وبذلك أوضح النص خاصية وهوية المكان والزمان من خلال اللغة ” في قريتنا حقلَ يشرق , يقيم :
وتأتي جملة اسمية معطوفة في النص على بداية في ” وحرب عيال السوق “:
حرب ” عيال السوق ”
يقيمهم هم الوهم
الهم ” الوطني ”
ذرائع قحط حقول القمح
قحط النفط
وأزمنة اللاما ” اء ”
ومن خلال النص يلحظ القارئ أن ثمة مقارنة ما بين الإنسان البسيط وما بين السياسة أولئك يمتلكون حقلاٍ هو أملهم ومخلصهم من التبعية الاقتصادية لذلك فاللغة أخذت التلميح والترميز الواضح الذي استلهم من اللهجة الشعبية وهم ” عيال السوق ” ترميزاٍ للسياسة التي تختلف من حيث الإشغال وسياسة الإشغال بالهموم اليومية وبأقوات الناس . ” ذرائع قحط القمح ” التي ستحول الشعوب التي ليس لها أمن غذائي إلى شعوب جائعة علاوة إلى ” مخاوف قحط النفط ” وبالنفط يأتي القمح فضلاٍ عن زمان حرب المياه التي تروي حقول القمح مما يفضي إلى الاعتماد على الحقل البسيط وبذلك رسمت في رسالة النص أنواع ” الحقل ” سواءٍ كان الأمل المحدود بالقرية والذي لا يفي بالغرض وحقل ” النفط ” الذي أوشك على النضوب وحقل الماء الذي يتصارع عليه العالم مما حول الإنسان البسيط إلى مهموم على بطنه وأمعائه واللغة أوضحت اختلاق الصراعات واستغلالها سياسياٍ لتركيع الشعوب وتمكن النص ” من يورق ويشرق ويقيم ” أن يعكس معادلة ومقارنة ما بين السياسة والشعوب ما بين الأمل الخصيب والذرائع التي تختلقها السياسة وحاولت اللغة أن تعري السياسة من خلال رمزية ” عيال السوق ” ويقيم ” حرِ السوق ” كانت الجمل اسمية لتدل على التوجيهين المتصارعين .
ولأن اللغة هي بصمة الكاتب فقد حاول أن يرسم صورة غير متصالحة مع السياسة ويعتبرها وهما سواءٍ في قوله ” وهم الهم , الهم الوطني ” خاصة وإن السياسة والانتماء تعتبر نجاسة والاستقلالية حرية ونأي بالروح عن تلك النجاسة .
” من مثلي
يقترح بلاداٍ كل صباح
تفتح شباك الروح على أفق متسع
مغسول من وسخ ” الأحزاب ”
ومن وهم ” الانجاز ” صـ 26
فشباك الروح انطلاق وحرية وتفلت من قيود الانتحاء إلى الطهارة من الوسخ الحزبي .
واللغة البسيطة السهلة تختلف من لغة السياسة إلى لغة العاطفة فللغة العاطفة خطاب أليم يحتويه الوجع والاستبطاء ففي نص خيال يقول :
” حتِام …
أشغل هذه الآه ببابك
ورداٍ يومياٍ
وأنسى قلبي فوق المزلاج
وأنت خيال
يختال وراء الباب ”
اشتمل النص الخطاب بالاستفهام المستبطئ المتحسر ” حتِام ” ويصور الاحتراق بالاشتعال المتوجع ” اشغل هذه الآه ببابك ”
” أمشي كلي فوق المزلاج ” فتحولت الروح إلى روح متوهجة وجسداٍ جامداٍ متوجعاٍ محترقاٍ ” وأشعل , أنسى ” ” وأنت خيال ” حيرة وأمنيات وتخفُ واستتار فكان الفعل المضارع له دلالة على استمرارية الاحتراق ومن خلال التأمل في النص يدرك المتلقي حالة الاستعطاف
” حتام ” تحسر ممزوج بتمن للانفراج من العزلة ثمة ألفاظ سهلة وعذبة ” ورداٍ , خيال , يختال ” ليرسم صراعاٍ داخلياٍ وينحت أيقونة من الجمال لصورة الحبيب والرائع في النص المخاتلة في العنوان ” خيال ” وهو دلالة الاحتراق بالنص من صورة وآلام وأوجاع وعذاب ودلالة أخرى ” خيال ” هي اسم المحبوبة ذاتها ليزيد من كبريائها وتجذرها في الروح .
حاولت خطاب الديوان أن يرسم النصوص بسردية ومفارقة وإدهاش من خلال الزمان والمكان وتمرحل العمل وأحداثه ففي نص ” ذكرى “:
” كانت تكبرني
في الحلم
وفي التنهيد
وفي شد الفرح على أرجوحة صبح العيد
وتكبرني
حتى في خوف حكايا الجدات
وفي العدو وراء حمامة ” صيف ”
فرت من أجنحة الغيم
أشواق المطر
وظمأ الأرواح ” صـ 29
لو تأمل المتلقي سردية النص من خلال علاقته بذكرى معينة أو ذكرى الحلم فأولاٍ يرسم النص أحداث العمر وأوصاف المسرود له ” ذكرى الحلم ” فهي ” فهي تكبره في ” الحلم ” إشارة للعمر والحياة ” التنهيد ” المشاعر والحب , وحتى في القوة البدنية في ” شد الفرح ” في العقل فهي تدرك مقاصد حكايات الجدات وفي الجري وراء الحمام ومن ذلك فهي تكبره عمراٍ ومشاعراٍ وتكبره قوة بدنية فشخصية السارد صغيرة جداٍ لكنه أحبها لذلك تأتي المفارقة اللغوية المجازية بعد ذلك ” فرت بأجنحة الغيم ” بأشواق المطر , وأشجان العشب , وظمأ الأرواح “.
من خلال لغة الخطاب استخدم النص أروع الألفاظ في ” الحلم , والفرح , أرجوحة , صبح حمامة صيف , أجنحة الغيم ” رسمها بأجمل الصور ليصور علاقته بها الصافية الطاهرة فكانت متجذرة في نفسه وذكية والرائع الإدهاش الفارق فرت من
” أجنحة الغيم ” يشير إلى طهرها وصفائها وحداثة سنها بعد تلك العلاقة المشتركة في الأحلام والأفراح والمخاوف وفرت :
” بأشواق المطر
وأشجان العشب
وظمأ الأرواح ”
وهذا الفرار ليس فراراٍ يعطي دلالة الزواج دلالة تشبه الموت وكلا الدلالتين يعكسها النص في السرد بوصف النص سهلاٍ ممتنعاٍ فيه الوضوح والغموض فالوضوح في بدايته والغموض في النهاية بوصف السرد جمع أحداثاٍ عمرية ما بين شخصيتين اجتمعت فيهما حكايا الجدات والزمن والصيف والأشواق وفيه صراع بالفرار ونية بداية ونهاية ليدل النص على تمكن المبدع باقتدار من كتابة نصه بالطريقة التي يريدها ” يتقن مفارقة الاجتماع والفراق وإدهاش الفرح ووجع الفراق يسرد فيه حواراٍ داخلياٍ يجتر ماضياٍ صافياٍ لم تتحقق فيه الأحلام .
وإذا كانت لغة الموت في الخطاب الذي يرسم الموت بكثافة والذي يحاصر الروح من كل الجوانب للحياة بتخفُ ومخاتلة وملازمة .
” هل لنا أن نغادر هذا الفضاء
المحاصر بالموت
يا بلداٍ حاصرتها المآتم
وإنِا هنا ميتون
موتنا تحت أجفاننا راقدَ
ظله يتمدد منتشياٍ في المضاجع
أحزانه لا تغادر وجه المدينة
وفي كل يوم تموت الوجوه
وفي كل يوم تموت الأماكن شاخصة
من قرير البطون
وفي كل يوم نموت ” صـ 30
كان خطاب الموت كثيفاٍ ” الموت , بالموت , المآتم , ميتون , موتنا , تموت , نموت ” هذا التكرار للفظ يعكس شعوراٍ متدفقاٍ بالموت بالحياة وهو موت تنعدم فيه الحياة الكريمة وموت أقسى من الموت الحقيقي ويأتي بأسباب المحاصرة الروحية والمحاصرة بالآسى كان الموت رمزاٍ للحياة الميتة ليخرج الخطاب إلى اللامألوف ” يا بلداٍ حاصرتها المآتم ” ليشير إلى صراعات متعددة في المكان .
” إنِا هنا ميتون ” موتنا تحت أجفاننا ” وهذا الموت مخاتل متخفُ ملازم للذات الميتة في المكان والزمان ويتضح ذلك من خلال المكان ” الفضاء المحاصر بالموت, يا بلداٍ حاصرتها المآتم , ظله يتمدد ” فكان موتاٍ ملازماٍ للمكان المترع بالموت ”
وملازماٍ للزمان ” تحت أجفاننا راقد ” “كل يوم تموت الأماكن , كل يوم تموت الوجوه ” من هذا الخطاب فإن الموت ذائب في الزمان والمكان فتحول الزمان والمكان إلى فضاء متوحش جدير بالمغادرة ” هل لنا أن نغادر هذا ” استفهام يتمنى ويتحسر مستنكراٍ وكان الموت له مستمرئاٍ ومنتشياٍ بالمآتم لأن الزمان والمكان في صالحه فيتحول كل شيء إلى مقبرة ملاٍى بالموت ” الأجفان , المضاجع ”
ومن خلال اللغة تمكن أن يعكس صورة لفضاء مترع بالموت والمآتم باستخدام الجمل الاسمية الثابتة الجامدة يعكس ملازمة الموت للحياة واستخدام الأفعال المضارعة ” محاصر بالموت , يا بلداٍ حاصرتها المآتم … ” ومثل هذا التنوع أفضى إلى خطاب يبكي وينعي المكان والزمان والذات المتألمة .
وإذا تأمل خطاب السكينة والاستقرار والأمن النفسي يجده في نص ” همس الشابيك ”
” همست في شبابيك قريتنا
والعصافير
والشرفات
وأصداء روحي
وأفياء ذاكرتي والحقول
همستْ
والمدينة تقذفني مثل أعجاز
نخل
وتسلبني آخر النبض
تبذرني للرياح السوافي ” صـ 46
من الملاحظ أن الخطاب جاء بالتراكيب والبنى التي تناسب المكان ” همست , العصافير , الشرفات وأصداء روحي ” لينقل للمتلقي المكان الخالد المتجذر في الذاكرة الساكن في الروح ” أصداء روحي ” ليكون المكان القرية رمز الجمال والاستقرار والجمال المخزون في الذاكرة خاصة والنص يقارن بين المدينة والقرية فكانت المدينة رمز الخواء والفراغ الروحي والقحط والجدب ” المدينة تقذفني مثل أعجاز نخل ” .
النص متمكن من اختيار تراكيبه التي تعطي الخطاب توصيل الرسالة ففي القرية ” همست ” وفي المدينة ” تقذفني , تسلبني ” ليعكس خطاباٍ يرسم هدوء المكان واستقرار الذات فيه وخطاب يعكس القلق والاستلاب الروحي مما يفضي إلى نص وخطاب سهل عميق ينزاح إلى دلالات روحية راسخة في الذاكرة والملفت في عموم النص الديوان خطاب الزمان والمكان .
وإذا تأمل القارئ عناوين النصوص يلحظ أن المبدع استخدم المفردة الوحدة ” سقوط , أنثى حنين , نعي ” أو العنوان المكون من المفردة والتركيب الإضافي ” امرأة الذهول , همس الشبابيك أو المفردة المعرفة ” الخطيئة ” ونادرة هذه اللفظة المعرفة فالمفردة النكرة تعطي دلالات التعميم وعدم التحديد بحيث يكون الخطاب مختزلاٍ النسيج النص خاصة وأن الكلمة المفردة كثيفة وتختزل المضمون ومثلها العنوان المركب بينما المْعـرف ندر وقل بوصفه يحدد المضمون ويضعه في الأفق التأويلي الذي وضعه النص ولأن المبدع متمكن فإنه ينتقي العنوان الذي تكون له دلالات خطابية لغوية والنص الذي له وظيفة شاعرية فكان الاختزال والخطاب السهل الممتنع خاصية من خصائص خطاب الديوان .