في عمق الجبل ونحن نصعد تذكرتْ ما كنتْ قد سمعتْهْ عن وجود أهل الكهف في جبل صبر فأردتْ زيارتها والوقوف على أطلالها,وحين سألتْ السكان المحليين عن مكان وجود أهل الكهف قالوا إنه في قرية تْسمى (المعقاب) وأضحتú تْعرف بقرية أهل الكهف,وهي تقع قْرب قمة جبل صبر على ارتفاعُ كبير من مستوى سطح البحر,والبرودة فيها شديدة والضباب دائم التحليق فيها,وكثيراٍ ما يحفْها بروعته منذ ما بعد الظهيرة,وبالذات في فصلي الصيف والخريف.
واصلنا الصعود ونحن نتملى بذلك الجمال الرباني الساحر حتى وصلنا قمة جبل صبر عند النقطة الأمنية لحامية موقع جبل صبر عند حصن العروس وهناك مْنعنا من مواصلة الصعود لأعلى القمة باعتبارها موقعاٍ عسكرياٍ.. وحين سألنا أننا نقصد قرية أهل الكهف أشاروا لنا إلى تحت بقليل وقالوا تلك هي قرية أهل الكهف.
ومع أن معظم قْرى جبل صبر تحمل على مداخلها لوحات تعريفية بأسمائها إلا أن قرية أهل الكهف وهي أهم قرية لم يكن يوجد لديها مثل تلك اللوحات,وحين سألنا أهلها أثناء وصولنا إليها قالوا لنا أنه كان يوجد لوحة ولكن عبث بها الصغار.
المكان في قرية أهل الكهف – بغض النظر عن صدق أو كذب ما يْقال عن تاريخها – كان يعجْ بالألق والبهجة بما حبا الله به هذه القرية من طبيعةُ ساحرةُ بمعنى الكلمة,فحيثما يممِ المرءْ وجهِهْ لا يرى إلا جمالاٍ مدهشاٍ,وأنى سار أو خطى بقدميه لا يدوس إلا على خْضرةُ مشبعةُ بما جاد الله به من نعمة وخص به هذه المنطقة التي تْشعرْكِ وكأنك في قرى الريف السويسري البديع أو في أعالي قرى جبال القرم أو القوقاز.
إنها فعلاٍ فاتنة بطبيعتها ومتميزة بما تحويه من مِعúلِم تاريخي يؤكد ساكنوها على أنه يحوي رْفات أهل الكهف الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم.
القرية تتميز بزراعة الشعير والقمح والحلبة والعدس والثوم وبعض الحبوب التي تتلائم مع البيئة الباردة التي تتميز بها منطقة أعالي جبل صبر في مديرية صبر الموادم,والطريق إلى وسط القرية وإلى باب جامع أهل الكهف مرصوصَ بالأحجار وبشكلُ جميل زاد القرية جمالاٍ على جمالها.
كانتú أول وجهة لي هو مسجد أهل الكهف وقد أرشدني إليه الصغار الذين تجمهروا حولنا. وحين وصلتْ باب المسجد كان قد لحق بي الأخ عبدالله محمد يحيى عقلان إمام وقيم الجامع بعد أنú أخبره الأطفال بقدومي ووجهتي.
رحبِ بي ببشاشة وخْلق عظيم خاصة حين عرف أني صحفي وأنوي الترويج لقريته ثم طافِ بي أرجاء المسجد وملحقاته حتى وصلنا إلى عمق الجامع فأشار لي نحو حفرة قال أنها باب الكهف. الحفرة يصل عمقها حوالي متر وحين استغربتْ أن تكون تلك الحفرة هي الكهف قال لي والده الكبير في السن الذي كان إمام وقيم الجامع من قبله وكان يقرأ القرآن بزاوية من المسجد وقام بالترحيب بي حال وصولي.. قال أنها كانت حفرة عظيمة وكان يصدر منها أصوات غريبة والرياح تأتي منها قوية فخاف أن يقع فيها أحد أو يأتي منها مكروه فقام بردمها.
وأضاف أنهم توارثوا أخبار الكهف جيلاٍ فجيلا فيما قال ولده الأستاذ عبدالله عقلان أنه متأكد من خلال مراجعته لكتب التاريخ أن قريته هي قرية أهل الكهف. واستدلِ على ذلك بقوله:
ظهور أهل الكهف 484- 523حميري / 369- 408م وفي حوالي عام 369م/484حميري توفي ملك حمير الذي ذكرت المصادر الرومانية أنه اعتنق الديانة المسيحية عام 357م وهو عبد كلال بن مثوب ذو رعين الذي حكم نحو 41 سنة وكانت الديانة المسيحية قد أصبحت ديانة رئيسية باليمن باعتناق الملك عبد كلال للمسيحية وبنائه ثلاث كنائس في صنعاء وظفار وعبدان عام 357م ثم بْنيِت كنيسة رابعة في نجران لتصبح المسيحية ديانة رئيسية في اليمن في عهد مرثد بن عبد كلال بن مثوب ذو رعين.
وقد عاصر مرثد بن عبد كلال الملك الروماني ثيودو سيوس الأول 379- 399م وهو ( تاودا سيوس الكبير) حيث قال ابن خلدون وقال ابن العمد: “في عهد ملك تاودا سيوس ظهر الفتية السبعة أهل الكهف الذين ناموا أيام دقيانوس ولبثوا في نومهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين كما ورد في القرآن وبلغ الأمر القيصر ( تاودا سيوس ) فبعث في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أنú تبنى عليهم كنيسة ويتخذ يوم ظهورهم عيــداٍ”.
فيما قال الحافظ ابن كثير : “اختلف العلماء في محلة هذا الكهف.. قال بعضهم هو بأرض آيلة وقيل بأرض نينوى وقيل بالبلقاء وقيل في اليمن وقيل ببلاد الروم”.
وقال ابن المجاور الدمشقي : “في بعض كهوف جبل صبر باليمن يمكث أصحاب الكهف والرقيـم وإن قال قائل: ليس القوم في هذا الإقليم ( أي اليمن ) قلنا: بل فيه لأن دقيانوس هو الملك الذي أسس مدينة الكدراء وسكن الجند وبنى في قضاء الجند بلداٍ اسماه الأفيوس أو الأفسوس وبه كانت وقعة أهل الكهف مع دقيانوس الملك وكان القوم من أهل الإيمان فلما تم لهم ما تم وخرجوا من مدينتهم صعدوا جبل صبر فآووا إلى كهف وجرى عليهم ما جرى وكلبهم معهم. ومازال على باب الغار مسجد وعلى باب المسجد عين تسمى عين الكو وهو موضع فاضل مزار في العاشر من رجب”.
ويستطرد عبدالله عقلان قائلاٍ: يمكن القول على ضوء ما سلف إن ظهور أهل الكهف كان في زمن الملك الروماني ثيودوسيوس الأول كما ذكر ابن خلدون وابن العمد ولكن مكان كهفهم وظهورهم اختلف فيه العلماء والمؤرخون وينحصر ذلك إما بالشام ( آيلة – البلقاء) وكان يحكمها الغساسنة في إطار الامبراطورية الرومانية واما غيرها في بلاد الشام وإما في مكان محدد بدقة وهو جبل صبر في تعز باليمن كما ذكر ابن المجاور. وكان ملك اليمن آنذاك مرثد بن عبد كلال وكان له أمير نائب في مخلاف المعافر وهو من مناطق حمير.
الملك ثيودوسيوس لما بلغه خبر أهل الكهف أصدر مرسوماٍ بأن يتخذ يوم ظهورهم عيـداٍ في كل البلدان التي كانت فيها الديانة المسيحية وفيها كنائس مسيحية وشمل الاحتفاء بذلك اليوم الدولة الحميرية التي كانت ضمن الامبراطورية الرومانية المسيحية وهو اليوم الموافق للعاشر من شهر رجب في كل عام طيـلة زمن الدولة الحميرية.
سجلتْ عنه كل تلك المعلومات لأذكرها هنا وأضعها أمام المؤرخين لإثبات صحتها من بطلانها ثم صعدتْ لسطح المسجد ألتقطْ صوراٍ للقرية التي يتوجها الضباب وتنتشر الورود في كل أرجائها.
غادرتْ القرية وأنا أردد مع نفسي: هذا المِعúلم الأثري الذي رْبما إنú صدقتú حكاياته وما جاء على لسان قيمه – في حال تم التنقيب بواسطة بعثة علمية مختصة بالآثار- فإنهْ سيصنع حدثاٍ فريداٍ من نوعه على مستوى العالم,وسيقوض الكثير من الأساطير والأخبار عن أهل الكهف التي يتم تداولها في أكثر من بلد تزعم أن أهل الكهف يرقدون على أراضيها.