوف لحج) بملاحقة ومتابعة تلك العناصر الإجرامية حيث تمكنت هذه الوحدات وبدعم جوي ومساندة اللجان الشعبية من أبناء المحافظات من توجيه الضربات الموجعة وتكبيد تلك العناصر الخسائر الفادحة واستعادة السيطرة على المديريات التي كانت قد استولت عليها تلك العناصر الإرهابية .
ونتيجة لتلك العمليات تسعى العناصر الإرهابية إلى الانتقام ونشر الذعر والرعب من خلال قيامها بعمليات إرهابية ضد الأبرياء ففي الأسبوع الأول من العام 2015م حصد أكثر من 85 شهيدا و60 جريحا.
ويؤكد الخبراء أن الجريمة والدوافع لها موجودة في أي مجتمع من المجتمعات وهذه غريزة البشر ومن الصعب السيطرة عليها لكن هناك إجراءات احترازية قد تحد من خطورتها وآثارها أو كشفها قبل حدوثها وهذا ماتعمل عليه وزارة الدفاع بالتعاون مع كافة الأجهزة الأمنية الأخرى واللجان الشعبية حيث عملت على تنفيذ العديد من الخطط والتعليمات والدراسات وكلها تهدف إلى معالجة الاختلالات الأمنية والتصدي للعمليات الإرهابية والتخريبية.
حرابة
يؤكد الدكتور مصطفى المتوكل أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء أنه يجب أن يكون للدولة ردا حاسما لمواجهة أعمال الارهاب فهذه هي الحرابة بعينها وعقوبة الحرابة واضحة ومحددة شرعا ويضيف هؤلاء يؤثرون سلبا على حياة المواطنين وعلى معيشتهم بالإضافة إلى الآثار الضارة جداٍ بالاقتصاد الوطني والتهاون مع هؤلاء سيؤدي إلى تماديهم في أعمالهم الإجرامية. فيجب على الدولة الضرب بيد من حديد لكل من يقوم بمثل هذه الأعمال التي توكد أن مرتكبيها ينفذون أجندات خارجية وداخلية تهدف إلى جر اليمن إلى المزيد من الدمار.
اهتزاز ثقة الدولة
يؤكد الخبير والمحلل السياسي والاقتصادي محمد شمس الدين أن التخريب الذي يطال المنشآت العامة والخاصة وقتل النفس البريئة لايقتصر أثره على النشاط الاقتصادي للبلد فقط بل إن التمادي في الاعتداء وعدم اتخاذ إجراء صارم ضد المعتدين يهز ثقة الناس بالدولة بشكل عام ويفتح الطريق أمام الارهابيين لارتكاب أعمال تخريبية أخرى كقطع الطريق لفرض مطالب غير شرعية واقتحام بنوك ونهب ممتلكات عامة وخاصة وحينها سيكون من الصعب اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي عمل تخريب مهما كان وأينما كان لأن الناس سوف تحول الأمر إلى مناطقية وعدم مساواة في تطبيق القانون للدولة اليوم أمام تحد يفترض فيها استخدام القوة ضد المخربين حتى ولو من خلال استصدار تشريع يجيز لها استخدام القوة المفرطة ضد المخربين مالم فإنها ستفقد هيبتها ولك أن تقيس تزايد الاعتداءات كما لو كان الأمر تحدياٍ بين السلطة والمخربين
الجميع معني
يؤكد الخبير التنموي والاستراتيجي يحيى سرور أن الواجب على الدولة وجيش حماة الوطن والأمن والشرطة واللجان الشعبية أن يكونوا في خدمة الشعب وبالتالي فأي اعتداء ارهابي يجب التصدي له ولايسمح أن يستمر يوميا مثل هذه المهازل ومن أفراد هم مجرمون فعلي أخوتنا في الجيش والأمن الضرب بيد من حديد خصوصا وأنهم معروفون صوتاٍ وصورة ويضيف :من العيب أن تستمر مثل هذه المهازل فالشعب يريد فرض هيبة الدولة والضرب بيد من حديد كفى وكفى.
حشد التأييد الشعبي
ويعتقد الخبير في مجال الإدارة عبد الباري القدسي بأن هذه الأعمال التخريبية مؤامرة خارجية على اليمن خاصة وأن الأحداث تستهدف البنى التحتية للأضرار بالناس ومعيشتهم من جهة والعمل على نشر الفوضى وعدم الاستقرار من جهة أخرى من خلال رجال القبائل الذين يبدو أنهم على علاقة بقوى داخلية وخارجية مكنتهم من إعلان انضمامهم للقاعدة والاعتداء على الممتلكات والمشاريع الحكومية بقوة .
قانون خاص بالاعتداءات
ويرى الباحث في العلوم الإسلامية محمد قاسم المتوكل أن الحل الوحيد والجذري لمواجهة هذه الاعتداءات الارهابية أنú تِقفِ الحكومة بحزم وذلك بتطبيق قانون العقوبات والجرائم ضد مرتكبي تلك الأعمال التخريبية مهما كانت انتماءاتهم المناطقية والحزبية والمشيخية وكذا سرعة محاكمتهم لينالوا جزاءهم العادل وليكونوا عِبرةٍ لغيرهم…كما أن على الدولة سرعة إصدار قانون عقوبات خاص بمكافحة الإرهاب ولعل هذه الخطوات تحد وتْنúهي هذه الظاهرة الخبيثة التي لا تمت إلى الإنسانية والدين والأخلاق والعْرف بصلة.

قد يعجبك ايضا