مريم.. بصمة في جبين الإنسانية قبل أن تتعافى.. أم رمقت ابنتها بنظرة وداع حزينة.. وأدبرت مسرعة وكأن الدنيا خرم أبرة لا تلوي على شيء ولم يمر وقت طويل حتى اكتشفت إدارة المستشفى أنها أي أم مريم قد هربت وتركت طفلتها للضياع والحرمان .. ظلت مريم تبكي في إحدى غرف المستشفى أياما بعد أن هربت أمها التي قررت أن تلحق ابنتها بعالم الضياع والحرمان .. دمعة صادقة طاهرة سقطت من عين أسماء التي كانت ترقب المشهد من البداية كونها تعمل ممرضة في ذلك المستشفى عزمت أسماء أن تحفظ طفولة (مريم) الرضيعة من الضياع كانت أسماء تعمل ممرضة في المستشفى وتعمل مربية وأما للطفلة مريم تجتهد لتربيتها تربية صالحة بعد أن كتب القدر لها أن تكون أما حقيقية بدلا عن الأم الهاربة.. مرت الأيام سريعا كانت مريم تكبر يوما فيوم وشهرا بعد آخر.. لتبدأ مريم تفحص كلما كبرت ألوان العالم ووجوهه المتعددة.
أكملت مريم ربيعها العاشر لتتغير حياتها التي كانت عليه حيث فاجأها القدر فجأة أن ترحل أمها “أسماء” تلك الأم التي بادرت بأن تكون أمها وتحفظ كرامتها.. رحلت أسماء عن هذه المأساة الكبيرة التي يسمونها الحياة لتجد مريم نفسها مرة أخرى في عالم التيه والضياع.. وفي بيت الجار أحمد الذي حاول أن يكون بديلا عن الأب والأم أسماء.. أن يرعى مريم أياما قليلة وفي إحدى تلك الأيام سمعت مريم صدفة وهي تمر على غرفة الجلوس صراخ الزوجة وهي تقول لزوجها أحمد.. “لا تدخل بيتي لقيطة وابنة زنا”.
لم يعد هناك ضوء.. كانت الدنيا كلها قد اكتست بالسواد والبشاعة .. خرجت مريم بعد أن سمعت تلك الكلمات الصراخ من زوجة الجار وهي مسرعة تهيم على وجهها شارعا شارعا وحارة حارة.. وبعد ساعات وساعات سقطت مريم في قارعة الطريق كانت أنفاسها تنادي العالم وتصرخ في وجه الإنسانية البشعة .. ولكن لا أحد ألتفت إلى مريم.
لم تفق مريم من إغمائها إلا على تأوهات الممرضة بجوارها في أحد المستشفيات تقول الممرضة: مسكينة يا دكتور مشردة وبنت شوارع وكمان مريضة بالسكري.. كانت مريم على موعد مع القدر مرة أخرى.. إلى جانب التشرد أصبحت مريضة بالسكر .. لم تمض أيام قليلة حتى دخلت مريم العناية المركزية بسبب قطعة حلوى صغيرة حاولت مريم أن تأكلها ظنا منها أنها كبقية الأطفال والبنات يمكنها أن تأكل الحلوى.. كانت تلك القطعة من الحلوى الإنذار الأخير لمريم والتي خلصتها من كل المعاناة وما ستواجهه في المستقبل .. ارتفاع حاد في السكر نزيف في الأذن جحوظ مرعب في العينين .. وبعد ساعة كنت مريم قد سبقتهم بقرار آخر .. لقد قررت ألا تؤجل موت اليوم إلى الغد.. ودعت مريم هذا العالم.. كانت تمضي إلى مثواها الأخيرة بين الجموع المحتشدة لمواراتها وفي يدها شهادتان الأولى كانت تحكي قتل الطفولة البريئة والأخرى كانت صورة بصمة كبيرة طبعتها مريم في جبين هذه الإنسانية الملوثة بالشهوات والكبرياء والطغيان .. إذا مريم كانت وفية لأمها ومربيتها أسماء لحقت بها بعد أسابيع من وفاتها لتدفن إلى جوارها.. تقول الأستاذة رقية الحجري رئيسة مؤسسة الرحمة للتنمية الإنسانية: إن وفاة مريم وقصتها المؤلمة كانت السبب والمحفز الأول في تأسيس هذه المؤسسة لرعاية اليتيمات حيث كانت حادثة الوفاة ضمن الأسباب الملحة للتفكير في إيجاد مأوى آمن وملاذ لمثل هذه الفئات المهمة في المجتمع مأوى لحمايتهم من الجرائم والاستغلال اللاإنساني والانحرافات المختلفة فكانت المرحلة الأولى في إنشاء دار الرحمة لرعاية وإيواء اليتيمات.
Next Post
قد يعجبك ايضا