أكاديميون: على الأحزاب أن تلبي تطلعات الجماهير وتحل قضايا الشعب المصيرية

أصبح حال المواطن بين الأمل واليأس يتطلع للحوارات المكوكية المطولة بين القوى السياسية لعل وعسى تخرج البلد من أزمته السياسية الراهنة الخانقة .. وتضع حداٍ لمعاناته اليومية المتزايدة التي سببها الساسة .. وبات لسان غالبية الشعب يتساءل: هل الأحزاب السياسية لازالت قادرة على تلبية تطلعات الجماهير, أم أنها أصبحت عاجزة تماما عن ذلك¿ وهذا ما حاولنا تسليط الضوء عليه في سياق هذا الاستطلاع الذي أجرته (الثورة) مع عدد من الأكاديميين إلى التفاصيل:

البداية كانت مع الأستاذ الدكتور أحمد العبادي -عميد كلية الآداب بجامعة ذمار- الذي تحدث بنبرة ملؤها الخوف عن الوضع الذي وصل إليه الوطن بسبب تصرفات القوى السياسية, مرجعاٍ السبب إلى أْسس بناء ﺍلأﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ, قائلاٍ: “إن اﻷﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺑﻨﻴﺖ ﻋﻠﻰ أساس ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔº وﻟﻢ ﺗﺒن ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺲ ﻭﻃﻨﻴﺔ, بحيث يكون من أولوياتها ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﺑﻨﺎء ﻭﻃﻦ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﻃﻨﻴﺔ ﺭﺍﺳﺨﺔ ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﻥ, لتسهم ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻓﻌﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﻮﺽ ﺑﺎﻟﻮﻃﻦº ﻭﺍﻟﻤﻀﻲ ﺑﻪ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ, ﻭﺍﻟﺮﻗﻲ, ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ, ﻭﻣﻮﺍﻛﺒﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﺭﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ, ﻭﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﻨﻬﻮﺽ ﺑﺎﻟﻮﻃﻦ ﻟﻤﺴﺎﻳﺮﺗﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﻭﺗﻌﻤﻴﻖ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻮﻻء ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻭﺣﺐ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻭﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺴﺒﺎﺗﻪ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴات ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﻭﺍﻷﻣﻦ ﻭﻟﺪى ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ, ﻭﻓﻲ أعماق ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺎﺕ, ﻭﺑﻘﻴﺔ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ”.
وحذر الدكتور العبادي: إن اﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻴﻮﻡ بات ﺗﺘﻘﺎﺫﻓﻪ ﺍﻷﻣﻭﺍﺝ .. ﻭﻳﻨﺘﻈﺮ ﻭﻣﻌﻪ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﺑﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺍﺑﻪ ﻣﺎ ﺳﻮﻑ ﺗﻘﺮﺭﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺼﻴﺮ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻭﺷﻌﺒﻪ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ .. خاصة بعد أن أثبتت الأيام أن ﺍلأﺣﺰﺍﺏ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ إنقاذ ﻭﻃﻨﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺍﺑﻪ, ﻭلا الإسهام ﻓﻲ إنقاذ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍلأﺣﺰﺍﺏ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﺘﻤﺰﻕ ﻭﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻﺗﺒﻘﻲ ﻭﻻﺗﺬﺭ .. لأنها -ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ- باتت ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺃﻥ ﺗﺤﻞ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ ﻭﺗﻮﺟﺪ لها ﻳﻤناٍ ﺁمناٍ ﻣﺴﺘﻘﺮاٍ ﺧﺎﻟياٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺰﺍﻋﺎﺕ .. ﻭﺣﻴﻨﻬﺎ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﺰﺍﺏ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻢ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻭﻛﺴﺐ ﺍﻟﻤﺎﻝ..
وأردف: “ليس ﺑﻤﻘﺪﻭﺭ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﺣﻞ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻭﻣﺸﺎﻛﻞ ﻭﻃﻨﻬﺎ, ﻭتلبية ﺗﻄﻠﻌﺎﺕ ﺟﻤﺎﻫﻴﺮﻫﺎº ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻬﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﺎ لأﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ -ﺇﻻ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ – ﻓﺎﻗﺪﺓ ﻟﻠﺸﻌﻮﺭ ﻭﺍﻟﻮﻻء ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ.. لأنه مع دنو غرق ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ ﻳﻮﻣﺎٍ ﺑﻌﺪ ﺁﺧﺮ.. نجد وكأن الأمر ﻻ ﻳﻬﻤﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍٍ, كأنما ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻭﻃﻨﺎٍ ﺍﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺎٍ ﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﺗﻠﻮﺫ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎﺓ إليه ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ”.
صدق النوايا
مؤكداٍ على أﻥ ﺍﻟﻤﺘﺘﺒﻊ ﻟﻤﺴﺮﺡ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻳﺠﺪ أنه ﺗﺘﺠﺎﺫﺑﻪ ﻗﻮﻯ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﺮﺗﻬﻨﺔ ﻟﻘﻮﻯ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﺗﺮﻏﺐ ﻭﺗﺘﻠﺬﺫ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻣﻤﺰﻗﺎٍ ﻳﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻣﺎء ﻭﺷﻌﺒﺎٍ ﻓﻘﻴﺮﺍٍ ﺟﺎﺋﻌﺎٍ ﻳﺄﻛﻞ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﻌﻀﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺪﻭﻳﻼﺕ ﺍﻟﻤﻨﻔﺼﻠﺔ ﻓﻲ ﺃﺧﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ وعلى ﺃﻥ ﺣﻞ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻻ ﻭﻟﻦ يأﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻟﺪﻭﻟﺔ ﺇﻻ ﻭﺍﺷﺘﻌﻠﺖ ﺍﻟﻨﻴﺮﺍﻥ ﺑﻬﺎ ﻭﺍﻷﻣﺜﻠﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ .. ﻭبأنه ﻻ ﺣﻞ ﻟﻠﻮﻃﻦ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ ﺇﻻ ﺑﺼﺪﻕ ﻧﻮﺍﻳﺎ أبنائه ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ .. ﻭﺇﻧﻘﺎﺫﻩ ﺃﻭﻻٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺪﺧﻼﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ .. فاﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎٍ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻻﺗﺠﺮﺅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺑﻠﺪ .. ﺇﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮﺍﻩ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻣﻤﺰﻗﺔ ﻭﻣﻬﻴﺌﺔ ﻟﻠﻮﻻءﺍﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ..ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ.
وختم حديثه بطرح رؤيته في ﺃﻧﺴﺐ ﺍﻟﺴﺒﻞ ﻟﺤﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ, المتمثلة في ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﺍﻟﻤﺆﻗﺖº ﻳﺘﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ, ﻭﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ, ﻭﺗﺮﺗﻴﺐ أحوال ﻭﻣﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦº ﺛﻢ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﻣﺒﻜﺮﺓ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺑﻨﺎء ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺣﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺲ ﻭﻃﻨﻴﺔ ﺗﻮﻓﺮ المواطنة العادلة.
ضعف واختلال
وبنبرة أخف حدة من الدكتور العبادي تحدث الدكتور عبد الرحمن صلاح -أكاديمي بجامعة صنعاء, المدير التنفيذي للمنظمة العربية للحوار والتنمية- قائلاٍ: “ليس شرطاٍ أن تكون جميع الأحزاب قادرة على تلبية تطلعات الجماهير ففي النظم الديمقراطية تفوز في الانتخابات الأحزاب التي لبت تطلعات معظم الجماهير في حين تخسرها الأحزاب التي لم تكسب ثقة الناس ولم تلب تطلعاتهم. ولكن هناك ضعفاٍ عاماٍ واضحاٍ وجلياٍ في دور الأحزاب السياسية اليمنية على كافة المستويات, مما أوجد اختلالات أوصلتنا إلى ما نحن فيه.” وتساءل الدكتور صلاح عن مسببات تلك الاختلالات .. وأجاب عن سؤاله في نفس اللحظة, بقوله: “ إن الاختلالات التي تعاني منها الأحزاب اليمنية ترجع لأسباب متعلقة بإفساد البيئة الديمقراطية السياسية للبلد بصورة عامة وأسباب أخرى داخلية متعلقة بالحزب نفسه. وفساد البيئة السياسية في اليمن يرجع بدرجة رئيسية إلى تعطيل الانتخابات الشفافة والنزيهة لفترات طويلة. ولو صلحت البيئة الديمقراطية السياسية السابقة في اليمن لكانت الانتخابات كفيلة بتصفية الأحزاب السياسية التي تعاني من اختلالات داخلية سواءٍ كانت اختلالات في الرؤية أو في الممارسة. ولذا يجب على الجميع حالياٍ الاهتمام بإصلاح البيئة السياسية في اليمن من أجل العودة إلى المنافسة الشريفة عبر الصندوق الانتخابي لأن الأحزاب السياسية هي الصيغة المثلى التي توصل إليها العالم لتكوين نظم سياسية مستقرة مهما اختلف شكل النظم السياسية.
دعم وتشجيع
وأضاف: “إن المشرع والحاكم الحصيف سيحافظ على الأحزاب السياسية, لأنها إحدى الوسائل التي تحقق له الاستقرار السياسي من خلال مساهمتها في ضبط وتنظيم تطلعات المواطنين والقوى الوطنية وحصر تنافسهم عبر البرامج والأفكار التي تخدم وتنشط الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية في البلاد. -والمهم أن ندرك- أن إلغاء الأحزاب أو تهميشها سينعكس تلقائياٍ سلباٍ عاجلاٍ أم آجلاٍ على الاستقرار السياسي, والذي بدوره سيؤثر على السلم الاجتماعي والرخاء الاقتصادي, وفي النهاية يضعف النظام السياسي للبلد بشكل كلي.
مؤكداٍ على أن الأحزاب ظاهرة صحيحة يجب تشجيعها والمحافظة عليها, وأن الاختلالات الموجودة بها هي ناتجة للوضع السياسي للبلد, ولو كنا في وضع صحي صحيح لحدث تصحيح تلقائي في الأحزاب وتلاشت أحزاب ونمت أحزاب أخرى عبر صناديق الاقتراع, ولكن ما يحدث الآن هو تفريخ استنساخ تشويه استئثار استغلال والسبب هو ابتعادنا عن التنافس عبر الصندوق..
تجاوز الذات
وفي ذات السياق تحدث الدكتور علي بهلول -مدير مكتب التربية والتعليم بمحافظة الحديدة- قائلاٍ: “لقد لعبت البنية الإيديولوجية والفكرية (لبعض الأحزاب الرئيسية) على تحجيم الدور المجتمعي, ما جعلها عاجزة (لعدم صلاحية البنية الإيديولوجية والفكرية) عن أن تصبح أحزاباٍ ديمقراطية تناضل وسط الجماهير بأدوات سياسية وشعبية. كما لعب تمركز بعض الأحزاب حول فكر ورأي القائد  المؤسس المرجع المرشد ..الخ دوراٍ بارزاٍ في تأطير العمل الحزبي بقوالب جامدة جعلته غير قادر على تجاوز الذات والـ(أنا) والـ(نحن) إلى الـ(هم) والـ(آخر) ناهيك عن شخصنة العمل الحزبي واختزاله في أفراد, لتحقيق مصالح ذاتية فردية آنية ضيقة لا تلفت إلى المجموع ولا تعبر عنه. كل ذلك جعل الأحزاب السياسية اليوم تعيش حالة انقسام (بكل ما تعنيه الكلمة من معنى) بين القمة والقاعدة, فالقيادات هي المحرك والموجه والمبرمج والمقرر بدليل أنك لا تجد حزباٍ واحداٍ تبنى حواراٍ حقيقياٍ صريحاٍ بين قياداته وقواعده حول قضية, أو أزمة من الأزمات, أو القضايا الراهنة (وإن وجد فهو لا يعدوا أن يكون صورياٍ لمباركة القرارات والتوصيات المعدة سلفاٍ من القيادات والنخب المسيطرة)”.
 موضحاٍ أن الثقة بين الأحزاب والجماهير أضحت غائبة (إن لم تكن مفقودة) بعد مساومة الأحزاب بمطالب الجماهير وحقوقهم التي بلورت تلك التسوية التي أوقفت طموحات الجماهير وقيدتها وفرضت نفسها عبر المبادرة الخليجية كأمر واقع. بل لعلنا -الكلام للدكتور- لن نبالغ إن قلنا: لقد كان فقدان أو انعدام الثقة بين الأحزاب والجماهير هو السبب الرئيس لظهور ما يسمى بـ(الحراك): التهامي والجنوبي فعجز الأحزاب عن تجميع مطالب الجماهير وتبنيها والتعبير عنها جعلها تلجأ إلى تأسيس هياكل مستقلة لا تخضع للشروط القانونية بل وتتمرد حتى على أهم الركائز والمسلمات المتمثلة بالوحدة الوطنيةº وهو ما تبدى جلياٍ في الحراك الجنوبي (الداعي إلى الانفصال).
حقيقة الشراكة
مؤكداٍ أن التقاسم والمحاصصة والشراكة ما هي إلا نتيجة حتمية لتوجهات قيادات الأحزاب والمكونات السياسية نحو تحقيق مصالح حزبية شخصية ذاتية آنية ضيقة تتجاهل الدور الحقيقي المفروض على عاتقها تجاه المواطن باعتباره جوهر كينونة الأحزاب والوحدة الأساسية في بنائها º فهو أهم عناصرها والمستهدف الأول والرئيس من إنشائها, ويجب أن تتوجه كافة برامجها وأنشطتها وفعاليتها لخدمته وتحقيق مصالحه. وبالتالي لا غرابة أن تعيش الجماهير اليوم حالة انكسار تام وانعدام ثقة كلي بالنخب وقيادات الأحزاب والمكونات السياسية º سيما بعد أن وصلنا إلى الوضع الراهن المزري, الذي هو نتاج لمماطلة النخب السياسية وقيادات الأحزاب, ومساومتها, واهتمامها بمصالحها الذاتية الخاصة, بعيداٍ عن مصلحة الجماهير والهم الوطني الجامع.

قد يعجبك ايضا